فى مقاله بعدد (8/4) اتهم الأستاذ محمد على خير جماعة (الإخوان المسلمين) بالرغبة فى السيطرة على المؤسسات الصحفية القومية، و"أن تكون هذه الصحف ناطقة باسمهم"، وزعم أن "تصورات الجماعة الصحفية ملزمة للحزب الحاكم". ثم انطلق يهدد ويتوعد بالويل والثبور إزاء أى محاولة لفرض حقائق جديدة على "الجماعة الصحفية"، وهو ما أعتبره حلقة أخرى فى مسلسل ترويع الأغلبية من أجل عدم المساس بالهيمنة العلمانية على الصحف القومية. ويبدو لى أن الأستاذ خير يتصور أن الأوضاع الفاسدة التى مكّنت جماعته من فرض حيازتها على هذه الصحف طوال العقود الماضية، تجعل ملكيتها تنتقل تلقائيًا إلى هذه الجماعة، وأنها بالتالى تصبح صاحبة القول الفصل فى كيفية إدارتها بعد الثورة. وردى عليه هو كالتالى: أولا: إن "الجماعة الصحفية" العلمانية المهيمنة الآن على هذه الصحف، هى الجماعة نفسها التى فرضها أتباع مبارك إبراهيم نافع وإبراهيم سعدة وأمثالهما على الصحافة القومية منذ عقود. وليس خافيًا أنها تسعى بعد الثورة للاحتفاظ بمكاسبها ولاستمرار احتكارها للفكر والرأى وأدوات توجيه وتشكيل الوعى. هذه الجماعة يمكن أن يؤخذ برأيها فيما يتعلق بشئون المهنة ومشاكلها، ولكن عندما يتعلق الأمر بحرية الرأى وسياسة التحرير، والأوضاع الظالمة المرتبطة بهما، فهنا يجب أن تمارس الأغلبية الإسلامية حقها فى إصدار وتنفيذ القرارات التى من شأنها تحرير العقل المصرى من أسر الصحافة العلمانية، ومن سموم أشد كتابها تطرفًا وعداءً للهوية الإسلامية لمصر. إن تحرير وتطهير هذه الصحف من شأنهما إطلاق حرية التعبير للإسلاميين بعد العنصرية السياسية التى مارستها ضدهم "الجماعة الصحفية" طوال عقود من الزمن. ثانيا: إن مجلس الشورى يمكن أن يستأنس بآراء "الجماعة الصحفية"، ولكنه غير ملزم للأخذ بها، ليس فقط بسبب سيطرة التوجه العلمانى عليها، وليس فقط بسبب مسئولية هذه الجماعة عن الأوضاع المتردية فى هذه الصحف على جميع المستويات، وإنما أيضا لأن هذه الجماعة، بعد مرور عام ونصف من خلع مبارك لم تتغير قيد أنملة، وماتزال على عنصريتها وبغضها للإسلاميين. ولا تستطيع الجماعة أن تنفى مسئوليتها عما آلت إليه أحوال الصحافة القومية، لأن أعضاءها هم الذين كانوا ينصبون إبراهيم نافع نقيبًا لهم دورة بعد دورة بعد دورة. إن الأغلبية الإسلامية تمارس حقها من خلال التفويض الممنوح لها شعبيًا عن طريق انتخابات حرة ونزيهة. وحيث إن الشعب لم يفوض مجلس الشورى من أجل رهن قراره، أو تسليمه إلى الأقلية العلمانية المنبوذة، فإن احتكار المجلس لعملية اختيار القيادات الصحفية ليس خطيئة (يحاول المبتزون دفعه للتحرج منها)، وإنما هو أمانة حمّلها الشعب للمجلس. ثالثا: إن الأغلبية يجب أن تضع يدها على هذه الصحف ليس فقط لأنها ائتمنت على ذلك، ولكن لأنها الطرف الوحيد القادر على تطوير وتثوير هذه الصحف. فهى لن تفعل بالعلمانيين ما فعلوه هم بالإسلاميين، وما زالوا - بتعبير آخر، على الرغم من أن هذه الصحف كانت حكرًا على العلمانيين مع تغييب كامل لأصحاب الفكر الإسلامى، فإن الأغلبية الإسلامية لن تقصى العلمانيين، وإنما سيكون هدفها هو تحقيق توازن بين التيارين بحيث تتساوى المساحات المخصصة لهما، على الرغم من أن العلمانيين يمثلون أقلية الخمس فى المجتمع المصرى. رابعا: هناك عدد كبير من الصحف والمجلات القومية التى ألحقت خسائر هائلة بالاقتصاد المصرى. هذه الصحف والمجلات يجب أن ينزع عنها التمويل الحكومى، ويتم توجيهه إلى قطاعات أكثر نفعًا للمواطن المصرى. وعليه فإن تهديد بعض الصحفيين بالتمرد على صاحب الشأن والمالك الشرعى قد يساعد كثيرًا فى التخلص من صحف ومجلات لسنا فى حاجة إليها. لا خيار أمام مجلس الشورى سوى رد البضاعة إلى أهلها. وسيكون من قبيل خيانة الأمانة أن يترك المجلس هذه المؤسسات الصحفية تحت سطوة ونفوذ العلمانيين.