الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ؛ أما بعد فقد أظلنا شهر كريم ، امتن الله على عباده بصيامه وقيامه ، ولنا مع التهجد في هذا الشهر الوقفات الآتية : الوقفة الأولى : معنى صلاة التهجد :- التهجد في اللغة : من الهجود ، ويطلق على النوم والسهر ، يقال هجد نام بالليل فهو هاجد ، والجمع هجود مثل راقد ورقود ، وهجد صلى بالليل ، ويقال تهجد إذا نام ، وتهجد إذا صلى فهو من الأضداد . التهجد في الاصطلاح : وهو صلاة التطوع في الليل بعد النوم ، ويؤيده ما رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة وأبو نعيم في معرفة الصحابي عن كثير بن عباس عن الحجاج بن عمرو قال : { أيحسب أحدكم إذا صلى من الليل أنه تهجد ، إنما التهجد بعد رقدة ، تلك صلاة رسول الله } ( صحيح ) وقد نقل عن عائشة وابن عباس ومجاهد في قوله تعالى : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } ( المزمل : 6 ) أنها القيام للصلاة بعد النوم ، قال ابن العربي المالكي في معنى التهجد ثلاثة أقوال : الأول : أنه النوم ثم الصلاة ثم النوم ثم الصلاة . الثاني : أنه الصلاة بعد النوم . الثالث : أنه بعد صلاة العشاء . الوقفة الثانية : الفرق بين صلاة التهجد وغيرها من النوافل :- أولاً : الفرق بينها وبين قيام الليل : قيام الليل أعم من صلاة التهجد ، فقد يسبقه نوم بعد صلاة العشاء وقد لا يسبقه ، أما التهجد فلا يكون إلا بعد نوم ثانيًا : الفرق بينها وبين إحياء الليل : إحياء الليل يكون بأي عبادة مثل الصلاة أو الذكر أو قراءة القرآن ، بينما التهجد يكون بالصلاة فقط . ثالثًا : الفرق بينها وبين صلاة التراويح : سميت الصلاة بذلك لأن الصحابة كانوا يطيلون القيام فيها ويجلسون بعد كل أربع ركعات للاستراحة ، ولا تكون إلا في شهر رمضان بينما التهجد في أي وقت من العام . رابعًا : الفرق بينها وبين التطوع : التطوع هو ما شُرع زيادة على الفرائض والواجبات من الصلاة وغيرها ، وسُمِّيَ بذلك لأنه زائد على ما فرضه الله تعالى ، والتطوع يكون بالنهار أو الليل بعكس التهجد لا يكون إلا بالليل . الوقفة الثالثة : حكم صلاة التهجد :- كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن حكم صلاة التهجد ، وقد غالى بعض من ينتسب إلى أهل العلم ، فذهب إلى القول ببدعيتها ، وحث غيره على ترك صلاتها بشبهات أوهى من بيت العنكبوت ، والحق الذي لا مراء فيه أن صلاة التهجد سنة عن نبينا ، وليس أدل على ذلك من الأدلة الآتية : الأول : قال تعالى : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } ( الإسراء : 79 ) فقد حث سبحانه وتعالى نبيه على التهجد ، وما ذاك إلا لفضله ، وقد امتثل للأمر ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم نام ، فإذا كان عند النداء الأول وثب فأفاض عليه الماء ، وإن لم يكن له حاجة توضأ } ( متفق عليه ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة تهجده أنه : { نام حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ، ثم استيقظ فوصف تهجده حتى قال ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن } ( أخرجه البخاري ومسلم ) وقد أمرنا بالاقتداء به بقوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ( الأحزاب : 21 ) ، وبقوله : { عليكم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ بعدي ، عضُّوا عليها بالنَّواجذِ } ( رواه أبوداود وصححه الألبانى ) ولا يقدح في هذا ما اعترض به البعض على هذه الآية بأنها خاصة بالنبي ، فجعلوا التهجد من خصائصه مستدلين بقوله تعالى : { نَافِلَةً لَكَ } فهذا مردود عليه بأن الأصل أن كل خطاب للنبي هو خطاب لأمته ما لم يرد دليل على الخصوصية ، وليس ثمة دليل معهم على الخصوصية ، بل الأدلة على سنية الصلاة في حقه وفي حق غيره من المسلمين ، ومما يؤيد ذلك ما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي أنه قال : { أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يومًا ويفطر يومًا } ( رواه البخاري ومسلم ) الثاني : عموم الأدلة الواردة في صلاة جوف الليل ومنها ما وراه عمرو بن عنبسة قال : قلت يا رسول الله ، أي الليل أسمع ؟ قال : جوف الليل الآخر فصل ما شئت } ( رواه أبو داود وصححه الألباني ) وما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين } الثالث : قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع : { لا يكره التعقيب بعد التراويح مع الوتر ، ومعنى التعقيب أن يصلي بعدها وبعد الوتر في جماعة وظاهر كلام ابن قدامة ولو في المسجد ، مثال ذلك صلوا التراويح في المسجد وقالوا احضروا في آخر الليل لنقيم جماعة ، يقول المؤلف إن هذا لا يكره ، ولكن هذا القول ضعيف لأنه مستند إلى أثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال لا ترجعوا إلا لخير ترجونه أخرجه ابن أبي شيبة وهو ضعيف ، أي لا ترجعوا إلى الصلاة إلا لخير ترجونه ، لكن هذا الأثر إن صح عن أنس فهو معارض لقوله " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا " " متفق عليه " فإن هؤلاء الجماعة صلوا الوتر ، فلو عادوا للصلاة بعدها لم يكن آخر صلاتهم بالليل وترًا ، ولهذا كان القول الراجح أن التعقيب المذكور مكروه ، وهذا القول إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله وأطلق الروايتين في " المقنع " و« الفروع » و«الفائق» وغيرها أي أن الروايتين متساويتان عند الإمام أحمد لا يرجح إحداهما على الأخرى ، لكن لو أن هذا التعقيب جاء بعد التراويح وقبل الوتر لكان القول بعدم الكراهة صحيحًا ، وهو عمل الناس اليوم في العشر الأواخر من رمضان ، يصلي الناس التراويح في أول الليل ، ثم يرجعون في آخر الليل ويقومون يتهجدون } اه فانظر أخي الحبيب إلى فقه شيخنا رحمه الله حيث أجاز الاجتماع لصلاة التهجد في العشر الأواخر من رمضان ولم يبدع من صلاها ولم يتركها ويحث الناس على تركها بل حذر الناس من الغلو والإفراط فيما يتعلق بصلاة التراويح وما يتعلق بعددها ونبه إلى خطأ من يتركون الصلاة ويبدعون الناس ، فيراجع كلامه النفيس في الشرح الممتع . الوقفة الرابعة أفضل أوقات التهجد :- أفضل أوقات التهجد ثلث الليل بعد نصفه لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه السابق { أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه } العلة في أفضلية هذا الوقت : أن نوم الإنسان بعد القيام يكسب الجسد قوة ونشاطًا فيقوم إلى صلاة الفجر وهو نشيط ولأنه إذا نام بعد القيام لا يبين عليه أثر السهر فكان أبعد للرياء عنه ، ولأنه سيجمع بين الأدلة ، حديث عمرو بن العاص السابق وحديث أبي هريرة أن رسول الله قال : { ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجب له ؟ ومن يسألني فأعطيه ؟ ومن يستغفرني فأغفر له } ( متفق عليه ) والذي يقوم ثلث الليل بعد نصفه سوف يدرك النزول الإلهي لأنه سيأخذ السدس الأول من الثلث الأخير فيحصل المقصود بالجمع بين الفضيلتين أحب الصلاة وإدراك ثلث الليل الآخر . الوقفة الخامسة عدد ركعات التهجد :- قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - في " الفتاوى الكبرى " : { وقيام الليل في رمضان وغيره إنما يكون بعد العشاء ، وقد جاء مصرحًا به في السنن « أنه لما صلى بهم قيام رمضان صلى بعد العشاء »، « وكان النبي قيامه بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة ، لكن كان يصليها طوالاً » ، فلما كان ذلك يشق على الناس قام بهم أبي بن كعب في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعة يوتر بعدها ، ويخفف فيها القيام ، فكان تضعيف العدد عوضًا عن طول القيام ، وكان بعض السلف يقوم أربعين ركعة فيكون قيامها أخف ، ويوتر بعدها بثلاث ، وكان بعضهم يقوم بست وثلاثين ركعة بوتر بعدها ، وقيامهم المعروف عنهم بعد العشاء الآخرة ، والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد عشرين ركعة أو كمذهب مالك ستًا وثلاثين أو ثلاث عشرة ، أو إحدى عشرة ، فقد أحسن ، كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف ، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره } اه وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : { إن السنة في التراويح أن تكون إحدى عشرة ركعة يصلي عشرًا شفعًا وواحدة وترًا والوتر كما قال ابن القيم هو الواحدة ليس الركعات التي قبله فالتي قبله من صلاة الليل ، والوتر هو الواحدة ، وإن أوتر بثلاث بعد العشر وجعلها ثلاث عشرة ركعة فلا بأس ؛ لأن هذا أيضًا صح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى ثلاث عشرة ركعة } ( متفق عليه ) ، فهذه هي السنة ومع ذلك لو أن أحدًا من الناس صلى بثلاث وعشرين أو بأكثر من ذلك فإنه لا ينكر عليه ، ولكن لو طالب أهل المسجد بأن لا يتجاوز عدد السنة كانوا أحق منه بالموافقة لأن الدليل معهم ، وإنما لو سكتوا ورضوا فصلى بهم تسعًا وتسعين ركعة فلا مانع ولا فرق في هذا العدد حتى على المذهب بين أول الشهر وآخره وعلى هذا فيكون قيام العشر كالقيام في أول الشهر } وقال أيضًا : { وعلى كلٍ ينبغي للإنسان أن لا يشدد على الناس في أمر واسع حتى إنا رأينا من الإخوة الذين يشددون في هذا من يبدعون الأئمة الذين يزيدون على إحدى عشرة ويخرجون من المسجد فيفوتهم الأجر الذي قال فيه الرسول « من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة » ( أخرجه أبو داود وصححه الألباني ) وقد يجلسون إذا صلوا عشر ركعات فتنقطع الصفوف بجلوسهم ، وربما يتحدثون أحيانًا فيشوشون على المصلين ، وكل هذا من الخطأ ونحن لا نشك بأنهم يريدون الخير ، وأنهم مجتهدون لكن ليس كل مجتهد يكون مصيبًا ، والطرف الثاني عكس هؤلاء أنكروا على من اقتصر على إحدى عشرة ركعة إنكارًا عظيمًا وقالوا خرجت عن الإجماع قال تعالى « وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا » النساء ، فكل من قبلك لا يعرفون إلا ثلاثًا وعشرين ركعة ثم يشددون في النكير وهذا أيضًا خطأ } اه أما أقل عدد ركعات التهجد فهو ركعتان خفيفتان لحديث أبي هريرة السابق { إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين } الوقفة السادسة كيفية صلاة التهجد :- أولاً على المسلم أن يصلي التهجد وغيره من النفل مثنى مثنى ، أي اثنتين اثنتين ، فلا يصلي أربعًا جميعًا ، وذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي فقال أو ما ترى في صلاة الليل ؟ قال : مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى } ( متفق عليه ) أما ما جاء بحديث عائشة رضي الله عنها : { ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثًا } ( أخرجه البخاري ومسلم ) فمحمول على أنه يسلم من كل ركعتين لحديث { صلاة الليل مثنى مثنى } وقد ذكرت رضي الله عنها أربعًا وحدها ثم أربعًا وحدها ، لأنه صلى أربعًا ثم استراح بدليل ثم التي للترتيب والمهلة ، ومما يؤيد ذلك : ما رواه زيد بن خالد أنه قال { لأرمقن صلاة رسول الله ليلة فصلى ركعتين خفيفتين ثم ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر وذلك ثلاث عشرة ركعة } ( رواه مسلم ) فإذا قام الإنسان في صلاة الليل إلى ركعة ثالثة أو رابعة متعمدًا بطلت صلاته لأنه تعمد الزيادة على اثنتين وخالف أمر رسول الله الدال على أن صلاة الليل مثنى مثنى ، وقد قال : { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } ( متفق عليه ) وقد قال الإمام أحمد - رحمه الله – { إذا قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر ، أما إن كان ناسيًا لزمه الرجوع متى ذكر ويسجد للسهود بعد السلام من أجل الزيادة . } أه . ثانيًا : اختلف الفقهاء في تخفيف الصلاة أو تطويلها :- قال ابن قدامة – رحمه الله - في " المغني " { وما ورد عن النبي من تخفيفه أو تطويله فالأفضل اتباعه فيه فإنه عليه السلام لا يفعل إلا الأفضل ، وقد ذكرنا بعض ما كان النبي يخففه ويطوله وما عدا ذلك فاختلفت الرواية فيه ، فروي أن الأفضل كثرة الركوع والسجود لقول ابن مسعود إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله يقرن بينهن سورتين في كل ركعة عشرون سورة من المفصل } ( رواه مسلم ) وقال النبي : { ما من عبد سجد سجدة إلا كتب الله له بها حسنة ومحا عنه بها سيئة ورفع له بها درجة } ( أخرجه الترمذي وصححه الألباني ) و« الثانية » التطويل أفضل لقول رسول الله { أفضل الصلاة طول القنوت } ( رواه مسلم ) ، ولأن النبي كان أكثر صلاته التهجد وكان يطيله على ما قد مر ذكره ولا يداوم إلا على الأفضل و" الثالثة " هما سواء لتعارض الأخبار في ذلك ، والله أعلم } اه ثالثًا : يستحب أن يقرأ المتهجد جزءًا من القرآن في تهجده :- فقد { صلى النبي بحذيفة ليلة فقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة } ( رواه مسلم ) وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي عثمان قال : { ودعا عمر القراء في رمضان فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية والوسط خمسًا وعشرين آية والبطيء عشرين آية } ( صحيح ) وروى مالك في الموطأ عن الأعرج قال : { ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان ، قال وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف } ( صحيح ) وروى مالك عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : { أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، قال وقد كان القارئ يقرأ بالمئين أي ذوات مائة آية حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر } ( صحيح ) وبزوغ الفجر أي قرب بزوغه ، والأولى أن يقرأ الإمام على حسب حال القوم فيقرأ قدر ما لا ينفرهم عن الجماعة ، وهنا ننبه إلى أن البعض لا يأخذ بالرخصة التي منحها الله إياه ، فإذا كان مريضًا ترك القعود ظنًا منه أن هذا ينقص من أجره مع أن النبي قال لعمران بن حصين لما اشتكى البواسير صلِّ قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا ، فإن لم تستطع فعلى جنب } ( أخرجه البخاري ) رابعًا : التخيير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها للمنفرد :- فإن كان الجهر أنشط له في القراءة أو كان بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها فالجهر أفضل ، وإن كان قريبًا منه من يتهجد أو من يتضرر برفع صوته فالإسرار أولى ، وإن لم يكن لا هذا ولا هذا فليفعل ما شاء . قال عبد الله بن قيس سألت عائشة : { كيف كانت قراءة رسول الله ؟ فقالت كل ذلك كان يفعل ربما أسر وربما جهر } ( أخرجه الترمذي وصححه الألباني ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { كانت قراءة رسول الله يرفع طورًا ويخفض طورًا } ( أخرجه أبو داود وحسنه الألباني ) وقال ابن عباس : { كانت قراءة رسول الله على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت } ( رواه أبو داود وقال الألباني حسن صحيح ) وعن أبي قتادة : { أن رسول الله خرج فإذا هو بأبي بكر يصلي يخفض من صوته ، ومر بعمر وهو يصلي رافعًا صوته ، قال فلما اجتمعنا عند النبي قال يا أبا بكر ، مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك قال إني أسمعت من ناجيت يا رسول الله ، قال فارفع قليلاً ، وقال لعمر مررت بك وأنت تصلي رافعًا صوتك ، قال فقال يا رسول الله ، أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان ، قال اخفض من صوتك شيئًا } ( أخرجه أبو داود بسند صحيح ) وقال أبو سعيد : { اعتكف رسول الله في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضًا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة } ( أخرجه أبو داود وصححه الألباني ) الوقفة السابعة : كراهة ترك التهجد لمن اعتاده :- يكره لمن اعتاد التهجد أن يتركه بلا عذر ؛ لقوله لابن عمرو : { يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل } ( متفق عليه ) الوقفة الثامنة : قضاء التهجد :- يستحب لمن كان له تهجد ففاته أن يقضيه بين صلاة الفجر والظهر ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل } ( رواه مسلم ) وعن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله إذا عمل عملاً اثبته ، وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة قالت وما رأيت رسول الله قام ليلة حتى الصباح وما صام شهرًا متتابعًا إلا رمضان } ( رواه مسلم ) الوقفة التاسعة : بدعية الاجتماع على قيام الليل أو التهجد في غير رمضان والمواظبة عليه :- وذلك لأن التراويح لا تكون إلا في رمضان ، فمن جمع الناس لصلاة التراويح في غير رمضان في المساجد كان مبتدعًا ، ولكن لا بأس أن يصلي الإنسان جماعة في غير رمضان في بيته أحيانًا أي يفعلها بغير مواظبة وبغير تخصيص لأيام بعينها ؛ لفعل رسول الله ذلك ، فقد { صلى بابن عباس } ( متفق عليه ) ، و { ابن مسعود } ( متفق عليه ) و{ حذيفة بن اليمان } ( أخرجه مسلم في صحيحه ) جماعة في بيته ، لكن لم يتخذ ذلك سنة راتبة ولم يكن أيضًا يفعله في المسجد . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين . والله الموفق . ** نائب رئيس هيئة قضايا الدولة والكاتب بمجلة التوحيد