ذكرت فى مقال سابق أن العامة من المصريين كانوا إذا أفحشوا فى سَب أحد قالوا باستنكار: انت درزى يا أخى؟!، انت يهودى؟، أو: انت ابن رفَضَة - أى شيعى - إذ استقر فى الوجدان الشعبى ربط هؤلاء بأولئك، نفورًا واستخباثًا، وإيجاعًا فى السب. وكان قد بدأ فكر تصدير الثورة الشيعية أواخر التسعينيات، وتحمَّس له كثير من المراهقين الدعويين الذين كانوا متحمّسين لها حماسة عجيبة، بسبب تأييد رؤوسهم الحركية، التى لم تفهم الحقائق، ولم تعِ الدور الباطنى التاريخى البغيض! ثم أحيانى الله تعالى لأرى السادات، رحمه الله، يستزرع فى بلدى نبتة خبيثة، حين رضى بمجىء الباطنية "البهرة" إلى مصر تحت شعار العناية بمراقد أهل البيت، فبذلوا لترميم أضرحة ومساجد معينة، والمصريون بين منصرف غافل، ومستحسن جاهل، ومُغرِض متآمر، ثم مَكَّن لهم - على حساب البلد وأمنه ووَحدة مذهبه، وإن تظاهر بغير ذلك - نظام حسنى مبارك، وحبيبه واستخباراته الخائنة التى لم تكن تهمها مصلحة مصر بقدر تثبيت كرسيه، والحفاظ على مصالحه، فاستزرعوا خلايا سرطانية فى الجسد المصرى السُّنى، كان يأتيها رزقها رغدًا من قُم وكربلاء والنجف وبُؤر التمويل الأخرى، واشتَرْوا بأموالهم الرديئة أقلامًا صحفية (بَغيَّة) تبيع عِرْضها لمن يدفع، ومَن (يُفسِّح) ومَن يمول رحلات لكعبات جديدة هى أوْلى عندهم من البيت الحرام، ومراقد تُشَد إليها الرحال، باعتبارها أقدس من المساجد الثلاثة. ثم فُجعت اليوم (الخميس) حين قرأت على عشرات المواقع الإلكترونية نصًّا واحدًا، متكررًا، مستنسَخًا، يُسقَى بماءٍ خبيث واحد، عن تنظيم عدد من (المصريين الشيعة) مراسم تعزية، فى أول حسينية تم افتتاحها فى مصر، بعد زيارة واحد من الملالى الكبار، فى ظل المجلس العسكرى، وتجاهل أو تغافل حكومة الدكتور الجنزورى، و...الشيخ أحمد الطيب وعلى جمعة!، رغم ما قيل من أن هذه الحسينية أثارت غضب الأزهر ونقابة الأشراف!، ووفق "العربية نت" فقد اجتمع عدد من الشيعة، (بينهم نساء) فى هذه الحسينية بالقاهرة؛ ليضربوا صدورهم، وينشدوا لُطمياتٍ إحياءً لذكرى مقتل عدد من أهل البيت، رضى الله عنهم، فى مناسبات اعتاد الشيعة فى العالم إقامتها! وجاء فى الخبر: كان الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية ووزارة الأوقاف ونقابة الأشراف استنكروا زيارة قام بها إلى مصر الملا الشيعى اللبنانى على الكورانى المقيم بقم، والمتفرغ للتبشير بالمهدى المنتظر، والذى يحظى بدعم كبار المرجعيات الدينية فى النجف وقم. وأشار الخبر إلى عقده ندواتٍ دينيةً خاصةً داخل بيوت عدد من الشيعة (بالقاهرة والمحافظات) وإلقائه محاضرات تشييعية بحضور حشد كبير من الشيعة المصريين!، وقد راعنى الخبر المستنسخ الذى يبدو أن أحدًا لم يحلله، ولم يقرأه قراءة صحفية، ولا شرعية، ولا وطنية، ولا أمنية، ولا مستقبلية، وراعتنى ال(خيبة اللى بالوِيبة) واستمرار التغابى أو العمالة.. وبدأ خيالى يشرد نحو آفاق مريعة: تخيلت إحاطتهم بالأزهر، وتآمرهم ثم هجومهم عليه، ومطالبتهم الدولة بردّه؛ باعتباره ملكية قدَّاحية باطنية، تسترت باسم الفاطمية (على "الزهراء" السلام والرضوان)، ويُجهدون أنفسهم فى التخطيط ونصب الفِخاخ حتى يستعيدوه؛ ليشرعوا فى إقامة حلقات لعن الصحابة، وسب الأمة، وتسفيه السنة، وقذف الطاهرة العفيفة الصدِّيقة بنت الصديق عائشة، رضى الله عنها وأرضاها. وتخيلت أحدهم بعمامته السوداء، ولَكنته العجماء، على مِنبر الأزهر، يلطم وينوح، ويغنى ويستعبِر، ويلطم ويطبر، ويسب ويلعن، ويدعو المسلمين لشد الرحال إلى المراقد، وإتمام حجّهم بعد عرفة فى قم والنجف!، واختراعهم قطعة قِماش كان قد مسح بها سيدنا آدم وجهه، وبلاطة داسها سيدنا الحسين، رضى الله عنه، فى أسوان، وعصا اتكأ عليها سيدى السَّجَّاد علىّ زين العابدين، رضى الله عنه، فى طنطا، واختراع أشياء مقدسة بعدد مدن مصر وقراها ونجوعها، تستجلب المال الوفير والبلاء المستطير! وتخيلت بعين البصيرة طعنهم فى العِرق العربى، والحط منه، ورفْعهم للعرق المجوسى عابد النيران، واستحياءهم للرموز والأعياد المجوسية، وابتداعهم أعيادَ فرح، وابتهاج ومرح، فى ذكرى وفاة عائشة وعمر، وأبى بكر وعمرو، وصلاح الدين وبيبرس، وابن تيمية وأحمد شاكر!، وتخيلت أحدهم يقوم من نومه - بعد أكلة دسمة من كسب خبيث - وقد زعم أن النبى، صلى الله عليه وسلم، جاءه فى المنام، وأمره أن يقتل أو يلعن كلَّ مَن لا يؤمن بالمتعة، أو مَن لا يرى من قم مكانًا هو الأقدس على وجه البسيطة!، وتخيلت ميادين الحسين والسيدة رقية والسيدة نفيسة والسيدة فاطمة والسيدة سكينة - رضى الله عن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعنا بهم فى فِردوسه الأعلى - والأزهر والأقمر، والحاكم بأمره والبدوى، وأبى العباس المرسى، وقد امتلأت بالخانات، وحولها صبية مُرد، وبنات (قَمَرات زى الشَّرْبات)، يهتفن: متعة متعة... وقد تقاطَر عليها رواد المِزاج والحظ، من كل حدب وصوب؛ وصارت (الأشْيَا معدن)، والدنيا ربيع، والجو بديع، والموانع مرفوعة، والتكاليف مدفوعة، والملالى آخر هَنَا وانبساط!، وتخيلت بعين الرعب هدْمهم لجامع عمرو بن العاص، رضى الله عنه، وقلعة ومسجد صلاح الدين الأيوبى، وجامع الإمام الشافعى، ودُور أنصار السنَّة، ومطاردة (الكَفَرَة) السلفيين، وتجفيف منابع السنة، وإلغاء البخارى ومسلم والكتب التسعة، وتسفيه كتب التفسير، ومحاكمة مَن يَدين بعقيدة التوحيد، التى لا تشرك مع الله تعالى نبيًّا ولا وليًّا، ولا ترى بعد المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، معصومًا. وتخيلت المصريين الغلابة، وقد فرض عليهم دفع خمُس الموجود وخمس الدخل؛ لتذهب كلها فى أرصدة صار أصحابها فى عداد المليارديرية.. وتخيلت .. وتخيلت.. وجمح بى الخيال لأرى أخانا ذا الحمالات وأبناء مدرسته العميلة المعادية لله ورسوله، وقد لبَِسَ عمامة سوداء، وعليها جوهرة ثمينة ثقيلة، على طريقة المسلسلات التاريخية الغبية فى التلفزيون المصرى، وحوله جوارى المتعة، يهزجن بالفارسية: امان از اون چشم سيات که مست وحيرونم کرد شيشه عمرمو گرفت شکست وويرونم کرد! وهو (يطبطب) على أسمنهنّ، هاتفًا فى متعة: اى خورشيد ، اى خورشيد زيبا ، اى عروس! [email protected]