امرت محكمة سويسرية شركات الغاز الطبيعي المصرية بدفع مبلغ 2 مليار دولار لصالح شركة الكهرباء المملوكة للدولة في (إسرائيل) لخرق العقود السابقة، وهي خطوة يمكن أن تعقد فرص قيام البلدين بالتوقيع على صفقات الغاز المستقبلية في الوقت الذي تسعى فيه (إسرائيل) إلى أن تصبح مصدرا للطاقة. أن قرار المحكمة الفيدرالية السويسرية هو قرار تحكيم دولي وهو ما يعد من القرارات الملزمة لمصر خاصة أن مصر صدر ضدها قرار سابق أيضا في هذا الإطار. وقالت المحكمة الفيدرالية العليا السويسرية إن الشركة المصرية العامة للبترول وشركة الغاز الطبيعي المصرية مسؤولتان عن الأضرار الناجمة عن الهجمات المتكررة على خط أنابيب الغاز في سيناء. وكانت الشركات المصرية قد استأنفت الحكم السابق الصادر في ديسمبر 2015 والذي فرض عقوبة قدرها 1.73 مليار دولار. وتعتزم (إسرائيل) حاليا تصدير الغاز الى جيرانها من حقولها البحرية. لكن الحكومة المصرية جمدت المحادثات بعد الحكم السابق وقالت أن أي اتفاق جديد يجب أن يتضمن قرارا بتعليق قضايا التحكيم القائمة. أن الحكم أصبح نهائيا وهو دولي وواجب التنفيذ، والحل الوحيد الآن هو المفاوضات بين مصر وإسرائيل لحل الأمر بشكل ودي، في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر. ويعتبر الشركاء في حقل ليفياثان، أكبر موقع للغاز في (إسرائيل)، مصر كسوق محتمل لغازهم. وتمتلك شركة نوبل للطاقة ومقرها تكساس، ومجموعة ديليك الإسرائيلية المحدودة، أكبر الحصص في الحقل الكبير. بدأت القصة عندما كانت مصر تبيع الغاز لإسرائيل بموجب اتفاق أجله 20 عامًا في عهد الرئيس حسني مبارك الذي سمح بتصدير الغاز لإسرائيل من خلال شركة غاز شرق المتوسط المملوكة لرجل الأعمال حسين سالم، وتضمن الاتفاق تصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا لإسرائيل لمدة 20 عامًا بثمن يتراوح بين سبعين سنتًا و دولار ونصف للمليون وحدة حرارية، بينما وصل سعر التكلفة آنذاك إلى دولارين و65 سنتا. إلا أن الاتفاق انهار في العام 2012 جراء هجمات مسلحين على مدار أشهر على خط أنابيب غاز في شبه جزيرة سيناء كان يضخ الغاز لإسرائيل لتخديم شركة الكهرباء الإسرائيلية. أن الهيئة العامة للبترول بالاشتراك مع الشركة القابضة للغازات البترولية باتت ملزمة الآن قانونا، بدفع المبلغ الذى يعد تعويضا عن وقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل، عقب أحداث 25 يناير 2011، ما اعتبرته الشركة الإسرائيلية انتهاكا للعقود المبرمة، كبدها خسائر فادحة تقدر بالمليارات على حد زعمها. وتسببت الهجمات الغامضة على خط تصدير الغاز لإسرائيل المار فى سيناء، وتفجيره أكثر من مرَّة فى انقطاع إمداد المحطات الإسرائيلية به، ما يعنى "خرقاً للعقود السابقة" بين الطرفين. المحكمة حمَّلت الهيئة المصرية العامة للبترول، ومعها الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي "إيجاس" مسئولية الأضرار الناجمة عن ذلك، بعد أن كانت قد طعنتا على حكم صادر عن نفس المحكمة السويسرية فى نهاية 2015، والقاضي بتغريمهما 1.7 مليار دولار. مصر التي كانت تُصدِّر الغاز الطبيعي لإسرائيل تحوَّل إلى مستورد له، عكس إسرائيل التي صارت مُصدِّرة له، بل والساعية لتصدير غازها عن طريق الأراضي والمياه الإقليمية المصرية. الحكومة المصرية رفضت طلباً إسرائيلياً بعقد تلك الصفقة "العكسية" قبل فترة، واضعة شرطاً أساسياً وهو تنازل الإسرائيليين عن تلك القضية، قبل أن يتم رفع الغرامة من 1.7 مليار لاثنين ملياراً. الآن سيكون الخيار واحداً من اثنين، فعلى القاهرة أن ترضخ للحُكم وتدفع المليارى دولار للشركة الإسرائيلية كتعويض، أو تقبل بإقامة مشاريع ضخ الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها، فيتم التوصُّل لتسوية ترضى الطرفين، خيارين أحلاهُما مُر، لكن من الواضح أنه كالعادة، فليس باليد حيلة. ولم تكن هذه هي دعوى التحكيم الدولي الوحيدة ضد مصر، فقد بلغ عدد دعاوى التحكيم المرفوعة في مركز "أكسيد" للتحكيم، التابع لمجموعة البنك الدولي ضد الحكومة 7 دعاوى في قطاعات مختلفة منها الغاز الطبيعي والأسمدة وإدارة المخلفات والقطاع السياحي، وكان من بينها دعوى شركة الكهرباء الإسرائيلية التي حصلت أمس على حكم نهائي بإلزام مصر دفع ملياري دولار. إن الاستحالة القانونية تحتل مجالا واسعا في العقود الدولية لأنها دائما ما تكون النتيجة الفعلية لتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية من خلال وضعها سياسة السوق لأغراض التبادل التجاري الدولي . وفي هذه الحالة نجد غالبا المدين يتعثر في إنجاز التزاماته بموانع قانونية صادرة عن السلطة العامة لبلده . و مثل هذا الافتراض قد يكون مصدر خصوصية الصعوبات التي تسود العلاقات الدولية في الوقت الحاضر . فمن الضروري إذن لشرط القوة القاهرة المتفق عليه أن يأخذ بالاعتبار تلك الحوادث التي تقود أحد أطراف العقد إلى وضع الاستحالة القانونية لتنفيذ العقد ، و نذكر منها على سبيل المثال : الإجراءات التي تتعلق بعمليات الاستيراد و التصدير . منها مثلا رفض إجازة التصدير لبعض أنواع البضائع لأسباب صحية أو تقنية ، وكذلك القيود الخاصة بتحويل ثمن العقد بالعملات الأجنبية التي وردت في شروط العقد . و غير ذلك من القرارات التي قد تصدرها السلطات التشريعية أو التنفيذية . إلا انه من المؤسف إن هذه الأحداث لم تتطرق إليها أحيانا أو تنص عليها صراحة شروط القوة القاهرة رغم آثارها السلبية على تنفيذ العقود الدولية ، حيث يحظى غالبا حادث القوة القاهرة بتعريف عام ذات محتوى قد لا يكون محددا بشكل جيد و دقيق . رغم ذلك يمكن القول بان المفهوم الحديث للقوة القاهرة اصبح اكثر قربا من واقع ظروف تنفيذ العقد و انسجاما مع حاجة المعاملات التجارية الدولية . و هذا الوضع الجديد كان محصلة قواعد اتفاقية صريحة يهدف منها المتعاقدين التخفيف من تشدد الموقف التقليدي لعناصر القوة القاهرة . وهكذا نرى بان خاصية عدم التوقع و كذلك خاصية عدم المقاومة قد حصل لهما بعض التراجع ،بحيث لم يعد من الضروري تلازمهما في الحادث المكون للقوة القاهرة . من ذلك يتضح لنا جليا أن هناك ثمة تعديل مهم اتسم بالتوسع في المحتوى و التطبيق و أدى بالنتيجة إلى القبول بان الاستحالة القانونية لتنفيذ العقد تعطي تبريرا واقعيا لا يمكن تجاهله ولا خلاف على أثره في تكوين المفهوم الحديث للقوة القاهرة . و هنالك من الشروط التي خففت من معيار الحالة التي لا يمكن تجنبها L'inévitable . وفيما يتعلق بهذا المعيار يمكن أن نستشهد بالمثال التالي : " يفهم من حالة القوة القاهرة لتنفيذ العقد كل عمل لا يمكن توقعه ، لا يمكن مقاومته ، خارج سيطرة الطرفين ، لا يمكن تجنبه من قبلهما رغم كل الآثار المعقولة و الممكنة أن مجموعة الشركات المالكة لحقل الغاز الإسرائيلي "تمار"، وقعت صفقة مع شركة "دولفينز" للغاز الطبيعي المصرية وصفت بأنها الأكبر، وتمتد ل15 عاما، لتوريد الغاز الإسرائيلي إلى مصر بقيمة قد تصل إلى 20 مليار دولار، أعلى 60% من سعره العالمي، في حين كانت إسرائيل تستورد الغاز المصري في عهد المخلوع حسني مبارك، بأقل من عشر سعره العالمي. إن سعى إسرائيل لإتمام الاتفاق التجاري مع مصر لتصدير الغاز الطبيعي واستغلال البنية التحتية المصرية من محطات إسالة وشبكة خطوط الغاز لتكون المنفذ لها لتصدير الغاز الخاص بها للخارج . أن مصر وضعت ثلاث شروط رئيسية لإتمام هذا الاتفاق وهو تنازل إسرائيل عن كافة قضايا التحكيم الدولي ضد مصر والقرارات الصادرة منها والشرط الثاني حصول مصر على احتياجاتها من الغاز الطبيعي وقت حدوث أي عجز لديها من الغاز والشرط الثالث هو حصول مصر على رسوم مرور الغاز الطبيعي الإسرائيلي في خطوط الشبكة القومية المصرية وهو الأمر الذي لا تحبذه إسرائيل وفق الرؤية المصرية . أن تقوم الحكومة بفسخ العقد مع إسرائيل وإلغاء الاتفاقية معها، إلا أن شركة "أمبال" الإسرائيلية لجأت إلى التحكيم الدولي ورفعت أربع قضايا ضد مصر بعدما أعطت مصر الإذن لها للجوء إلى التحكيم متوقعة أنها ستخسر بذريعة أن ما حصل يعد من عوامل الطبيعة وخارج عن قدرة الحكومة المصرية.. تتحقق آثار القوة القاهرة بسبب توفر معيارين أساسيين في حالة عدم تنفيذ الالتزامات العقدية . وهذه القاعدة تنطبق سواء كان العقد محليا أم ذات طابع دولي . المعيار الأول : أنه في حالة تخلف أي طرف من الأطراف تنفيذ التزاماته العقدية ، فإن إخفاق المدين بسبب الحادث الجبري ينشأ عنه بالضرورة آثارا سلبية مباشرة على مصير العقد . وإذا كان مبدأ القانون المحلي أو الدولي يقضي بفسخ العقد وانحلال الرابطة بين المتعاقدين عند استحالة التنفيذ المطلق ، فإنه ليس هنالك ما يمنع تعليق تنفيذ العقد لمدة معقولة يقبل بها الطرفين إذا تبين احتمال زوال ظروف القوة القاهرة وإمكانية استئناف تنفيذ العقد ضمن شروطه الطبيعية من جديد . وهذا الحل يتطابق مع مصلحة طرفي العقد الدولي حيث المهم لهم ليس فقط في تكوين العقد ، وإنما في تمام تنفيذه وتحقيق الغرض الذي يرميان إليه من إبرامه . المعيار الثاني : تطبيقا للقاعدة العامة في الالتزامات العقدية ، هو إن عدم تنفيذ الالتزام يرتب على المدين المسئولية العقدية ودفع التعويض عن الأضرار الناجمة عن فسخ العقد لعدم الوفاء بالتزامه . إلا أن حالة القوة القاهرة تعطل العمل بهذه القاعدة استنادا إلى القواعد القانونية التي تحكم الآثار المعفية لمسئولية المدين عند عدم وفائه بالتزاماته العقدية لأسباب خارجة عن إرادته ولا يد له فيها . ولقد حاول العرف التجاري الدولي تأكيد العمل بهذا المبدأ من خلال النص عليه صراحة في الشروط الاتفاقية بين المتعاقدين . تلك هي الآثار المباشرة لحالة القوة القاهرة . إن هناك العديد من الجهات المعنية تتولى إدارة ملف التفاوض مع إسرائيل فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي في الاتفاق بالإضافة . أن إسرائيل تسعى بكل الطرق في الحصول على مزيد من الإحكام في قضايا التحكيم الدولية ضد مصر .. يعتبر استحالة تنفيذ العقد هو ما يطلق عليه بالقوة القاهرة يعني أن استحالة تنفيذ إلزام المدين يترتب عليه انفساخ العقد من تلقاء نفسه بأن "في العقود الملزمة للجانبين إذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا انقضى معه الالتزام المقابل له ، و انفسخ العقد من تلقاء نفسه ، فإذا كانت الاستحالة جزئية انقضى ما يقابل الجزء المستحيل ، و مثل الاستحالة الجزئية الاستحالة الوقتية في العقود المستمرة و في كليهما يجوز للدائن فسخ العقد بشرط علم المدين " أما الظروف الطارئة يحدث بعد إبرام العقد وخلال تنفيذه تظهر ظروف استثنائية عامة غير متوقعة من شأنها أن تجعل التنفيذ الالتزام العقدي اشد ارهاقا ويتولد عن هذا أن للمتعاقد الحق في مطالبة الإدارة بتعويض جزئ يغطي ما أصابه من خسارة، وهذه الطروف الطارئة تسري على العقود المستمرة التنفيذ أو الفورية التي يؤجل تنفيذها أن هذه النوعية من الأحكام التي تواجهها مصر لا يجوز النقض أو الاستئناف وهو يعني أنها واجبة النفاذ. أن مصر مجبرة على دفع المبلغ المطلوب وأن المحكمة أضافت الفوائد المستحقة عن فترة التأخير في السداد والتكاليف القضائية والمحاماة وأنه إذا لم تدفع مصر المبلغ المستحق عليها، فستكون أصول مالية وتجارية تعود لمصر في الخارج مهددة للاستحواذ عليها بأمر من تلك المحاكم. وفي حال تعنت الحكومة المصرية وآثرت عدم دفع المبالغ المترتبة عليها فإن هذا سيضر بتصنيفها الائتماني، وقد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية، مع العلم أن مصر بحاجة ماسة إلى تصنيف ائتماني جيد في هذه الفترة بالذات والذي سيجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد. إبرام عقود غير سليمة ولا تحقق المصالح القومية للدولة مما يشكل عبئا على الدولة في النهاية. أن قضايا التحكيم الدولي تعتمد على ما يسمى ب"الاتفاقيات الثنائية" بين مصر ودول أخرى يبلغ عددها 1566 تعاقد دولي تجاري خاص وبناءًا على هذه المعاهدات الدولية فإن من حق أي مستثمر من جنسيه هذه الدول في حالة ICSID أو مزدوج الجنسية في حالة الغرف التجارية أن يرفع قضية ضد مصر لتعويض مالي حقيقي أو متصور. ولا يعد الانسحاب من تلك الاتفاقيات الثنائية أو إلغاء انضمام البلاد إلى التحكيم الدولي حلا لهذه الأزمة لان هذا يضر بسمعة البلاد الاستثمارية ويقتل فرص جذب الاستثمارات الأجنبية وهو ما يعود عليها بأثر رجعي. لا إن آثار الظرف الطارئ هي أقل وطأة على حياة العقد من آثار القوة القاهرة . إنه يجعل فقط تنفيذ العقد مرهقا ماليا باهض الثمن بحيث يؤدي إلى خسارة فادحة للمدين بالتنفيذ بسبب انقلاب توازن العقد . إلا إن هذا الظرف لا يؤثر على مبدأ استمرار تنفيذ العقد . فبالرغم من التغيير الجذري الذي طرأ على التوازن الاقتصادي للعقد ، على المدين أن لا يتوقف عن تنفيذ التزاماته طبقا لما نصت عليه شروط العقد وإلا أعتبر إخلالا بالعقد توجب عليه المسئولية . غير أن مبدأ العدالة يقضي بإعادة النظر في التزامات المدين لغرض تحقيق الموازنة العقدية و التوفيق بين مصلحة الطرفين .أما القوة القاهرة ، فإنها تؤدي إلى تعليق تنفيذ العقد بشكل مؤقت أحيانا ، أو بشكل دائمي بسبب استحالة التنفيذ المطلقة ومن آثارها انقضاء العقد . وبناء على ما تقدم ، فهل يسمح شرط القوة القاهرة الاختلاط مع مبدأ الظروف الطارئة ؟إن غياب تشريع عام ملزما للجميع يحكم العلاقات التجارية الدولية يكون سببا في عدم الاطمئنان من نتائج تطبيق قواعد القانون الداخلي على العقد الدولي في حالة القوة القاهرة . فمن المعروف مثلا إن اغلب التشريعات الداخلية تتجاهل فكرة الظرف الطارئ L'imprévision وذلك عملا بأن مبدأ القانون الذي يقضي بالقوة الملزمة للعقد تتعارض مع أي تعديل يستوجبه العقد تتطلبه حالة الظرف الطارئ . وهناك أيضا من التشريعات من لا تعترف أساسا بقاعدة الظرف الطارئ كالقانون السويسري والألماني والإسباني و تعتبره غير قانونيا . و الأمر ليس كذلك بالنسبة لحالة القوة القاهرة رغم فقدان تعريف قانوني دقيق لها في ظل التشريعات الداخلية . ولقد حاول القضاء الفرنسي تحديد خصائصها ويبين عناصر تكوينها الأساسية وهي التي نطلق عليها مفهوم النظرية التقليدية للقوة القاهرة . فهل يصح أن تتعرض هذه المحاولة للنقد باعتبارها تستهدف من حيث الأساس الظروف المحيطة بالعقود المحلية ؟ كما إنها لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الصعوبات و المشاكل التي تعترض تنفيذ العقود في ظل العلاقات التجارية الدولية التي يكون فيها مبدأ القوة الملزمة للعقد اكثر مرونة وموضوعية .