سكان الجزيرة: الحكومة تجذب المستثمرين على جثث الغلابة.. ولن نرضى أن يحدث لنا مثلما حدث فى الوراق كلما أُثير الحديث عن إخلاء الجزر النيلية فى القاهرة الكبرى، فلا بد مباشرة من البحث عن مستثمرين، فعلى مدار سنوات طويلة كانت تلك الجزر لأهميتها وفرصها الاستثمارية الكبيرة مطمعًا للكثيرين منهم، لكنهم رفضوا التعاقد مع الحكومات المتعاقبة لاستغلال تلك الجزر، إلا بعد إخلائها من الأهالى تمامًا، لعدم الرغبة فى الدخول معهم فى صدام، لكن أهالى تلك الجزر يصرون على الصمود أمام جميع محاولات الإخلاء، مؤكدين عدم صحة الادعاءات الخاصة بالاستيلاء على الأرض دون وجه حق بعدم الحصول على أحكام قضائية. لن تكون محاولات إخلاء جزيرة "الوراق" الأخيرة، ولكن يوجد بعض الجزر النيلية الأخرى مثل "القرصاية والذهب وبنى محمد وبين البحرين" تمهد الحكومة لتطويرها وإخلائها من الأهالي. فقراء جزيرة ذهب قرية "جزيرة الذهب"، واحدة من الأماكن المهددة بالتشريد، فهى تقع على بُعد أمتار قليلة من محطة مترو الزهراء، على كورنيش النيل، لا تستطيع الوصول إليها إلا من خلال "معدية"، تعبر بها فرعاً صغيراً من النهر جنوب محافظة الجيزة، وسط عزلة بيئية طوّقت المكان، ويحتفظ سكانها بطبيعتهم الفلاحية رغم قربها من الحضر, ولا يوجد سوى الحمار كوسيلة للمواصلات داخل شوارعها وبيوتها الصغيرة، حين تصل إلى الجزيرة تستقبلك من بعيد أبراج سكنية مرتفعة، تشعرك أنك فى منطقة راقية جدًا، إلا أن فى الجهة الأخرى من الشاطئ يبرز الفقر، وهذا ما يشكّل الوجه المتناقض للجزيرة والتى يقطنها حوالى 11 ألف مواطن، لا يحظى سكانها بأى ميزة من اسمها، يعانون من غياب كامل للخدمات والمرافق، لا توجد بها مدرسة، لذلك تبلغ نسبة الأمية فيها 90%، يعمل كثير من أهلها فى الزراعة ورعاية المواشي، تغطى مساحة الجزيرة الحقول والمزارع. وأجرت "المصريون" معايشة واقعية فى "جزيرة الذهب"، مع الأهالى لمعرفة ردود أفعالهم على تصريحات الرئيس بإزالة منازلهم، ومدى موافقتهم للانتقال خارجها، وذلك فى أعقاب أحداث الوراق التى وقعت مؤخرًا، والتى باتت ناقوسًا يدق فى قلوب أهالى الجزيرة. وجوه تكتسيها الوجوم، وأعين تترقب، وأسئلة تلوح فى الأفق دون إجابة، وأحاديث تتناثر بصفة دائمة عن مصير الأبناء والأحفاد إذا ما تكرر سيناريو جزيرة "الوراق" بعدما أدركوا أن الخطر لم يعد بمنأى عنهم، إذ أنهم غدوا مُعرضين للمصير ذاته. "إحنا اللى عملنا الجزيرة، تعبنا وشقينا، وزرعنا الأرض حتى تحولت من أرض بور إلى جنة تنتج الخضروات والفواكه.. كانت فين الحكومة عندما شيدت الأهالى البيوت من الطين ثم إلى المسلح، واستخرجت لنا فواتير الكهرباء والمياه، دى أرضنا ولن نخرج منها إلا وإحنا جثث".. بهذه الكلمات المليئة بالغضب والحزن، بدأ محمود محمد أبو ستيتة، أحد أهالى الجزيرة، حديثه ل"المصريون". وقال "محمد": "عمرى 65 سنة ولدت فى الجزيرة وأبنائى وأجدادى موجودين هنا، ومعانا عقود ملكية للأراضي، والبيوت، وبنسدد كل الالتزامات القانونية للدولة، إحنا مش عالة على البلد، والجزيرة مفيش فيها شخص واحد عاطل، الكل بيشتغل، ومشهورين بإنتاج أجود أنواع الفاكهة والألبان، واللحوم، فى الوقت اللى الرئيس بيخرج يشتكى فيه من الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة الموارد". وتابع: "غلط اللى هيعملوا فينا إزاى ياخدوا بيوتنا وأرضنا كده ظلم وحرام ميرضيش ربنا دى أرض إصلاح زراعى الرئيس جمال عبد الناصر هو اللى أدها لينا وهى من حقنا، لو عاوزين يمشونا موتونا الأول إحنا أتولدنا هنا وهنموت هنا فى أرضنا وسط ناسنا وأجدادنا". واستكمل: "الموت عندنا أهون بكتير من إننا نمشى من بلدنا.. أنا بيتى 6 أدوار تعبت وشقيت طول حياتى عشان أعمله وبدفع مياه وكهرباء إزاى ياخدوه ويدونى شقة فى الصحراء، مش هسيبهم ياخدوا بيتى ولا أرضى خالص حتى لو اللى حصل فى الوراق حصل معانا". ووجه أبو ستيتة، رسالة لرئيس الجمهورية قائلا: "يا ريت تبص للناس الغلابة أنا انتخبتك يا ريس عشان تساعدنا وتقف جنبنا وأنت كده بتضرنا وبتأذينا، إحنا راضيين بغلاء الأسعار اللى وصلتنا له، والعيشة الصعبة اللى عايشنها هنا يا ريت كفاية كده وابعد عننا وسيبنا فى حالنا حرام عليك". وعقب سيد إبراهيم، على تصريحات الرئيس بخطورة تواجدهم على نهر النيل وتلويثهم له قائلا: "إحنا أهالى بنشرب من النيل، إزاى نلوثه، لا نصرف الطرنشات بالنيل زى ما بيقولوا، إحنا نستخدم أجود أنواع السماد الطبيعى للأرض الزراعية". وأوضح "إبراهيم"، أن محاولة تهجيرهم من الجزيرة بدأت فى عهد مبارك أيام حكومة عاطف عبيد، وحصل السكان على حكم من القضاء الإدارى بعدم تهجيرهم من الجزيرة، بعد إثبات الأهالى أنهم غير معتدين على الأرض، ولديهم عقود ملكية ومخالصات تثبت حقوقهم القانونية، قائلا: "حاولوا قبل كده يمشونا من هنا أيام مبارك وحصلنا على حكم من القضاء الإدارى أثبت ملكيتنا لهذه الأرض بالقانون". وقال جمعة حسن: "عندى 67 سنة، وعايش مع أولادى وأحفادى فى بيتنا الصغير، ونأكل من خير الأرض اللى بنزرعها، لأن دى مهنتنا ومنعرفش غيرها، ومفيش أى حاجة تعوضنا عن بيوتنا فى الجزيرة ولا حتى الشقة اللى الحكومة عاوزة تهجرنا ليها". وأضاف: "إحنا انتخبنا السيسى لأنه كان بيقول دائمًا إنه مع الغلابة والفقراء، وكنا بنأمل أن توفر الحكومة للجزيرة الخدمات المحرومة منها منذ 100سنة، معندناش مدرسة أو وحدة صحية، ومع ذلك تحملنا الظروف المعيشية الصعبة لكى نعيش". ويقول محمد، صاحب أحد محلات البقالة فى الجزيرة، إنه يعتمد على أصدقائه لنقل البضاعة التى يحتاجها إلى الداخل، موضحًا: "يأتى لى أصدقائى بما أحتاجه داخل سيارة، تقف على الضفة الأخرى لنهر النيل، أتسلّم البضاعة ثم أحملها على المعدية وصولاً إلى الجزيرة". وأضاف: "أنا عشت حياتى كلها فى المنطقة، ومعنديش استعداد إنى أسيبها، إحنا انتخبنا الرئيس علشان يقف جنب الغلابة، وبنطالبه بالنظر لينا بعين الرحمة، ونقوله ياريس إحنا مواطنين مصريين مش مغتصبى أراضى، ومعانا ما يثبت ملكيتنا للأرض". وتابع: "أنتم ليه بتحاولوا تقتلوا أحلامنا، ولو اللى بيتقال دا شائعة، ليه مش بتقولوا الحقيقة؟ الدنيا بقت نار، والأسعار فى ارتفاع مستمر، وكل حاجة بقت صعبة ومع ذلك عايشين ورضينا، وبنقول يا رب وفق القيادة السياسية لصالح البلد". وأردف: "لصالح من يتم طرد 300 ألف مواطن، وهيروحوا فين يا حكومة؟ فين البديل؟ أم تحاولون جذب استثمارات على حساب وجثث الغلابة، وإذا كان الكلام تطوير فقط لماذا لا تشرحون للناس؟!؟. فيما علقت سيدة أخرى من أهالى الجزيرة، والتى رفضت ذكر اسمها: "لن نخرج من الجزيرة، حتى لو الحكومة عوضتنا خارجها بنصف شقق البلد، لن نخرج إلا ونحن موتى، نحن نعلم نوايا الحكومة فى تهجيرنا من الجزيرة نظرًا لموقعها الاستراتيجي، ومن أجل بيعها للمستثمرين كما كان يريد عاطف عبيد فى عهد مبارك". وأضافت: قرأنا منذ فترة أن وزارة الرى والموارد المائية تريد إزالة البيوت الملاصقة للنهر، رغم أن أهالى الجزيرة طلبوا أكثر من مرة برصف النهر لمنع نحر المياه، وهذه البيوت المهددة الآن بالإزالة تم بناؤها منذ سنوات طويلة على مسافة 40 مترًا بعيدا عن النهر، ولكن "النحر" هو الذى تسبب فى المشهد الحالى وعدم استجابة الحكومة للرصف. ومن جانبه، قال سيد عبد البر: "الجزيرة بيتنا وشغلنا، نحن جزيرة منتجة، وقمنا بإدخال كل الخدمات التى من المفترض أنها مسئولية الحكومة بجهودنا الذاتية، حيث قمنا بمد مواسير للمياه عبر النهر من الجانب الآخر للجزيرة لكورنيش المعادي، وكذلك الكهرباء". وأضاف: "إحنا مش بلطجية ولا رجال أعمال استولوا على آلاف الأفدنة وقاموا بالاستثمار وبيعها بالملايين، نحن مواطنون لنا حقوق، وقمنا بتعمير وزراعة الأرض وليس ببناء أبراج، وكما تريد الحكومة إزالة 30 منزلاً بطرح النهر، هل تتخذ هذا الإجراء مع البيوت والفيلات الموجودة بجزيرة الزمالك؟ أم أن سكانها الأغنياء أصحاب السلطة والنفوذ لن يتم الاقتراب من مصالحهم، ويتم فقط هدم بيوت الفقراء؟ ومن جانبه يقول أبانوب إدريس، 20 عامًا، طالب بكلية التجارة قسم الإنجليزي، ومن أهالى الجزيرة: "لا يعرف الكثيرون أن الأهالى يعيشون حياة فالصو وليس كما تسمى جزيرة الذهب، فأهلها يعيشون على القليل من عائد زراعتهم للأرض، من يمرض ليلا منهم عليه الانتظار للصباح حتى لو حالته سيئة، نظرًا لغياب أى خدمات طبية بالجزيرة، بالإضافة إلى توقف عمل المعدية بالنهر ليلا، ومع ذلك ملتزمون بدفع كل الرسوم والعوائد والضرائب والإيجار للأرض والبيت".