محمد نجيب من الرئاسة للإقامة الجبرية.. وصلاح نصر من المخابرات للسجن عبد الحكيم عامر من الرجل الثانى إلى كبش فداء هزيمة 1967.. والشاذلى من بطل أكتوبر للسجن "السادات" بدأ سجينًا وانتهى قتيلاً.. ومبارك من القصر للسجن.. ومرسى من الرئاسة للقفص قانونيون: حبس الزعماء جاء لظروف تاريخية مرت بها البلاد رغم الحياة المترفة، والسلطة، والنفوذ والقوة، لم يكونوا على علم بأنهم على موعد مع الزنزانة داخل السجن، وأن قوتهم وزعامتهم محاطة بلعنة أصابتهم كلهم بلا استثناء، وأنزلتهم عن عروشهم، وأفقدتهم سطوتهم.. بغضب ثوري، أو قتل على منصة، أو خيانة من مقربين، كلهم تولى الزعامة ولكنهم انتهوا إلى مصير واحد.. وأيًا كانت مواقفهم وهل كانوا على حق أم أن الباطل كان لهم أقرب، ستظل كلمة الرئيس الأسبق مبارك، حينما قال: «التاريخ سيحكم بما لنا وما علينا» هى الفيصل والفصل فى حياة كل منهم.. وفى إطار ذلك رصدت "المصريون" نهاية عدد من زعماء مصر داخل السجون بعد خروجهم من السلطة بطريقة قاسية. "نجيب" ينهى حياته تحت الإقامة الجبرية يعتبر اللواء أركان حرب محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر العربية، بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية، كما يعد قائد ثورة 23 يوليو، ونزل نجيب عن عرش مصر بعد أن اشتدت الأزمة بينه وبين مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، والتى انتهت به حبيسًا ب "فيلا" بالمرج، وظل نجيب قابعًا تحت الإقامة الجبرية منذ عام 1954 ل 1971، بعد أن أطلق سراحه بقرار من الرئيس أنور السادات آنذاك. وقد كانت مدة حبس نجيب حافلة بالمشاهد الصعبة، ومن أبرز المشاهد التى تعرض لها نجيب أثناء إقامته الجبرية مقتل ولديه على وفاروق، حيث قتل الأول لعدائه لليهود والثانى مات بأزمة قلبية عقب خروجه من السجن بعد أن دخله لتشاجره مع "مخبر" أساء إلى تاريخ والده. صلاح نصر.. من المخابرات للسجن يعد اللواء صلاح نصر، أشهر رئيس للمخابرات المصرية بعد ثورة 23 يوليو 1952، وقد تم تقديمه للمحاكمة بعد إدانته فى قضية انحراف المخابرات العامة، وسجنه لمدة 15 سنة وغرامة مالية قدرها 2500 جنيه، وحكم عليه أيضا ب25 سنة فى قضية مؤامرة المشير عبد الحكيم عامر، لكنه لم يقض المدة كاملة، إذ أفرج عنه الرئيس الراحل أنور السادات فى 22 أكتوبر 1974، ضمن قائمة أخرى وكان ذلك بمناسبة عيد النصر. عبد الحكيم عامر.. كبش فداء هزيمة 1967 المشير عبد الحكيم عامر، أحد رجال ثورة يوليو 1952، وكان صديقًا مقربًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تولى منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الحربية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال الفترة الممتدة من 7 إبريل 1954م إلى 19 يونيو 1967م. وفسدت العلاقة بين الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر على نحو سريع عقب حرب 1967، بعد إصدار الرئيس عبد الناصر قرارًا بتنحية عبد الحكيم عامر عن قيادة الجيش وتعيينه نائبًا لرئيس الجمهورية، وهو القرار الذى رفضه عامر بشدة، وحزم حقائبه واتجه إلى بلدته بالصعيد ليقضى بها بعض الوقت، غير أنه سرعان ما عاد إلى القاهرة بعد أيام وتحديدًا فى الأول من يوليو 1967، واستقر فى منزله بالجيزة، ثم وضع قيد الإقامة الجبرية فى منزله فى أغسطس 1967. أدت الهزيمة الصعبة للجيش المصرى عام 1967 على أيدى القوات الإسرائيلية، إلى إقدام المشير عبد الحكيم عامر وزير الدفاع آنذاك على الانتحار فى 13 سبتمبر 1967، كما أُعلن ذلك وقتذاك، ولا تزال شخصيته تحمل العديد من علامات الاستفهام حتى الآن. "السادات".. بدأ سجينًا وانتهى قتيلاً لم يكن وضع الرئيس المنتصر كسابقيه، بل بدأ سجينًا ولكن انتهى به الحال صريعًا على المنصة. كانت أيام حرية السادات معدودة، حيث ضيق الإنجليز قبضتهم على كل مناضل مصرى يكافح من أجل حرية بلاده مثل أنور السادات، فتم طرده من الجيش واعتقاله وإيداعه سجن الأجانب عدة مرات، وفى السجن حاول أن يبحث عن معانى حياته بصورة أعمق، وبعد أن مضى عامين (1942 : 1944) فى السجن قام بالهرب منه حتى سبتمبر 1945، حين ألغيت الأحكام العرفية، وبالتالى انتهى اعتقاله، وفقًا للقانون. كما أدى حبس السادات فى الزنزانة 54 بسجن القاهرة المركزى إلى التفكير فى حياته الشخصية ومعتقداته السياسية والدينية، كما بنى السادات فى سجنه علاقة روحانية مع ربه؛ لأنه رأى أن الاتجاه إلى الله أفضل شيء، لأن الله سبحانه وتعالى لن يخذله أبدًا. فى الزنزانة 54 تعلم السادات الصبر والقدرة على الخداع، حيث كانت تتصف هذه الزنزانة بأنها قذرة لا تحتوى على شيء إلا بطانية غير آدمية، وتعتبر تجارب السادات بالسجون هذه أكبر دافع لاتجاهه إلى تدمير كل هذه السجون بعدما تولى الحكم، وذلك عام 1975، وقال حين ذاك: "إن أى سجن من هذا القبيل يجب أن يدمر ويستبدل بآخر يكون مناسبًا لآدمية الإنسان". وقد انتهت حياة الرئيس الراحل أنور السادات باغتياله فى حادث المنصة فى أكتوبر 1981، فى أثناء العرض العسكرى للاحتفال بنصر أكتوبر. الشاذلي.. من رجل حرب لسجين عسكرى يعد الفريق سعد الدين محمد الحسينى الشاذلي، والذى شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، فى الفترة ما بين 16 مايو 1971 وحتى 13 ديسمبر 1973، من أهم أعلام العسكرية العربية المعاصرة، ويوصف بأنه الرأس المدبر للهجوم المصرى الناجح على خط الدفاع الإسرائيلى "بارليف" فى حرب أكتوبر عام 1973، ورغم ذلك وبسب رفضه لاتفاقية كامب ديفيد التى وقعها الرئيس الراحل أنور السادات مع إسرائيل، دخل فى خلاف ومناوشات مع الرئيس الراحل اختار على إثرها دولة الجزائر للجوء السياسى عام 1979. وقد اتهم الرئيس الراحل أنور السادات فى كتابه "البحث عن الذات"، الفريق الشاذلى بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة، فى مفاوضات فض الاشتباك الأولى، وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الشاذلى بإساءة استعمال سلطاته، وهو الكتاب الذى أدى إلى محاكمته غيابيًا فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك عام 1983، بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة، ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية. وفى مساء 14 مارس 1992، عاد الفريق الشاذلى إلى مصر بعد أن قضى 14 سنة منفيًا فى الجزائر، منها سنتان فى عهد الرئيس أنور السادات، و12 سنة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، قبض عليه فور وصوله مطار القاهرة وصودرت منه جميع الأوسمة والنياشين وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن الحربى التابع للجيش الثالث الميداني، لأن الأحكام العسكرية ليس بها استئناف ولا نقض ولا تسقط بالتقادم. وفى بداية أكتوبر 1993، تم الإفراج عن الفريق الشاذلى عن طريق عفوٍ عام، وبعد خروجه عاش منعزلاً بعيدًا عن الناس، وعاد لقريته وخصص أرضًا كوقف للإنفاق على مسجد، وعاش كخبير استراتيجى يكتب ويحلل كل ما يدور على الساحة. مبارك الرجل الأقوى على عرش مصر لعله الأكثر حظًا من سابقيه.. إنه الرئيس الأسبق مبارك والذى سجن بعد ثورة 25 يناير 2011 التى أطاحت بحكمه، ولكنه رغم السجن ظلت له أهمية خاصة داخل مصر، فكانت له طائرات تنقله من محبسه لمحاكمته، بالإضافة إلى علاجه بأكبر مستشفيات مصر، منها المركز الطبى العالمى ومستشفى المعادى العسكري. ورغم سجن مبارك، فكان هناك بعض ضباط يؤدون التحية العسكرية له، بالإضافة إلى ظهوره فى وسائل الإعلام وهو فى شرفة مستشفى المعادى العسكرى يلوح لأنصاره، وما قاله مصدر طبى بمستشفى المعادى العسكرى حينها، إن عددًا من الضباط المرافقين أدوا له التحية العسكرية وحيوه بعبارة "مبروك يا ريس"، دليل واضح لمدى قوة الرجل العجوز رغم سجنه. وفى 26 أبريل 2015، أجرى مبارك، مداخلة هاتفية مع الإعلامى أحمد موسى، بمناسبة عيد تحرير سيناء. وفى مداخلته تكلم مبارك عن إنجازاته متفاخرًا قائلا: "كل عام والشعب المصرى بخير وجيشها وقادتها بخير، أشعر فى عيد تحرير سيناء بالفخر والعزة، قمنا بجهد مرير فى حرب الاستنزاف، وكل جندى مصرى حمل شرف المشاركة، وشعرت بالمهانة والتحدى بعد الهزيمة، وقررنا بناء الجيش والقوات المسلحة والقوات الجوية، لمحو العار". "مرسي".. الرئيس الأقل حظًا انتهى به الحال كسابقه، فقد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى بعد ثورة 30 يونيو 2013، ووجهت له اتهامات عديدة منها التخابر واقتحام السجون، ولكن وضعه - رغم أن بقاءه فى السلطة لم يمتد لأكثر من عام - اختلف كثيرًا عن مبارك، فلم يلق مرسى تلك الحفاوة التى وجدها مبارك، ولعل شكواه بأنه يعانى من عدم جودة الطعام داخل السجن كفيلة بتأكيد ذلك. ولعل من أبرز مشاهد مرسى بعد سجنه، هو رفضه لارتداء بدلة السجن فى أولى جلسات محاكمته عقب عزله. سليمان: التاريخ سيذكر القيادات التى ضحت من أجل مصر من جانبه، أكد المستشار أحمد سليمان، وزير العدل الأسبق, أن حبس زعماء مصر على مدار التاريخ يعود إلى ظروف تاريخية مرت بها البلاد. وقال سليمان، إن القيادات التى تم حبسها نوعان منهم ما كان يرفض السياسات الخاطئة، وآخرون تم حبسهم نتيجة نهبهم للثروات ومقدرات البلاد مثل مبارك، الذى تم حبسه بعد اندلاع ثروة يناير فى قضايا فساد خلال الثلاثين عامًا التى قضاها فى الحكم. وتابع: "الرئيس الأسبق حسنى مبارك قد تمكن من الحصول على البراءة بعد إخفاء جميع الأدلة التى تثبت تورطه فى العديد من القضايا التى كان يحاكم عليها". وأشار سليمان إلى أن الشعب فى الفترة الأخيرة قد استوعب ما له وما عليه، لذلك وقف ضد ظلم الحكام الذين نهبوا ثروات البلاد، ونادى بمحاكمة الظالمين ممن تلوثت أيديهم بالفساد ودماء المصريين. وأشار وزير العدل الأسبق, إلى أن هناك من القيادات من تم حبسهم ظلمًا نتيجة إرضاء بعض الدول التى لا تريد لمصر النهوض، لذلك تمت الإطاحة بهم من مناصبهم عن طريق القوة التى لا تعرف للديمقراطية معنى. ونوه سليمان بأن التاريخ سيذكر فيما بعد مَن أرادوا لمصر الخير، ومَن أرادوا مصالحهم الشخصية من خلال وجودهم بالحكم.