في مقال أمس تحدثت عن ما اسميته "سفسطة" بعض المثقفين الذين استغلوا مناسبة فوز الإخوان بعدد من المقاعد ، ليتصيدوا ما يطلق عليه "الإسلام السياسي" و الذي تعتبر الإخوان أكبر الجماعات المعبرة عنه و الحاملة لمشروعه ، و اوسعوه نقدا و جلدا قياسا إلى واقع غير موجود من أصله ! مثل خوفهم على "مدنية الدولة" و على "ديمقراطية النظام" من المشروع "السياسي الديني" الذي سيأتي به الإخوان حال تواصلت انتصاراتهم المتلاحقة !! رغم أن نظام الحكم الحالي و كما أوضحت لا هو نظام ديمقراطي و لامدني و لكنه نظام بوليسي انتهازي لا مرجعية دينية و لامدنية و لاديمقراطية له .. مرجعيته الوحيدة هي أجندته التي تعبر عن مصالحه الخاصة و الضيقة .. فليس ثمة ما يخشى عليه عنده من الإخوان .. بل إن الناس اعطوا أصواتهم للجماعة نكاية في الوطني و كراهية له فضلا عن أنهم مسلمون ، يعلمون أن النجاة في التعلق بالدين و ليس في حبال قليلي الدين و الضمير و الأخلاق و الأدب . غير أن أكثر ما يلفت الانتباه ، هو أن يطالب البعض بمن فيهم مثقفون مسلمون و أقباط ، أن يقدم الإخوان ضمانات للمسيحيين المصريين ، في أن يحفظ لهم الإخوان "حقوقهم" ..! و هو مطلب في تقديري استهدف الإساءة أكثر من استهدافه طلب ضمانات حقيقية . فالمعروف إن الإخوان و التيارات الإسلامية على وجه الإجمال ، هم ابناء المشروع الحضاري الإسلامي الذي يستقي مشروعيته من الكتاب و السنة ، و هما المرجعية التي أوصت ب"الأقليات الدينية" خيرا و كفلت لهم حقوقهم و اعتبرت إيذائهم إيذاءا للنبي محمد صلى الله عليه و سلم .. و ذلك هو السرالذي يرجع إليه أن ظلت الاقليات الدينية في الدولة الإسلامية حاضرة و موجودة و محتفظة بعقيدتها و معابدها و بهويتها الدينية حتى الآن .. بل إن الأقلية اليهودية على سبيل المثال ظلت موجودة في العالم الإسلامي ، و في الدول العربية و لم تهجره إلا بعد أن غابت الدولة الإسلامية و حلت محلها الدولة العلمانية التي تفصل الدين عن السياسة ، أي بعد أن غاب الأمان الإسلامي .. و حل محله "المعيار العلماني" الذي لا دين له إلا البرجماتية السياسية التي لا تحتكم إلى الأخلاق و إنما إلى المصلحة و إلى مبادئ الانتهازية المكيافيللية الممقوتة. و لعله من الأهمية هنا أن نثمن سماحة المسلمين الذين لا يطالبون بضمانات مشابهة من الأقباط المسيحيين في مصر حال مكنهم النظام كما هم يطلبون من قنوات و أوعية مؤسسات التشريع و مراكز صناعة القرار السياسي و الأمني .. قياسا إلى التجربة السياسية المسيحية في أوربا مثلا ، او قياسا إلى ما فعله المسيحيون في المسلمين عندما دخلوا الأندلس منذ أكثر من خمسة قرون أو ما فعله المسيحيون في المسلمين عندما دخلوا العراق منذ ما يقرب من عامبن ؟! و اعتقد أنه من العقل و الإنصاف أن لا نحمل المسيحيين المصريين مسئولية المذابح التي وقعت للمسلمين في الاندلس أو في العراق على يد المسيحيين الغربيين ، حتى نطالبهم بضمانات لحماية مسلمي مصر من مذابح مشابهة حال فوز عدد كبير من الاقباط في الانتخابات البرلمانية . و هو ذات الانصاف الذي نطلبه حال التعاطي مع فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية .. و لا يمكن أن نحمل إخوان مصر مسئولية أخطاء طالبان في أفغانستان أو أخطاء الثورة الترابية في السودان أو الخمينية في إيران .. و كأن الإخوان هم أصل الشرور في العالم أو كانوا هم من أرسلوا رجال بن لادن لتفجير برجي التجارة العالمي في أمريكا عام 2001 .. و الإخوان طوال تاريخهم منذ تأسيس جماعتهم على يد الشيخ حسن البنا رحمه الله تعالى عام 1926لم يستخدموا العنف قط لا ضد الأقباط و لا ضد المجتمع .. و إنما مارسوا "العنف السياسي" ضد النظام الملكي الفاسد قبل الثورة ، و لم يكن الإخوان بدعا أو خارج السياق السياسي العام الذي كان سائدا في ذلك الوقت ، و إنما كانوا جزءا من حالة عامة و ممارسة تكاد تكون يومية .. مارسها شيوخ التنوير "الافغاني و عبده " و قادة الثورة " عبد الناصر و السادات " و هو موضوع يستحق مقالا نكتبه لاحقا إن شاء الله تعالى [email protected]