التجربة الانتخابية المصرية التي توشك على الانتهاء.. لا شك ستخضع لكثير من التحليل والوقفات والدراسات من شتى الأطراف المشاركة فيها.. لا أقصد التحليلات الساخنة المواكبة للأحداث وإنما أعني الدراسة المتأنية خاصة من أولئك الذين يحترمون أنفسهم ويحرصون على الاستفادة من الحدث قبل تفاصيله. وأياً كانت نتائج البحث، إلا أنه يجب الوقوف احتراماً وتبجيلاً لطرفين أساسيين. وأياً كانت نتائج البحث فإن الحقيقة التي ينبغي الوقوف أمامها هي أن تلك الانتخابات أفضل من سابقاتها في جوها العام دعاية وتصويتاً وإعلاناً للنتائج، والسبب راجع إلى الجو العام الذي فرضته الظروف الدولية الضاغطة والظروف المحلية التي كشفت عن «عطش» شعبي للحرية والتغيير والإصلاح. الأجواء التي سبقت السباق الانتخابي كانت حرة بكل المقاييس وتلك نقطة مهمة تحسب للنظام، لكن الأمور بعد نتائج الجولة الأولى انقلبت تماماً وحاول النظام أن يعود بالانتخابات إلى سابق عهدها الغابر من لوي النتائج بأي شكل وبأية طريقة لصالح الحزب الوطني صاحب الأداء المتدني بحق.. لكن الحزب الوطني فوجئ بشيء جديد تماماً هذه المرة.. فوجئ بصخرة شديدة الصلابة تقاوم نزواته المستميتة في تزوير النتائج.. تلك الصخرة تتمثل في طرفين أساسيين في العملية الانتخابية هما.. غالبية جمهور الناخبين الذين أصروا على التصويت رغم الضرب والإهانة، وأجواء الحرب التي فرضها جيش الفتوات وأرباب السوابق على عملية التصويت وكذلك رغم الحصار المخيف الذي فرضته قوات الأمن على اللجان،وقد بدت نتيجة ذلك في النتائج المبهرة التي حققها الإخوان المسلمون. الطرف الثاني هو القضاة.. فقد أصر أغلبية القضاة على أداء دورهم المحايد والنزيه وحراسة العدل والحق رغم ما تعرضوا له من ضغوط وتهديدات، وأحياناً اعتداءات وإهانة، فأثبتوا بحق أنهم حراس للعدالة، وأنهم عازمون على الذود عن ميزان العدل والقسطاس.. فقد أكد القضاة أكثر من مرة من خلال جمعياتهم العمومية وندواتهم وناديهم أنهم أكبر من أن تلصق بهم نقيصة التزوير وشبهاته، وأنهم لن يتحملوا بأي حال أوزار العبث بالعملية الانتخابية ليجني ثمارها حزب أو فريق أو طبقة.. وقد صدقوا في موقفهم الكبير وثبتوا ومازالوا.. وينالهم اليوم من العنت ما ينالهم وقد كان تحويل وزير العدل لعشرة منهم للنائب العام بدعوى اشتغالهم بالسياسة، وأن ذلك يخالف القانون أول الخطوات التأديبية الحكومة، ونتمنى أن تتوقف الحكومة المصرية ووزير العدل عند هذا الحد لأن الاصطدام بالقضاء المصري والتمادي فيه يضع البلاد على حافة كارثة، وسيمثل إن حدث لا قدر الله سقطة كبرى لحكومة الحزب الوطني. واللافت هنا أن قاضية هي المستشارة الدكتورة نهى الزيني نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية التي أشرفت على انتخابات الدائرة التي تم فيها إسقاط د. جمال حشمت «إخوان» ظلماً لصالح د.مصطفى الفقي المؤيد من السلطة، هذه السيدة المستشارة تقف اليوم على رأس قائمة الشرف والاستمساك بالعدل وحراسة ميزانه بإعلانها كمسؤولة في شهادة تاريخية للرأي العام أن النتائج الحقيقية هي فوز د.جمال حشمت وسقوط د. مصطفى الفقي وأن هناك تزويراً حدث في إعلان النتائج. هذه السيدة المستشارة تتعرض الآن لحملة عنيفة من قبل السلطات مع زملائها السادة المستشارين الذين دافعوا عن شرف مهنتهم واحترامها وعدالتها وأصروا إبلاغ الرأي ما جرى من تزوير وتلاعب وبلطجة. لكن هذه السيدة وزملاءها يحاطون اليوم بالتفاف جماهيري يتزايد يوماً بعد يوم.. ومن يتابع فضاءات الإنترنت ويتابع حركة الشارع المصري، يلحظ أن هذه السيدة وزملاءها صاروا رمزاً وطنياً وأن وقفتهم ستصبح مناسبة مهمة تذكِّر على الدوام بأن هناك حسب بعض الرسائل المتدفقة على الإنترنت امرأة مسلمة حافظت على شرف الكلمة، ونطقت بشهادة الحق، وأبت أن تسكت عن الباطل حتى لا تنعت بوصف بعض السلف «الساكت عن الحق شيطان أخرس». إذ تقف شهادة المؤمن له يوم القيامة وتكون النجاة والشافعة له يوم لا ظل إلا ظل الله». الشاهد.. أننا حيال حالة الكفاح من أجل التغيير والإصلاح، نتابع حركة قطاع كبير من الشعب المصري ومعه القضاء المصري ومنظمات المجتمع -------------------------------------------- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية