في محاولة فيما يبدو لتبرير مجزرة "17 مارس", قال العقيد جوزيف سكروكا, المتحدث باسم القوة الأمريكية, التي تقاتل تنظيم الدولة في مدينة الموصل شمالي العراق, إن مقاتلي "داعش" يسوقون السكان المحليين في غرب الموصل إلى المباني. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في 31 مارس عن سكروكا, قوله :" إن داعش يقصد من ذلك ارتفاع عدد الضحايا المدنيين, لاعتقاده أن ذلك سيحد من شن الولاياتالمتحدة للغارات الجوية، ويساعد التنظيم في استعادة المدينة". وتابع المتحدث الأمريكي "ما نراه الآن ليس استخدام المدنيين كدروع بشرية، لكن التنظيم يهربهم إلى المباني كي لا نراهم ويستخدمهم كطعم لاستدراج التحالف إلى الهجوم". وزعم سكروكا أن الغارة الأمريكية في 17 مارس, والتي أدت إلى انهيار مبنى في غرب المدينة وقتل عشرات إن لم يكن مئات المدنيين العراقيين, قد سببت تغييرا في التكتيكات الأمريكية. ويتعارض ما ذكره سكروكا مع ما نشرته "نيويورك تايمز" في 31 مارس أيضا حول أن أرتفاع عدد الضحايا المدنيين نتيجة تزايد القصف الجوي بغرب الموصل, والذي يعتبر الأعنف في المناطق السكانية منذ الحرب العالمية الثانية, قد يكون تعبيرا عن نهج إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في محاربة "الإرهاب" . وتابعت " هذه الزيادة الكبيرة في خسائر المدنيين تثير المخاوف من أن نهج ترامب لمكافحة الإرهاب يعرض الكثير من المدنيين للخطر لتحقيق انتصارات سريعة, وهذه كارثة كبرى". واستطردت الصحيفة " مجزرة الموصل زادت من التساؤلات حول ما إذا كان ترامب قد أزال القيود المفروضة على طريقة خوض البنتاجون للحرب، بالرغم من نفي مسئولي إدارته لهذا الأمر". وحذرت "نيويورك تايمز" من أن نهج ترامب الجديد في محاربة الإرهاب, والذي لا يبالي بحياة المدنيين سواء في الموصل أو في اليمن أو في دول إسلامية أخرى, سيؤدي إلى انتشار التطرف والإرهاب, ولن يقضي على "داعش". وكانت صحيفة "التايمز" البريطانية, قالت أيضا إن قوات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة, قامت بأسوأ عملية قتل للمدنيين في الموصل شمالي العراقي, وذلك في الغارة التي نفذتها في الشطر الغربي من المدينة في 17 مارس. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 29 مارس, أن هذه الغارة ربما تكون قد قتلت أكثر من مائتي مدني, وهي الأبشع منذ أن قامت قوات التحالف بقصف أهداف تنظيم الدولة "داعش" في العراق في يونيو 2014. وتابعت " قوات التحالف ومعها القوات العراقية تسعى لنصر سريع في غرب الموصل, رغم أن المدنيين يدفعون ثمنا فادحا لهذا النصر". واستطردت الصحيفة " الغالبية السنية بالموصل هم بالفعل ضحايا داعش والحكومة العراقية, التي تهيمن عليها الشيعة, ورغم الحجج التي تتذرع بها الحكومة العراقية لتبرير الخسائر في الأرواح الناجمة عن العمليات القتالية, فإن الحقيقة أن القوات العراقية هي التي فرت من الموصل قبل ثلاث سنوات, تاركة المدنيين تحت رحمة داعش". وكانت رئيسة مجلس مدينة الموصل شمالي العراق بسمة بسيم كشفت هي الأخرى عن معلومات صادمة للغاية حول المجزرة المروعة, التي ارتكبها التحالف الدولي في أحد أحياء الشطر الغربي من الموصل في 17 مارس. ونقلت "الجزيرة" عن بسيم قولها من حي الموصل الجديدة الذي شهد المجزرة وبدا مهدما بالكامل جراء قصف الطائرات, إن "أكثر من خمسمائة مدني قتلوا في القصف الجوي على حي الموصل الجديدة", بينما أعلنت السلطات العراقية عن انتشال مائتي جثة من تحت الأنقاض. وأضافت "ما حصل يكاد يكون أمرا مقصودا كونه لم يستهدف مقاتلي تنظيم الدولة الذين لم يتجاوز عددهم ستة أشخاص قبل خروجهم من الحي". وكانت تقارير عدة أشارت إلى سقوط مئات المدنيين بحي الموصل الجديدة ضحايا لقصف نفذته القوت الأمريكية، وأدى لدفن عدد كبير منهم تحت مبان منهارة. وفي 31 مارس, نقلت "الجزيرة" عن مصادر عراقية قولها إن عدد القتلى في حي الموصل الجديدة غربي الموصل بلغ نحو 700، سقطوا في القصف الجوي الذي تعرض له الحي في 17 مارس. وقال شهود عيان من داخل الموصل أيضا إن عملية انتشال الجثث من تحت الأنقاض لا تزال مستمرة، وإنها تسير ببطء ولا تتناسب مع حجم الدمار بسبب قلة الإمكانيات المادية لرجال الدفاع المدني. وأضاف الشهود أن العديد من العائلات ما زالت تحت الأنقاض لعدم تمكن رجال الدفاع المدني من الوصول إليها، وأن رائحة تعفن الجثث بدأت تنبعث من المكان بشكل كبير، وأن هناك أشلاء ممزقة منتشرة بين الأنقاض. وأظهرت صور جديدة بثها ناشطون عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حجم الدمار الهائل الذي أصاب الحي، حيث دمرت به أزقة بكاملها لشدة القصف الذي شنته طائرات التحالف الدولي في 17 مارس. وفي 31 مارس أيضا, سقط عشرات القتلى والجرحى في قصف جوي ومدفعي جديد استهدف عددا من الأحياء بالجانب الغربي من الموصل، وقالت مصادر في الدفاع المدني وشهود عيان إن عشرات القتلى والجرحى المدنيين سقطوا نتيجة قصف مدفعي وجوي استهدف أحياء 17 تموز والزنجيلي ورجم حديد. ونقلت "الجزيرة" عن مسئول عسكري في الحشد الشعبي الشيعي قوله إنه "يتم استخدام صواريخ (القاهر) الإيرانية التي تصل قوتها التدميرية إلى دائرة قطرها 500م ". وقد اعتبرت منظمة العفو الدولية أن عدد الضحايا المدنيين المرتفع في الموصل مؤشر على أن قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة فشلت في اتخاذ تدابير مناسبة لمنع سقوط قتلى مدنيين. وبدوره, أقر التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد تنظيم الدولة السبت الموافق 25 مارس بأن الجيش الأمريكي قصف موقعا غرب الموصل أفادت تقارير بسقوط عشرات القتلى المدنيين فيه إثر ضربة جوية، وقال إنه بدأ التحقيق في الحادث. وقال التحالف في بيان له إنه "بعد الاستعراض الأولي للبيانات، فقد ضربت قوات التحالف مقاتلين تابعين لتنظيم الدولة ومعداتهم في الموقع الذي قيل إن ضحايا مدنيين سقطوا فيه غرب الموصل في 17 مارس بناء على طلب من القوات العراقية". وأكد البيان أن "هذه المزاعم" أخذت على محمل الجد، وفتح تحقيق للوقوف على الحقائق المحيطة بتلك الضربة وصحة الادعاءات عن سقوط ضحايا مدنيين". وأشار بيان التحالف إلى احتمال سقوط 220 قتيلا بشكل غير متعمد خلال ضربات جوية لقوات التحالف منذ بداية مارس، لكنه أكد أن باقي الحوادث لا تزال قيد التحقيق. كما اعترف الجيش الأمريكي في بيان له بأن طائرة أمريكية قصفت بناء على طلب من قوات أمن عراقية موقعا غرب الموصل يعتقد بأن عشرات المدنيين سقطوا فيه بين قتيل وجريح. وتشارك القوات الأمريكية في ضرب تنظيم الدولة في العراق منذ أغسطس 2014، ولعبت الضربات الجوية للتحالف الدولي دورا كبيرا في مساعدة القوات العراقية من أجل استعادة الأراضي التي فقدتها. وتشارك الطائرات العراقية في قصف تنظيم الدولة، لكن القوات العراقية لم تصدر أي أرقام أو إحصاءات بخصوص سقوط ضحايا مدنيين. وتشن القوات العراقية عملية عسكرية كبرى منذ أكتوبر الماضي لاستعادة مدينة الموصل، وبعد استعادة الجانب الشرقي للمدينة، تخوض هذه القوات منذ 19 فبراير الماضي معارك في الجانب الغربي الأكثر اكتظاظا بالسكان، ووصلت إلى منتصفه. وأعلنت الأممالمتحدة في 29 مارس أن 231 ألف شخص نزحوا من المناطق الغربية لمدينة الموصل منذ بدء العملية العسكرية لاستعادة هذه المناطق من تنظيم الدولة يوم 19 فبراير الماضي، وحذرت من تداعيات تزايد عدد النازحين. وقال فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام الأممي في مؤتمر صحفي إن "عدد النازحين من غربي الموصل آخذ في التزايد بشكل سريع، حيث بلغ 231 ألف شخص منذ بدء العمليات العسكرية أواخر الشهر الماضي"، مشيرا إلى أنه "حتى الآن تم تهجير 298 ألف شخص من الموصل، بحسب الأرقام التي قدمتها السلطات العراقية".