يدخل النزاع السياسى بين جماعة الإخوان المسلمين وحُرَّاس النظام القديم مرحلة حرجة، يرتفع فيها سقف الرِّهانات كما ترتفع فيها احتمالات الصدام، وتبدو انتخابات الرئاسة موضوع الساحة الأساسية الآن لهذا النزاع. والحقيقة أنه لا النظام القائم ممثَّلا فى المؤسسة العسكريَّة ولا جماعة الإخوان قصَّرَا فى استجماع قواهم والمراهنة بالكثير من الموارد والجهود للفوز بهذه المعركة المهمة؛ لأن كل الأطراف تدرك أن من سيخرج خاسرًا من هذه المعركة سيخسر كثيرًا، ولفترة طويلة! «شفيق».. واستحضار المواجهة مع «الإخوان» يرى الإخوان فى احتمال وصول «شفيق» إلى مقعد الرئاسة استعادة جزئية للمعادلة السياسية القديمة التى كانت قائمة أيام مبارك، وهى مشاركة الجماعة فى الحياة السياسية ضمن حدود لا تصل بكل تأكيد إلى مشاركة فعليَّة فى إدارة شئون البلاد. والواقع أن هذا الأمر ليس مستبعدًا على الإطلاق، فى ظل أن الرجل لا يُخفى انتماءه إلى مؤسسة الحكم الحقيقية فى البلاد، أى المؤسسة العسكريَّة، بل إنه حتى لا يخفى انتماءه لحكم مبارك، ولم يتراجع عن اعتبار مبارك "مثله الأعلى"! فضلًا عن أن خطابه لا يبدد هذه المخاوف لدى الجماعة، بل يستثيرها، ففى آخر مؤتمرٍ صحفى له غداة انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات تعهد باستعادة ثمار الثورة بعد اختطافها حسب تعبيره، حيث قال:"لقد اختطفت منكم الثورة التى فجرتموها وأتعهد أن أعيد ثمارها بين أياديكم". واستثمارًا للحملة الإعلامية المروَّجة للتيار الإسلامى ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها تسعى «للتكويش» على مؤسسات الدولة باختيارها الترشح لانتخابات الرئاسة! بدأ «شفيق» بإعادة إنتاج شرعية «مبارك» والتى مفادها: أنا أو الإخوان. لا يخفى أن الفريق «أحمد شفيق» مرتبط بالقيادة العسكرية الحالية، وعلى الرغم من قلة الدلائل المتاحة، بالإضافة إلى ترويج المؤسسة العسكرية لفكرة المسافة الواحدة من كل المترشحين، فإنه مما لا شك فيه أنها تدعم وبقوَّة ترشح شفيق، فضلا عن دعم أجهزة الدولة المختلفة له. وهو ما تلمسه «الإخوان» ووتخوَّف منه. باختصار ثمة اعتقاد لدى قيادة جماعة الإخوان المسلمين أن تولى «شفيق» أعلى منصب تنفيذى بالبلاد هو تحدٍ كبير للصعود السياسى للجماعة، ودورها الذى هو حاليًا فى طور التشكل. «العسكرى».. التحسُّب لدورٍ أكبر للإخوان من جانبها، تعتبر المؤسسة العسكرية أن حصول الإخوان على منصب الرئيس يتهدد امتيازات الجيش ومصالحه الاقتصادية، والتوجهات السياسية والاقتصادية التى يراها الجيش الأنسب للبلاد ولمصالحه. تولى أحد قيادات الإخوان منصب الرئيس سيدشن وضعية جديدة للإخوان باعتبارها قطبًا سياسيًّا منافسًا وموازيًا للمؤسسة العسكرية ونفوذها فى البلاد، وهذا ما تراه القيادات العسكرية تهديدًا عاجلًا يجب التعامل معه، وذلك بترشيح ودعم رئيس يمثل امتدادًا لأسلوب الحكم السابق وطريقته، مع إصلاحات قد تتعلق بالفساد الإدارى والمالى دون تغييرٍ راديكالى أو سريع. بل يمكن القول إن دعم العسكر لرئيس مثل هذا يمثل ضمانة لئلا يذهب البرلمان بتشريعاته إلى تغييرات تتجافى مع توجهاتهم. إزاء هذه المعادلة كانت جهود جماعة الإخوان المسلمين فى اتجاه تشكيل اصطفافٍ يشمل القوى السياسية العلمانية كعامل دعم فى معركة الإعادة مع «شفيق»، الأمر الذى ظهر من خلال اجتماعات عقدتها الجماعة مع تلك القوى مؤخرًا, وإن كانت الاستجابة لم تكن إيجابيَّة، ويمكن القول إنها استجابة مترددة على أقصى تقدير. حسابات القوى العلمانيّة بين «مرسى» و«شفيق» بعض القوى بدت وكأنها لن تدعم «محمد مرسى» كتكتيك تفاوضى، يسعون من خلاله للحصول من الإخوان على أكبر قدر من التنازلات؛ أوكأنها ترجئ تحديد موقفها حتى يتبين موقف حمدين النهائى من الإعادة، خاصة أن البعض تداول معلومات تفيد بإمكانية حدوث تغييرات فى نتيجة الانتخابات قد تدفع به إلى جولة الإعادة. فى حين لم يخرج من حسابات عدد من القوى السياسية الليبرالية إمكانية دعم شفيق فى انتخابات الرئاسة فى المقابل؛ فلم يجد مثلا عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عصام شيحة حرجًا فى تصريحه بأن دعم حزبه لشفيق «ليس مستبعداً»، داعياً «الإخوان» إلى سحب مرسى ليخوض صباحى الإعادة ضد شفيق. القوى السياسية العلمانية سواء الليبراليَّة أو اليسارية بدورها تواجه معضلة، فهى من ناحية لا ترحب بالتأكيد بوصول أحد رجال الإخوان إلى سُدة الرئاسة؛ فهذا بلا شك يمثل تحديًا قد يرقى إلى مرتبة التحدِّى الوجوديِّ! إلا أنها من ناحية أخرى تخاطر بشرعيتها إن هى أعلنت صراحة دعمها ل«شفيق». ومن ثم فالمرجح هو أن تنتظر حتى يتبين لها أى من المرشحين سيخرج منتصرًا!