على نفس المنبر الذي هاجمت فيه شيخ الأزهر مرارا ، أعتليه اليوم و أنا أرفع له القبعة ، مصفقة له بحرارة ، و أنا أراه بعين الخيال يمتطى خيل الشجاعة فيلوح بسيفه يمينا و يسارا مهددا به العابثين ، و قد سبح ضد التيار على مرأى و مسمع ممن يضمرون بالإسلام السوء ، فما توقف حتى تمام النصر . لن يشعر بجدية الموقف من هو خارج المشهد بصورته الاجمالية ، و ربما لا يعلم الكثيرون ماهية مؤتمر " الحرية و المواطنة " المفروض على مصر كورقة عمل " حسب ما أعلنته السفارة الأمريكية على موقعها سنة 2007 " و هو مؤتمر يعنى بالتحاور بين الأديان . و اذا أردت معرفة تأثير الكلمات القاسية الموجعة التي ألقاها شيخ الأزهر على الملأ من الجميع ، بدون أن يتخللها أي كلمات مداهنة ، أو عبارات منمقة من قبيل المجاملات و طأطأة الرؤوس ، يكفي أن تقلب صفحات مواقع الأديان الأخرى ، وتستمع إلى وسائل الاعلام التي طالبته بالتنحي و إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، في تهديد صريح لمواقفه الأخيرة . بل و زيادة في فجر النفاق ، طالبوه بالتخلي عن دوره كرجل دين اذا لم يعجبه طريق الحاكم ، متخذين في ذلك طريقا غير الذي سلكه الأولون حكام و محكومين ، حين استل أحدهم سيفه في خطبة عمر بن الخطاب ، التي نادى فيها الناس (و هو ولي أمرهم و له قوامة أمور المسلمين ) أن يقوموه " فقال له :والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه " . ودعني لا أخفي سرا، اذا قلت لك أن شيخ الأزهر قد عرك وحيدا ، و هو عراك لو تعلمون عسير ، في عهد تحسب فيه الكلمة ، و تحبس بها سنوات العمر ، و ترقبها آلاف الأعين ، و يلاحق شهيقها و زفيرها زبانية الموت فما استمتعت إلى كلماته إلا و تذكرت أمجاد الإسلام ، حين كان للإسلام أسود تحميه ، لا يخشون في قول الحق لومة لائم ، أو بطش حاكم . والشيخ لم يبد رأيه فقط ، بل أطلقها كما القنابل ، و قصف بها سويداء القلوب التي تقلب بعضها بين لظى الحقد و الشماتة في الإسلام ، و بين الوسائد الحريرية المرفلة و المستجدية لنعيم رضا الحاكم و أولو الأمر . كما رقبنا بعيوننا – للدلالة على ذلك - مناظرة بين شيخين أزهريين ،قوامها أيهما أحق بالطاعة ولي الأمر أم الشريعة ، فانحاز شيخ إلى الله فيما انحاز الآخر إلى متاع الدنيا . و كلمة الحق اذا لم تبرح ألسنتنا خنقتنا ، و قد تركها الكثيرون من أهل الحق في العلن ، هم بعيدون كل البعد عن المسائلة ، فما بالنا و قد جهر بها من تنظر اليه الأعين و ترقبه القلوب و العقول ؟ موقف كهذا لا يجب أن يمر علينا مرور الكرام ، و يجب و كما انتقدته هنا في صدر مقالاتي ، أن أوفيه حقه في رد غيبة الاسلام ، و قد كان جليا على وجهه ، ما أخفاه منذ سنين ، فعاد عودا أحمد ، إلى ما كان يجب عليه الا يتخلى عنه . ووجب علينا لذلك ،رد الحقوق إلى أصحابها ، اذا استأنسوا الدرب السليم ، فيما هو واجب ، و تركوا ما هو دون ذلك . مواقفي الأخلاقية و السياسية في كفة ، و الاسلام و اللوذ عنه في كفة أخرى ، هي الرابحة و الراجحة بكل تأكيد ، فما أستطيع إلا شد عضد الطيب ، و أقول له : كما أن للبيت رب يحميه ، ، للأزهر شيخ يحميه ، فاستمر ثبتك الله و إيانا على قول الحق و الذود عن الإسلام ، لربما أطال الله في أعمارنا حتى نسمعها منك " لا تكن أول من يضع عز العلم فيضع الله عزك " كما سمعها الناس من مالك بن أنس .