طرح لقاء السراج - حفتر فى الإمارات، الذي تم بوساطة عربية ودولية، قبل يومين، أسئلة عديدة، أهمها إن كان بوسع هذا اللقاء أن ينهي الأزمة المستمرة منذ سنوات في البلاد، لا سيما وأن الرجلين أصبحا يمثلان قطبي طرفي النزاع. والملفت هنا هو إمكانية مساهمة الاتفاق في حل أزمة تقاسم النفود والسلطة بالبلاد، لتبقى معضلة تطويع الميليشيات وإنشاء "جيش موحد" هي رصاصة الرحمة التي تهدد وتحكم على مدى نجاح أي اتفاق محتمل وفقا لوصف تقرير أعدته وكالة الأناضول. هذا اللقاء جاء عقب آخر بين ممثلين للطرفين، وهما رئيس مجلس النواب، المنعقد في مدينة طبرق (شرق)، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة الاستشاري، عبد الرحمن السويحلي، لكن لقاء السراج وحفتر حظي باهتمام أكبر بكثير من سابقه، ولقي ترحيبا-محليا ودوليا وأممياً- فاق ما قبله، في دلالة واضحة على أهمية اللقاء في مستقبل ليبيا. ** وضع المؤسسة العسكرية السراج من جانبه، أوضح أن "اللقاء أكد على جملة من القضايا، أبرزها الدعوة إلى حوار مجتمعي موسع لترسيخ الثوابت الوطنية، وتأصيل فكرة بناء الدولة الديمقراطية المدنية، والعمل على التسريع في الاستحقاق الدستوري، لتجاوز المرحلة الانتقالية الحالية في أسرع وقت". ومن أبرز القضايا التي تم التأكد عليها، وفق السراج، "وضع استراتيجية متكاملة لتطوير وبناء الجيش الليبي الموحد، والتأكيد على انضواء المؤسسة العسكرية تحت السلطة المدنية، وتوحيد الجهود والإمكانيات لمحاربة المجموعات الإرهابية والقضاء عليه عسكريا وفكريا". ولا يعترف حفتر، المعين من قبل مجلس النواب، بسلطة حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، في العاصمة طرابلس (غرب)، فيما يصر السراج علي أن تكون القيادة العسكرية تابعة وخاضعة لسلطة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. ** ترحيب أممي وإقليمي في تغريدة على حسابه الشخصي على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، اعتبر مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى ليبيا، مارتن كوبلر، الثلاثاء، أن لقاء السراج وحفتر يمثل "خطوة أساسة نحو تطبيق الاتفاق السياسي". وفي ديسمبر 2015، وقعت أطراف النزاع الليبي، برعاية الأممالمتحدة، اتفاقا لإنهاء أزمة تعدد الشرعيات، تمخض عنه مجلس رئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ومجلس الدولة (غرفة نيابية استشارية)، إضافة إلى تمديد عهدة مجلس النواب في طبرق، باعتباره هيئة تشريعية. مع مرور أكثر من عام على توقيع الاتفاق دون اعتماد مجلس النواب (الذي يريد إدخال تعديلات على الاتفاق) لحكومة الوفاق، اعتبرت أطراف في شرقي ليبيا، أن الاتفاق السياسي انتهى، وهو ما ترفضه الأممالمتحدة. ووصف المبعوث العربي إلى ليبيا، صلاح الدين الجمالي، اللقاء ب"التاريخي"، داعيا، خلال مداخله له مع إحدى القنوات التلفزيونية الليبية، الليبيين إلى أن يساندوا مثل هذه اللقاءات بين مختلف الأطراف. ** خطوة أولى مهمة وفق الإعلامي الليبي، علي جابر، فإن "لقاء حفتر بصفته القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية مع السراج بصفته رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني هو وإن لم يحل الأزمة مباشرة، فهو خطوة أولى مهمة نحو الوصول إلى حل". جابر اعتبر، في حديث مع الأناضول، أن "اللقاء يعطي الأمل للشعب الليبي بأن بإمكان كافة الأطراف وإن اختلفت أن تجلس وتتحاور وتصل إلى نقط اتفاق تنطلق منها نحو وضع خارطة للحل، الذي يبدأ بتوحيد كافة مكونات الجيش غربا وشرقا وجنوبا، تحت قيادة واحدة تصدر التكليفات لكافة أمراء المناطق العسكرية، وبعد توحيد الجيش سيكون هو الحامي لكافة الإجراءات التي تتخذها السلطات المدنية". بدوره، قال محمد فرجاني، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، إن "لقاء حفتر والسراج بإمكانه حل الأزمة الليبية إذا تمت اجتماعات أخري وجري تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه". ومدللا على تفائله، تابع فرجاني، في حديث مع الأناضول، أنه "بمجرد الإعلان عن أن اللقاء تم انخفض سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية الليبية، التي كانت يوميا تفقد قوتها بشكل مخيف، وهذا مؤشر إيجابي على نجاح اللقاء". ** أزمة الشرق والغرب في المقابل يقلل آخرون من أهمية اللقاء، ومنهم السياسي الليبي، حمود ناجح، الذي قال للأناضول إن "لقاء السراج وحفتر لن ينهي الأزمة؛ فببساطة أحد المجتمعين لا يمثل طرف النزاع كاملا". ناجح أردف قائلا إن "معادلة الأزمة الليبية هي بين الشرق بكل طوائفه من سلطة ومؤسسات وسكان وبين الغرب بمن هناك من مؤسسات وسلطة، وإذا ركزنا علي موقع السراج من الغرب وحفتر من الشرق سنفهم أن الأزمة لن تحل باجتماعهما". تابع موضحا أن "حفتر هو الحاكم الناهي في جميع شرقي البلاد، وبالتالي يستطيع أن يقدم علي طاولة الحوار، ويستطيع الالتزام بما يعد به كون كلمته مسموعة في كل الشرق، أما السراج فلا يستطيع أن ينفذ وعوده؛ لوجود قوي ومؤسسات لا تأتمر بأمره في غربي البلاد، وبالتالي ليس لديه ما يقدم علي الطاولة". واستطرد بقوله: "لو قبل السراج بما يطلبه حفتر، وهو حل المليشيات المسلحة، فسيعني هذا أن قوات تحالف البنيان المرصوص، وهي فجر ليبيا سابقا، ستصبح خصما لهذا الاتفاق، لا سيما وأنها عبارة عن تجمع لمليشيات اكتسبت الشرعية، لكنها لا تزال مليشيات، وليست جيشا، وبالتالي إذا تضمن الوفاق بين حفتر والسراج أي بند يمس نفوذ أو بقاء هذه المليشيات فلن تطيع السراج". وأشار السياسي الليبي أن "هذه المليشيات ستنقلب علي السراج، كما انقلبت علي حكومة عبد الله الثني في طرابلس فور إعلانه، عام 2014، الاعتراف بحفتر قائدا للجيش، وقتها كانت تلك المليشيات تسمى فجر ليبيا، واليوم هي بالمكونات نفسها تسمي البنيان المرصوص"، على حد قوله. ومضى قائلا: "هناك بقايا المؤتمر الوطني(السابق) والمليشيات التابعة لحكومة الإنقاذ في طرابلس، والمليشيات التابعة للجماعة الليبية المقاتلة السابقة، وقوة كبيرة تأتمر بأمر المفتي الصادق الغرياني، الذي وصف لقاء حفتر والسراج بالمؤامرة.. كل تلك القوي ليست خاضعة للسراج، وبالتالي الأزمة لن تنتهي بجلوسه مع حفتر واتفاقهما". ** مجاملة للإمارات ومصر وبحسب فرج الهوني، وهو عقيد ليبي متقاعد، فإن "اللقاء ربما يكون مجرد مجاملة من حفتر لحلفائه، الإمارات ومصر، كون الدولتين هما الداعم الأول لقوة المشير". ورجح الهون "أن يكون المشير حفتر وافق علي اللقاء كي لا يحرج الدولتين، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سيوافق علي تنفيذ أي شي أو الوصل إلي اتفاق واضح ينهي الخلاف نهائيا". ووفق العقيد الليبي المتقاعد فإن "المشير لن يتدخل في أمور سياسية، حيث صرح مرارا أنه ليس له علاقة بالسياسة، وأن مهمته هي القضاء علي الإرهاب عسكريا، وأن التفاوض هو مهمة البرلمان.. كيف يتفاوض حفتر الآن ويتفق علي أشياء من صلب السياسة كتشكيل حكومة وفاق وإجراء انتخابات(؟!)". ومنذ أن أطاحت ثورة شعبية بالعقيد معمر القذافي، عام 2011، تتقاتل في ليبيا كيانات مسلحة متعددة، وتتصارع حاليا ثلاث حكومات على الحكم والشرعية، اثنتان منها في طرابلس، وهما الوفاق، والإنقاذ، إضافة إلى الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق)، المنبثقة عن مجلس النواب في طبرق.