إن عجلة التقدم لا تنتظر أحدًا, فالتنمية مستدامة, والتطور حتمى، وما تعانيه مصر من تراجع تعليمى لا يمثل خطرًا على أمنها القومى فقط, بل أيضًا على تماسكها الداخلى وهويتها, ويجعلها عرضة للانزواء والزوال, لتصبح خارج حدود المستقبل، فالعلم الذى هو درة العقل, وباعث الروح, وملهم النفس, ومحرك الدماء, أصبح مستقبحًا ومستضعفًا عند أمة طالما كانت موطنًا له, ومنبرًا لسموه, ومنارة لهديه. إن أهم مؤشرات إصلاح التعليم, أن يعرف المصريون مكانة العلم وأهميته, وأن يستقر بوجدان النخب السياسية, والثقافية, أن التعليم هو المشروع القومى الإستراتيجى الذى يجب أن تتبناه مصر, وأن يتم حشد أفراد ومنظمات المجتمع لإنجاح هذا المشروع, ولكى يكون إصلاح التعليم مفعلاً، فلابد أن ينطلق من فلسفة معرفية متوازنة بوصفه قيمة وموردًا فى ذات الوقت, ففضيلة العلم ليست وسطًا بين رذيلتى الجهل والكبر فقط, لكنها تدور أيضًا بين فضيلتى المورد والقيمة أو المادة والروح. وتعد مدخلات المنظومة التعليمية (المدرسة - المدرس – مناهج الدراسة)، المؤشر التطبيقى للمؤشر السابق, فالمدرسة وهى الرحم الشرعى للممارسة التعليمية تعد عماد الإصلاح, كما أنها تعد البؤرة التى تتجمع حولها مقومات العملية التعليمية, وعودة الروح للمدرسة لن تكون إلا بالقضاء على البديل غير الشرعى للمدرسة وهو الدروس الخصوصية, ولن تعود للمدرس هيبته إلا بانتفاء تلك الظاهرة المخجلة, أما مناهج الدراسة فلن يتم تحريرها من أغلال الإجابات النموذجية, والاكتفاء بالمحتوى الدراسى أو ما يسمى (المقرر) إلا باتّباع قيم تعليمية وتربوية تؤمن بالحوار, وتقول بلا محدودية العلم, ولا نهائية التفكير, فالعلم لا يعرف الكلمة الأخيرة أو السطر الأخير, وهذا ما يتوافق مع طبيعة العقل البشرى الجمعى, فهو لا محدود الاستقبال, ولا محدود التطور والإبداع. أما المؤشر الثالث فهو هوية التعليم, فالوصول إلى ماهية العلم, وإعادة هيكلة العملية التعليمية أمر لا يستقيم إلا من خلال هوية تستجيب لطبيعة المتعلم وملامح بيئته, لذلك فنحن بحاجة لاستنهاض لغتنا العربية, واستنفار تاريخنا وخصائصنا القومية, وتدعيم التوجه الديمقراطى للتعليم, وقبل كل ذلك الإيمان بالله وصدق الضمير, فتلك هى ركائز العمران موجبات النهضة. البدوى محمد البرعى – باحث فى العلوم السياسية