خبران كالصاعقتين، وهما الخروج من قائمتي التصنيف العالمي في (التعليم والمنافذ الجوية)، فقد كانت الدراسات الإستراتيجية إلى عهد قريب تقيّم مصادر قوة البلاد من خلال ثلاثة عناصر هي: الأرض، وتشمل: (الموقع، والمساحة، والموارد الاقتصادية)، والعنصر الثاني هو: الشعب، ويشمل: (عدد السكان، وتوزيع السكان)، والعنصر الثالث: النظام السياسي، ويشمل: (استقرار النظم، وأداء النظام)، إلا أن في العصر الحديث تغيرت كثيراً معايير تقييم الدول، فأصبح التصنيف العالمي لقوة البلاد وفق عناصر أربع جديدة هي: (العدل، والتعليم، والاقتصاد، ومنافذ الدخول والخروج)، فالتصنيف العالمي من خلال هذه الأوجه الأربع، له دلالات مهمة. فالعدل سنة ربانية، وقيمة حضارية، وضرورة إنسانية، لتكون سلوكاً وواقعاً يمارسه الأفراد في جميع جوانب حياتهم، وتمارسه المجتمعات والأمم في كل شؤون حياتها؛ لأنه أحد أبرز أسباب سعادتها وأمنها وصلاح أبنائها وازدهار حضارتها ورقي مجتمعاتها، ومن ثم تحقق في حياة أفراده الأمن والطمأنينة، فإذا غاب العدل، انعدمت الثقة، واختلت موازين الحقوق، وانتشر الفساد، وفشت الجريمة، وإذا غاب العدل غاب معه الطريق الموصل إلى السلم، وغاب معه الرضا، وغاب معه الأمل في الحياة، وإذا غاب العدل ونزل الظلم وقع النزاع بين الحكام والشعوب، كما أخبر بذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم: "ما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم". أما التعليم فهو المنارة التي يهتدي بها الناس إلى الطريق الّذي سيسلكونه في هذه الحياة، وهو سبب الظّهور والرقي والرفعة، على المستوى الفردي وعلى مستوى الدول، فالدولة الّتي تحافظ على نظامها التعليميّ هي الدولة الّتي تتفوّق في كافّة المجالات وعلى كافّة الصعد سواء الاجتماعيّة أم الثقافيّة أم الاقتصاديّة أم العسكريّة وفي كافة المجالات الأخرى، وهو شريان الحياة لأيّة دولة تسعى وراء رفاه شعبها ونموّها، كما أنه الحاضنة الأولى للإبداع، فإن قيمة البلاد لا تقاس بكثرة الجامعات والمعاهد وإنما بنشر واستثمار العلم والثقافة، وتثقيف الأمم والشعوب، ورفع معنويات أمتهم، وجعلها أمة ذات قلب، وضمير أبيّ. وأن العبرة في التعليم ليست في محو الأميّة بل في آثار التعليم وماذا أضاف إلى الإنسان في فكره، وعقله، وتجاربه، وثقافته؟ فإذا فقد التعليم – في العموم – قيمته، وتراجع تأثيره، وانخفضت جودته حتى خرج من التصنيف العالمي مع هذا الكم الكبير من الجامعات العريقة، فماذا بقي من التعليم؟!! أما الاقتصاد فتنبع أهمّيته من كونه ذو دورٍ فعّال وحاسم في تقدّم الشعوب وتطوّرها بشكل عام، يرسم مصير الدول وآفاقها، وقياس الأداء الاقتصادي للدول يكون عن طريق (الإنفاق الاستهلاكي)، و (سعر الصرف)، و (الناتج المحلّي والقومي الإجمالي)، و (سعر الفائدة)، و (الدين الوطني)، أو كلّ من (معدّل التضخّم) و (البطالة)، وحتّى (البورصة)، وأيضاً (الميزان التجاري)، فإن اختل أيا منها اختل التصنيف العالمي للدول. أما المنافذ التي تستقبل أو تودع المسافرين والزائرين فهي الواجهة، والمرآة التي ترى فيها الدولة حين وصولك وأبرز عوامل رسم الصورة الأولية، بدءا من فن الاستقبال إلى تنوع الخدمات، وهي اللقطة الأخيرة التي تلقطها حين مغادرتك لأي منفذ للبلاد، لترسم لك صورة ذهنية تظل عالقة لفترة طويلة. إن شيوع مثل هذه الأخبار لهو أمر يحتاج إلى عناية نظر وتأمل ودراسة للحفاظ على مصادر تقييم مصادر القوة، والتصنيفات العالمية التي يعول عليها كثير من الدول والإدارات المعنية بالتعامل وجذب الاستثمارات وازدهار السياحة واحترام الشعوب وتقديرها. .............................................................. يتبع حول مصدر قوة التعليم. ** جامعة المك سعود