رغم إعلان القضاة رفضهم، قانون "الهيئات القضائية"، إلا أن البرلمان برئاسة الدكتور علي عبد العال، قام بتمريره أمس، الإثنين، في ضربة من العيار الثقيل للقضاة الذين أشاروا إلي استمرارهم في رفض القانون، داعين الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى التدخل لحل الأزمة. وكان النائب أحمد حلمي الشريف، وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، تقدم بالمقترح الذي يتضمن تعديل قوانين السلطة القضائية ومجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، بشأن طريقة اختيار رؤساء تلك الهيئات. ونص التعديل علي أن يكون اختيار رئيس الهيئة القضائية من بين ثلاثة ترشحهم الجمعيات العمومية لتلك الهيئات، ويختار رئيس الجمهورية من بينهم، بعدما كانت الجمعيات العمومية ترشح أقدم الأعضاء، ويُرسل اسمه لرئيس الجمهورية للتصديق عليه. المستشار أحمد سليمان، وزير العدل الأسبق، أكد أن هذا القانون يشكل جريمة لا تسقط بالتقاضي طبقًا للمادة 184 من الدستور التي تنص علي أن التدخل في شئون القضاء والعدالة جريمة لا تسقط بالتقاضي، فضلًا عن المادة 185 والتي تنص علي أحقية كل هيئة قضائية في تعيين رؤسائها. وفي تصريحات خاصة ل"المصريون"، قال "سليمان"، إننا أصبحنا نعيش في ظل نظام لا يعرف قانونًا ولا يحترم دستورًا - حسب قوله، مشيرًا إلى أنه يخترق القانون صباحًا مساءً. وأوضح أن رئيس مجلس النواب، الدكتور علي عبد العال، والنائب الذي تقدم بمشروع القانون، أحمد حلمي الشريف، سيتعرضان للمعاقبة القانونية لارتكابهما جريمة لا تسقط بالتقاضي. وأشار إلي أن الدستور أوجب استطلاع رأي الهيئات القضائية في القضايا المتعلقة بهم، مؤكدًا أن في الوقت الذي اعترضت فيه الهيئات القضائية علي القانون والبرلمان مرره، معناه أن إجراء استطلاع رأي دون قيمة. وأكد أن القانون الجديد الذي تم تمريره ليس له قيمة، ولا يحقق أي مصلحة للقضاة أو العباد، موضحًا أنه كان يتوجب إقرار قانون يحيل كل اختصاصات وزير العدل لمجلس القضاء الأعلي أو يصحح طريقة تعيين النائب العام والتي تختلف في الدستور عن قانون الهيئات القضائية. وعن توقعاته لتطورات الأزمة بين النواب والقضاة، قال وزير العدل الأسبق، إن المسألة متوقفة علي رئيس الجمهورية الآن، مشيرًا إلي أن النواب والنظام يصنعون أزمة مع القضاة هو في غني عنها، قائلًا: "لو أن هناك رجلًا رشيدًا ينصح بعدم إصدار هذا القانون". وعن أسباب صدور ذلك القانون من الأساس، قال "سليمان"، إن البرلمان أراد إرضاء النظام بقانون غير مبرر، متسائلًا: "ما هو مبرر خروج ذلك القانون وما الهدف من تمريره وما هي النتائج الإيجابية المترتبة عليه؟". ولفت إلي أن الهدف المقصود من ذلك القانون هو تمكين الرئيس عبد الفتاح السيسي من رقاب القضاة وجعل القضاء أحد أجهزة الدولة وفقده الاستقلالية، مؤكدًا أنه في حال ترشح 3 مرشحين لرئاسة الهيئات القضائية يتسابقون حينها لنيل رضا السلطان وهو الرئيس في هذه الحالة. واستطرد: أن المرشحين حينها يسارعون لتقديم التعهدات، مشيرًا إلي دعمه لنادي القضاة لموقفه وتصديه إلي ذلك القانون متمنيًا أن يتحد القضاة لإجهاض هذا القانون، واصفًا إياه ب"البلطجة القانونية". وفي ذات السياق، قال المستشار أحمد مكي، إن القانون غير دستوري لأن التدخل في شئون السلطة القضائية جريمة، وهي جهة مستقلة بذاتها، قائلًا "أي قاضٍ عاقل لا يمكن أن يوافق علي هذا القانون". وأكد "مكي"، في تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن القانون يضخم سلطة رئيس الجمهورية في شئون السلطة القضائية مشيرًا إلي أنه في حال وجود قدر من التعقل لدي الحكومة ستعدل عن هذا القانون؛ تجنبًا للصدام مع القضاة في أمر يخص استقلالهم وعملهم. وعن النتائج المترتبة بعد تمرير ذلك القانون قال "مكي"، إن الوضع القضائي سيسوء أكثر من وضعه حاليًا، بالإضافة إلي أن القضاء سيفقد استقلاليته التي لا يتمتع بها من الأساس في الوقت الحالي. وأكد المستشار سمير البهي، رئيس نادي قضاة مجلس الدولة، أن توقيت إقرار البرلمان لتلك التعديلات مشبوه، ويمثل جريمة دستورية ستنسب إلى مجلس النواب، لافتًا إلى أن المجلس في حالة انعقاد دائم وكل السبل والخيارات متاحة للدفاع عن استقلال الوطن، بحسب تعبيره. وأضاف "البهي"، خلال مداخلة هاتفية لأحد البرامج، أن الشعب ومن خلفه قضاة مجلس الدولة بصفة خاصة، قادرون على حماية استقلال القضاء، مشيرًا إلى أن الأمر لن يمر مرور الكرام. وقال: "نحن نعلم حدود إمكانياتنا تمامًا وأيضًا نحن نعلم أن هناك سلطة تشريعية تملك سلطة التشريع ونحن نقدرها تمامًا ولكن هناك مبادئ تعلو على ذلك وهى المبادئ الدستورية وأهمها مبدأ استقلال القضاء، ولذلك كان كل قضاة مجلس الدولة قد أظهروا ما في هذا المشروع من مخالفة للدستور، وأنهم يرفضون رفضًا قاطعًا هذا المشروع". وعن سر غضبهم، أوضح أن تعيين الرئيس للقضاة في السابق كان يأتي بعد موافقة الجمعية العمومية لمجلس الدولة على ترشيح أحد أقدم المستشارين، مضيفًا أما فيما يتعلق بما هو معروض حاليًا فإن الموجود هو ترشيح 3 مستشارين لرئيس الجمهورية ليختار هو من بينهم، لذلك فإن التخوف يأتي من فكرة اختيار رئيس الجمهورية واحد من 3 مرشحين، متسائلا "هيختاروا على أي أسس؟". واستطرد: "رئيس مجلس الدولة هو يترأس محكمة الإدارية العليا التي تنظر أهم القضايا المتصلة بالحقوق والحريات وأراضي الدولة والاتفاقيات الدولية، معتقدًا أن الرئيس لن يقع في هذا الفخ" - على حد قوله. وأشار رئيس نادي قضاة مجلس الدولة، إلى أن إحالة مجلس النواب للقانون إلى مجلس الدولة يعتبر تحصيل حاصل لأن شيوخ قضاة مجلس الدولة كان لهم رأي سابق برفض مشروع القانون وقد تم إبلاغ النواب به.