بعد ايام قلائل يأتينا رمضان حيث سوق الحسنات ، ومعرض النفحات ، ومتجر الطاعات ..!! بعد اوقات وجيزة يأتينا رمضان حيث القرآن و الصيام والافطار والتراويح والتهجد والسحور ..!! بعد ساعات يأتينا شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان ..!! بعد ليال سعان ما تنقضي يأتينا شهرمضان بكراماته وحسناته ، برحماته ونفحاته، نفحة بعد نفحة ورحمة بعد رحمة وفرصة بعد فرصة ، وفرحة بعد فرحة تذكرنا بالله اذا نسينا ، وتدفعنا إلي الحق اذا فترنا ، وتأخذنا إلي الطهر والنقاء اذا تلوثنا ، فإذا أردت التطهر والتالق ، وإذا رغبت السمو والعلو ، وإذا أحببت الإنطلاق والاشراق فلبي النداء وتضرع بالإستغفار و الدعاء ، وناجي رب الأرض والسماء " ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون" البقرة ذلكم خير لكم ، الخير عند الله ، والخير فيما اختاره الله ، والخير فيما قدره الله ، خطاب للمؤمنين من هذه الأمة وآمرا لهم بالصيام ، وهو : الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل ، لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة وجواذب الأرض ...!! خطاب للمؤمنين بان يجمعوا أمرهم ويشحذوا هممهم ، ويحددوا أهدافهم ، ويجددوا نياتهم ، ويخلصوا غاياتهم . خطاب للمؤمنين بهذا النداء المحبب الي قلوبهم " ياأيها الذين آمنوا " فلنرعها سمعنا ونفتح لها قلوبنا ، ونرح بها ارواحنا ، فتصوم الصوم المقبول : تصوم اليد عن البطش والنهب وتكن ممرا لعطاء الله ، وتصوم القدم عن السير في الحرام وتسير الي بيوت الله والاصلاح بين الناس ومساعدت المكلومين والمحتاجين ، وتصوم العين عن النظر الي الحرام وتتامل فبما خلق الله من شئ وتنظر في كتاب الله ، وتصوم البطن عن أكل الحلال في نهار رمضان لتصوم عن الاكل الحرام في رمضان وغير رمضان ، ويصوم اللسان عن الغيبة والنميمة فضلا عن الكذب والنفاق ويتلو كتاب ربه ولا ينطق الا بالحق ، ويصوم الفرج عن الحلال في نهار رمضان ليصوم عن الحرام في رمضان وغير رمضان . ثم فرحة صلاة التروايح : لقد دعانا الله تعالي الي لقاءه و استضافنا في بيوته ، وشرفنا بالمثول بين يديه ، تتصافح ايدينا فتتصافح قلوبنا ، تلتقي وجوهنا فتلتقي امالنا ، تستقيم صفوفنا فتستقيم اخلاقنا ،تتوحد قبلتنا فتتوحد في دنيا الناس غايتنا ، هكذا الاسلام جماله وكماله ،عظمته وعزته ، منزلته ومكانته ، تالقه واشراقه شاء من شاء وأبي من أبي ...!! المؤمن يشعر: بندَمٌ على اقتراف الذنب والشعور بلَدغه وكيِّه وحصاره ، والندم هو بيت القصيد، وحجر الزاوية، ورمانة المسزان في التوبة، فمَن لَم يَشعر به حسرة تَغمره، ونارًا تتأجَّج في قلبه، فليس بتائب - وإن ادَّعى . متي كان العبد دائم الصلة بربه : فقد اصبح اكثر خشية له من سواه ، واكثر حرصا علي طاعته ، واشد بعدا عن مخالفته ، فاذا ما خدعه الشيطان ،فاقدم علي ارتكاب اثم ، تذكر انه بعد ساعة او ساعتين سيقف بين يدي ربه ،الذي يعلم السر واخفي ، فيستحي ان يقف بين يديه وهو آثم ، فيستغفر من ذنبه ، ويعود الي ربه ويقال من عثرته وينهض من كبوته كيف ؟ "إ ِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ " الاعراف ..ثم تكون النتيجة ان يتطهر من ذنبه" إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " العنكبوت وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ... أيها الراغبون في التوبة، أيها المشتاقون إلى الأَوْبة، أبْشروا ، أتاكم شهرُ الغُفران المُرتجى، والعطاء والرضا، والرأفة والرحمة ، أتاكم شهر الصفح الجميل، والعفو الجليل ، والعتق ألأصيل ، والأجر الكثير ، أتاكم شهر النَّفحات والرحمات وإقالة العثرات ، وتكفير السيِّئات ، فليكُن شهركم بداية مولدكم ومؤشر رجوعكم، وإشراق صُبحكم وتَباشير فجركم، وأساس توْبَتكم، هَلُمُّوا إلى ربكم، فباب التوبة مفتوح، وعطاء ربِّكم ممنوح .....!! التوبة : حصن أمين و ملاذ مَكين، ومَلجأ حصين، دَنَسُ المعاصي يُغسَل بماء التوبة ،وزكام الآثام يشفي بروائح الأوبة ، ورائحة الخطايا تُزال بزُلال الاستغفار، والتوبة هروب من العِصيان إلى الأُنس بالرحمن، تحول من السيِّئات إلى الحسنات ، إنها لجوء للرازق علي أبوابه و فِرار من الخالق إلى أعتابه ، وهروب من الجبَّار إلى رحابه .. هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ .[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ] التوبة لها شروط ثلاثة اذا كانت بينك وبين الله تعالي ، الاقلاع عن الذنب ، والندم علي فعله ، وعدم العود اليه مرة اخري ، اما اذا كانت التوبة بينك وبين العباد ، فيضاف شرط رابع وهو رد الحقوق لاصحابها اولا سواء مادية بالاداء او معنوية بطلب العفو ..!! وللأمانة هناك ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وهناك ذنب معلق لا يغفر ما كان بينك وبين العباد ألا بآداء حقوق العباد ، لأن حقوق الله مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاححة ، وهناك ذنب لا يغفر أصلاً وهو الشرك بالله ، الشرك الخفي خطير جداً ، قال تعالى : " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ " يوسف انتهز الفرصة لو أظلك شهر رمضان ، فهو شهر طاعة ، شهر قرب ، شهر استغفار ، شعر عتق من النار ، شهر قرآن ، شهر إنفاق ، شهر قيام ليل ، شهر صلاة الفجر في المسجد ، ( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ) . [ أحمد] قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : العبادات معللة بمصالح الخلق . التوبة : افتقار إلى الله وانكسارٌ، وعود عن الذنب واعتذار ، وإستغفار الي الله في السحر والناس نيام ، وتذلُّل بين يديه وخضوع ، وإقلاع عن الذنب ورجوع، وعَزْم وعهْدٌ على الابتعاد عن المعاصي وأسبابها ومسبباتها ، وعدم مصاحبة مُقترفيها أو ولوج أمكنتها فيما هو قادم ، ورَدٌّ للمظالِم والحقوق المُغتصبة بغير حقٍّ إلى أصحابها وهذا نداء الله - عزَّ وجلَّ - المتلطِّف لعباده المتحبب إليهم ألاَّ يَقنطوا من رحمته، أو يَيْئَسوا من مَغفرته؛ " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " الزمر وما أجْمَل التصوير النبوي : لفرحة الله - عزَّ وجلَّ - بتوبة عبده، قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: لله أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرضٍ فَلاة، فانفَلَتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأَيِس منها، فأتى شجرة، فاضطجَع في ظلِّها وقد أَيِس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخَذ بخُطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدة الفرح ... رواه مسلم... فيا له من فضْلٍ عظيم، وعطاءٍ جسيم من ربٍّ كريم، وخالق رحيم، أكرَمنا بعفوه، وغشَّانا بحِلمه ومغفرته، وجلَّلنا بسِتره، وفتَح لنا باب توبته … احسنوا الي انفسكم بردها الي الرحمن وعتقها من النيران ، واحسنوا الي الناس بالرفق بهم والدعاء له والصبر عليهم ، واحسنوا الي شهركم بصيامه ايمانا واحتسابا ، وقيامه ايمانا واحتسابا ، واحسنوا الي ربكم بالاخلاص في طاعته ، بالتوجه اليه والتوكل عليه والاستعانة به وطلب العون منه فهو تعالي نعم المولي ونعم النصير .. " ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " النحل اللهم بلغنا رمضان ، اللهم وفقنا لصيامه وقيامه وامنحنا اجره ، اللهم سلمنا رمضان وتسلمه منا متقبلا ….