من بين 13 مرشحًا رئاسيًا كان هناك 9 بارزون استمعنا إليهم كثيرًا فى المؤتمرات، وفى الفضائيات التى قدمت خدمة مهمة للمرشح بشرح أفكاره وبرنامجه، وللناخبين للاختيار، تابعنا مرشحين لا يبارى كل واحد منهم فى امتلاك ناصية السياسة والرؤية والفكر والكلام، وكان ذروة استعراض تلك المهارات فى المناظرة المشهودة بين: أبو الفتوح وموسى، فقد كانت مباراة ساخنة حبست الأنفاس خلال متابعتها، بعيدًا عن موقفى الرافض لمرشحى النظام القديم: موسى وشفيق، إلا أننى أركز هنا على مدى قدرة المرشح الرئاسى على امتلاك الأفكار والتعبير عنها بوضوح وإقناع وهى صفات ضرورية فيمن سيكون رئيسًا لمصر أو أى مكان بالعالم. مثلاً، جانب من ظاهرة أوباما وصعوده السريع بعد المؤتمر القومى للحزب الديمقراطى فى 2004 حتى دخوله البيت الأبيض بعد 4 سنوات فقط هى فصاحته وطلاقته اللغوية وقدرته على الوصول لعقل وقلب الناخب الأمريكى بكلمات واضحة وقوية بغير لجج أو تأتأة أو ثأثأة، واللافت أنه إذا كان 8 من بين المرشحين التسعة المعروفين للإعلام وللشارع وخبرناهم كثيرًا فى المؤتمرات والحوارات والمداخلات فإن خالد على وهو أصغرهم سنًا وأحدثهم على الساحة والذى برز إعلاميًا مع ترشحه أبهرنى بطلاقته وبأفكاره وسيطرته عليها وتوظيفها بشكل جيد فى التعبير عن مواقفه السياسية ومشروعه للعدالة الاجتماعية. من فوائد الثورة علينا أن يكون لدينا مثل هذا التنافس بين المرشحين، وهم يعلنون عن قدراتهم، وأن نراهم ونسمعهم وهم يتوددون للشعب؛ لأنهم يعلمون أن هذا الشعب هو صاحب القرار فى الاختيار لذلك يقدمون جميعًا الولاء له، ويعلنون أنهم سيكونون خدمًا عنده بدرجة رئيس، بما فيهم شفيق العنجهى، وموسى المترفع. 60 عامًا منذ يوليو 1952 ونحن محرومون من هذه اللحظة، محرومون من أشياء كثيرة ينتجها مناخ الحرية، منها أن الإرادة الشعبية هى صاحبة الحق الوحيد فى الاختيار وتقرير المصير، فهل اختار المصريون جمال عبد الناصر فى انتخابات نزيهة؟، وهل حصل ذلك مع سلفيه السادات ومبارك؟، المؤكد.. لا؟. وأنا لا أتحدث عن زعامة جمال أو أن الملايين كانوا متعلقين به، هذا صحيح، ولكنه لم يُختبر فى انتخابات حرة لنعلم حجم شعبيته الفعلى، فالمؤكد أنه كان هناك رافضون له أيضًا، ولو كان هناك صندوق شفاف لظهرت نسبة المؤيدين من الرافضين، نفس الأمر ينطبق على السادات ومبارك، حيث لم نكن نعلم حجم شعبيتهما غير الاستفتاءات المزورة التى كانا يكتسحانها بالثلاث تسعات سيئة السمعة. لا أتحدث هنا عن الاستفتاءات على شخص واحد فقط هو الرئيس إنما عن انتخابات تنافسية بين رئيس فى السلطة وبين منافسين له تتوفر لها آليات المنافسة والانتخابات الحرة، وعن متنافسين ومؤيديهم لا يخشَوْن على أنفسهم، ولا ينكل بهم ولا تنحاز أجهزة الدولة للمرشح الرئيس، الانتخابات التنافُسية الأولى فى 2005 كانت شكلية ومهزلة، وانتهت بفوز مبارك بالتزوير مع التنكيل ببعض منافسيه. عشنا نحو 60 عامًا من "النصب" السياسى من خلال شىء اسمه الاستفتاء، وهو تمديد آلى للرئيس حتى الوفاة، حصل ذلك لناصر ثم السادات ومن بعده مبارك، ولو لم تقم الثورة لكان مبارك الآن فى العام الثانى من الفترة السابعة، ولكان المنافقون الأفاقون يطبلون لحكمته وقيادته لمصر نحو الاستقرار والرفاهية. أيضًا إذا كان عبد الناصر والسادات متحدثين مفوهين، ولهما رؤية إلا أننا حرمنا من مقارنتهما بآخرين منافسين لهم يتحدثون ويعلنون عن أنفسهم لنفاضل ونختار الأصلح والأكثر إقناعًا، أما مبارك فإنه لم يكن متحدثًا بالمرة، ولم تكن له رؤية أو أفكار وكانت تصريحاته المباشرة تثير السخرية، فهو لا يستطيع قول كلمتين لهما معنى، ومع ذلك حكَمنا مدة تعادل حكم ناصر والسادات معًا، ومثلاً لو تم اختبار مبارك فى مناظرة مع واحد من المرشحين التسعة، بما فيهم رجُلاه، فإنه لم يكن يقدر على مجاراة خالد على أحدثهم سنًا. كنا نعيش فى عملية "نصب" كبرى، وكنا نعرفها، لكننا لم ندرك حجم خطورتها وما سببته من تردٍّ وتخلف مصر إلا بعد أن تابعنا السباق التنافسى الرئاسى هذه الأيام، وما يجرى يعتبر مجرد بروفة لما هو آتٍ من استحقاقات قادمة عندما تتكرس الديمقراطية والتنافس الحر ويزداد وعى المواطن، ولكن كل الذى أقوله مرهون بالنجاح الحقيقى للتجربة الحالية، أى عدم التدخل فى النتائج لصالح مرشح بعينه، ووسائل التدخل عديدة وخصوصًا مع تحصين لجنة الانتخابات ضد الطعن على قراراتها، حيث مَن ستعلنه فائزًا سيكون هو الرئيس دون أن يستطيع أحد الطعن القانونى. يجب ترك الصندوق هو الذى يختار الرئيس، ويجب عدم التأثير فى الناخبين لتوجيههم نحو مرشح معين، رغم أن الألم سيكون كبيرًا لو فاز أحد رجال مبارك: شفيق أو موسى، وهذه الخطوة هى الأهم بعد الانتخابات البرلمانية لبناء مصر ديمقراطية حرة تتطلع إلى اللحاق بالعالم الأول المتقدم؛ لذلك علينا إنجاحها حتى تحصل قطيعة نهائية مع كل أساليب "النصب" السياسى القديمة. [email protected]