عندما أدميت قلوبنا، وتشنجت مشاعرنا العربية ونحن نرى شبيحة بشار الأسد يعملون آلة القتل فى أبشع صورها الوحشية التى لا يرتكبها إلا الحيوانات ضد المدنيين العزل من شباب وأطفال وحتى نساء، لم نتصور يومًا أن يصير لدينا "شبيحة" خاصة فى عهد ما بعد الثورة، شبيحة من فتيان وصبية مأجورين من "جهة ما"، مدعومين بزجاجات المياه وصناديق الطعام ذات مواصفات "عسكرية"، شبيحة يهاجمون المعتصمين السلميين فى العباسية، يعملون فيهم آلات القتل فجرًا أو ليلاً بالسنج والمطاوى وسائر الأسلحة، ليدمى وجه الصباح وتنزف قلوبنا كمدًا ويأسًا مما آل إليه حال الوطن، وأسلوب التعامل مع المعتصمين السلميين. فعندما هاجم بلطجية وأولاد الشوارع المأجورين قوات الشرطة والجيش فى التحرير إبان التظاهرات، وتسببوا فى تفجير العنف بين الثوريين وبين رجال الأمن تارة ورجال الجيش تارة، أرجع من يمسكون بزمام البلد الآن الأمر إلى "اللهو الخفى" وأنه السبب فى إثارة العنف، والدافع وراء انطلاق الرصاص المطاطى وغير المطاطى على عيون وصدور المتظاهرين من الثوار، ولم يعرف أحد فى مصر اسم هذا اللهو، وصارت كلمة اللهو وسيلة للتندر والتفكه المرير كما اعتاد المصريون السخرية من آلامهم ومصائبهم. وعندًا ظهر البلطجية وأولاد الشوارع بملامحهم وسلوكهم فى شارع محمد محمود، وأحرقوا ودمروا بزجاجات المولوتوف، وتساقطت أعداد من القتلى والجرحى بين الثوار، أرجع مسئولو بلدنا الطيب الأمر إلى اللهو الخفى، وعندما أحرق المجمع العلمى، كان المتهم اللهو الخفى، وفى كل هذا حاولنا "تسليك" القضية وحل العقدة، بأن فلول النظام السابق استأجروا هؤلاء البلطجية من أجل بث الفرقة وإذكاء نار الخلافات بين الجيش والشعب وبين الشرطة والشعب، وحاولنا أن نصدق أو هكذا تظاهرنا. ولكن هذه المرة، المعركة بين الشعب والشعب، بين معتصمين سلميين فى العباسية "أى كان اختلافنا أو اتفاقنا مع مطالبهم" وبين أشخاص ليس لهم أى أهداف واضحة أو مطالب معلنة سياسية أو غير سياسية يمكن حتى التكهن بها، وهؤلاء تحولوا فى لحظات إلى مسلحين، يهجمون بكل شىء على المعتصمين، ويعملون فيهم أسلحة القتل، فيقتل مَن يقتل ويجرح مَن يجرح، بل تظهر فى "الموقعة" وفقًا لما تردد زجاجات مياه وصناديق طعام ومتعلقات أخرى يمكن إسناد ملكيتها إلى الجيش، وأشدد على كلمة "ممكن" لأنه قد يمكن شىء آخر يعلنه علينا من يمسكون بزمام البلد، وعلينا أن نصدقه، لكننا فى حقيقة الأمر أمام "شبيحة" لا يقلون عنفًا وإجرامًا عن شبيحة بشار، فقد شاهدنا جميعًا لقطات من الاعتداء والقتل والتنكيل بالضحايا من المعتصمين، وكأننا نرى لقطات من شبيحة الأسد مع الثوار، ونحن مطالبون الآن بأن نصدق بأن الفلول وراء الجريمة أو اللهو الخفى. ما حدث فى العباسية له تفسير واحد، بأن القضية أصبحت أكبر من الفلول، وأكبر من رغبتهم فى الانتقام من الثوار أو المعتصمين هنا أو هناك، القضية أصبحت الآن إعاقة مع سبق الإصرار والترصد لترميم أو إحياء المشهد السياسى الديمقراطى المتكامل، القضية هى محاولة منع إتمام الانتخابات الرئاسية فى موعدها، ومنع أى طعن قانونى بالتزوير فى نتائج الانتخابات وفقًا للمادة 28 من الإعلان الدستورى، وهى مادة تعد تصريحًا أو عربونًا لتزوير الانتخابات، والقضية أصبحت محاولة لإطالة أمد الفترة الانتقالية، وإبقاء مصر فى حالة سيولة سياسية وثورية، بلا ملامح أو تأطير أو تقنين أو دستور، المخطط واضح المعالم والتفاصيل، وعلينا أن نتنبه جمعيًا لما يحاك حول مصير الشعب المصرى، ولا أقول مصير الثورة، لأنها باتت فى نظرى فى خبر كان، وعلى من يخططون وراء الأبواب المغلقة أن يعرفوا أن فطنة الشعب الطيب تدرك تفاصيل المخطط، ولن يسكت أمام محاولة تزوير إرادته أو اقتياده مجددًا كالقطيع.