جاء انتخاب وزير خارجية أثيوبيا السابق تيدروس أدهانوم، مديرًا عامًا لمنظمة الصحة العالمية، ليعزّز من حضورها الدبلوماسي عالميًا بعد ليكون أول إفريقي يشغل المنصب بعد حصوله على غالبية أصوات الدول الأعضاء البالغ عددها 186 دولة. لم تكتفي أثيوبيا بذلك فقد ولايتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي منذ مطلع يناير من العام الحاليّ لتضع لها قدم في العالم كدولة أفريقية مؤثرة. هناك مراقبين يرون أن القبول الواسع الذي تجده شخصية تيدروس أدهانوم وسط جموع الشعب الإثيوبي حتى الذين لديهم مواقف سالبة من الحكومة الفيدرالية، يرجع إلى اهتمامه بقضايا المغتربين والمهاجرين بحسب تقرير نشره موقع "نون بوست". مقارنة مع دول الجوار، تبدو الدبلوماسية الإثيوبية أقوى حضورًا وأكثر تناغمًا وتأثيرًا، فدولة إريتريا المجاورة على سبيل المثال، تكاد تكون منغلقة على نفسها فلا تتحرك دبلوماسيًا إلا في حدود ضيقةٍ بسبب سياسات نظام الجبهة الشعبية "الحاكم"، إذ لا يتحرك وزير الخارجية عثمان صالح في زيارات خارجية إلا نادرًا. وكان يصر أدهانوم على حل المشكلات التي تواجه العمالة الإثيوبية في دول الخليج وأوروبا، ولذلك، يعتقد كثيرون أن نجاح حملات تمويل جزء كبير من ميزانية سد النهضة بواسطة المواطنين الإثيوبيين، يعود إلى اقتناعهم بخطاب الرجل وتصريحاته التي نشرت بعضها صحيفة العربي الجديد بتاريخ 5 من أبريل 2014، حيث إن مصر نجحت في وقت سابق في إيقاف التمويل الدولي للسد باعتبار قيامه يؤثر على مصالحها وأمنها المائي . ونجح وزير الخارجية الإثيوبي السابق في تعزيز العلاقات لتتجه نحو التكامل مع الجارة الشرقية لبلاده "السودان"، وقادت الدبلوماسية الإثيوبية في فترته تلك، مفاوضات حثيثة بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية المعارِضة، أسفرت عن تبادل الأسرى بين الجانبين، كما حاولت أديس أبابا أكثر من مرة إيجاد حلٍ لأزمة الفرقاء في جمهورية جنوب السودان. وتقول السيرة الذاتية لتيدروس أدهانوم، إنه حاصل على درجة الدكتوراة في صحة المجتمع من جامعة نوتنغهام، وماجستير في علم مناعة الأمراض المُعدية من جامعة لندن (المملكة المتحدة)، وقد شغل الرجل مناصب متعددة في بلاده، تتعلق بمجال الصحة والوقاية الطبية، من بينها رئاسته الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز، ثم مجلس مكافحة السل والملاريا، بعدها تولى حقيبة وزارة الصحة وشهدت فترة مسؤولياته إنجازات عديدة أهمها خفض معدلات وفيات الأطفال إلى نحو الثلثين، وانخفاض الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب "الإيدز" بنسبة 90%. لكنّ، شخصية الإثيوبي أدهانوم، لم يتعرف الناس عليها عالميًا إلا بعد أن عُيّن في منصب وزير الخارجية (2012 2016)، حيث شهد عهده نشاطًا واسعًا للدبلوماسية الإثيوبية، مكّنها من تحقيق اختراقات واسعة على صعيد العلاقات مع دول الخليج، إذ أعاد علاقات أديس أبابا مع الدوحة التي كانت قد انقطعت نحو أربع سنوات إثر خلافات ثنائية، وفي الوقت نفسه عمل أدهانوم على الانفتاح أكثر تجاه السعودية والإمارات وسلطنة عمان، مما جعل الأخيرة تتخذ قرارًا بفتح سفارةٍ لها في أديس أبابا. لتلك الأسباب، انزعج البعض وتحسّر على الدبلوماسية الإثيوبية عندما شكّل رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين حكومة جديدة، العام الماضي، غادر فيها تيدروس أدهانوم، مقعد وزارة الخارجية، غير أن خليفته "ورقنه جيبيو" استمر على نهج سلفه في الانفتاح نحو العالم وتعزيز العلاقات مع دول الخليج، إذ أثمرت اتصالاته عن زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أديس أبابا ضمن جولة إفريقية هدفت إلى مد جسور الصلة مع القارة السمراء، وتنويع الاقتصاد والاستثمارات ضمن رؤية 2030. وزار وزير الخارجية الإثيوبي الحالي ورقنه جيبيو، الخرطوم مراتٍ عديدة من أجل توقيع الشراكة والتكامل مع السودان، ولم ينسَ كذلك أن يشد الرحال إلى القاهرة من أجل بث روح الطمأنينة وتهدئة المخاوف المصرية من قيام سد النهضة. أما السودان الذي كان يتمتع بإرثٍ دبلوماسي كبير لكنه تبدد بعد تدخلات الحزب الحاكم ورئاسة الجمهورية في صميم عمل وزارة الخارجية، تلك التدخلات أثّرت سلبًا على أداء الدبلوماسية السودانية، رغم الاختراقات الأخيرة في مجال العلاقات مع دول الخليج وبوادر رفع العقوبات الأمريكية. دليل آخر على نجاحات الدبلوماسية الإثيوبية، هو حسن إدارتها لملف سد النهضة، فضلًا عن تغلُّب أديس أبابا، على وقف التمويل الدولي للسد بطرح سندات وصناديق داخلية، وعندما خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في جولاتٍ شملت دول حوض النيل لحشد الدعم من أجل محاصرة إثيوبيا وإعادة فتح اتفاقية عنتيبي التي لم توقع عليها مصرسابقًا، نجحت الدبلوماسية الإثيوبية بسهولة، في إبطال الاجتماع الذي كان مقررًا له الخامس من العشرين من مايو ، إلى أجل غير مسمى ومن دون أسباب واضحة، الأمر الذي أرجعه الخبير المصري في مجال السدود والمياه، أحمد الشناوي، إلى وجود فريق إثيوبي كامل وظيفته متابعة تحركات الجانب المصري والعمل دائمًا على صد تلك التحركات، متوقعًا أن تكون حكومة أديس أبابا مارست ضغوطًا عالية على دول حوض النيل، خصوصًا تلك التي ترتبط معها بمصالح تجارية.