مجموعة من الوقائع التي تشهد على توتر العلاقات بين مصر، وإسرائيل مُؤخرًا، أبرزها هي سحب السفير الإسرائيلي من القاهرة، والذي لم يُعلن عنه إلا في منتصف فبراير الجاري بالإضافة الى التقارب المصري مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الفترة الاخيرة. وكان سحب السفير أمرًا غامضًا، إذ حدث في صمت دون أن تعلن تل أبيب عنه سواء سياسيًّا أو دبلوماسيًّا، كما لم تُسرّب عنه خبرًا للصحف كما جرت العادة الإسرائيلية، بل إن من نشرت الخبر كانت صحيفة التيليجراف البريطانية، ومن أكّد على صحة الخبر جهاز الشاباك الإسرائيلي، على اعتبار أنها قضية أمنية في المقام الأوّل. ووفقا لتقرير نشره موقع "ساسة بوست" فإن توقيت سحب السفير الإسرائيلي ديفيد جوفرين يأتي في الوقت –الذي قالت مصادر إخبارية إنه ترك القاهرة أواخر ديسمبر 2016- موافقًا لتصويت مصر لصالح مشروع قرار في مجلس الأمن يرفض بناء مستوطنات إسرائيلية وكانت مصر صاحبة المشروع في البداية، قبل أن تتراجع عن تقديمه، لتقدّمه دول أُخرى وتصوّت مصر لصالحه. وجاء ديفيد جوفرين بديلًا عن السفير السابق حاييم كورين، الذي أعلن تقديمه استقالته في بداية فبراير 2016، معللًا ذلك بصعوبة تحركه بسبب الإجراءات الأمنية. ومن المثير وقتها أنه عقب تقديم استقالته قام بزيارة مثيرة للجدل لمنزل توفيق عكاشة عضو البرلمان المصري آنذاك، ما تسبب في أزمة انتهت بإسقاط عضوية عكاشة من البرلمان. تصاعدٌ وتطور سريع للأحداث، من تسريبات عن قمة سرية يتبعها تأكيد من رئيس الوزراء الإسرائيلي، وسبق ذلك سحب السفير من القاهرة واستدعاؤه إلى تل أبيب. وعلى الجانب الآخر، لقاء يجمع بين أجهزة أمنية مصرية وقيادات من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) دفع الى التساؤل على ذلك دليل على انتهاء شهر عسل بين القاهرة وتل أبيب؟ أم أنّ الأمر كله ابتزاز بين نظامين كل منهما كانت ملامح الوفاق تظهر على علاقته بالآخر؟ لم يكن أسوأ السيناريوهات المطروحة حول العلاقة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء إسرائيل بيامين نتنياهو؛ يشير لكل ذلك التصعيد الذي حدث في فبراير الجاري. البعض يرى كلمة السر في بدء علاقات اقتصادية بين مصر وحماس، قد تدر دخلًا اقتصاديًّا كبيرًا لمصر مع تأكيدات الحركة، التي تُسيطر على قطاع غزة المحاصر، على مراقبة الأنفاق، ومنع انتقال ونقل السلاح والمسلحين لسيناء. التصعيد في فبراير راقب الجميع اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 15 فبراير الجاري، كونه اللقاء الأول عقب تولي ترامب الرئاسة رسميًّا، وبشكل مفاجئ يتلقى الرأي العام العربي صدمة قبل اللقاء بيوم عندما أعلن أيوب قرا الوزير الإسرائيلي في حكومة نتنياهو أن اللقاء المقرر سيتبنى فيه كل من نتنياهو وترامب خطة الرئيس عبد الفتاح السيسي الخاصة بإقامة دولة فلسطينية في سيناء وقطاع غزة، على حد قوله. وأشار الوزير إلى أن خطة التوطين هذه «ستُمهّد الطريق للسلام وائتلاف سنيّ«، ولكن الأمر انتهى في مهده، ونفاه رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال مؤتمر مع ترامب. ويرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية محمد الصياد أن تلك التسريبات هي بمثابة تصعيد من قبل تل أبيب ضد مصر، ردًّا على موافقة الأخيرة على مشروع القرار المناهض للاستيطان، نهايةً بالتقارب المصري الحمساوي، «الذي ترى تقارير عبرية أنه أحد الأدوات التي قد تُساعد السيسي في السيطرة على الأوضاع داخل سيناء» كما يقول الصياد. هذا وشهد عام 2016 تقاربًا مصريًّا إسرائيليًّا غير مسبوق، شُوهدت بعض ملامحه في تراجع مصر عن تقديم مشروع وقف الاستيطان لمجلس الأمن، وفي تصريح السيسي الشهير عن «السلام الدافئ مع إسرائيل»، وفي رد نتنياهو عليه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالإشادة والترحاب، فضلًا عن زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لإسرائيل مرتين خلال فترة قصيرة. ونشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية خبرًا مسربًا، قالت إنه من حوارات مع موظفين كبار في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما؛ حول قمة سرية مصرية أردنية إسرائيلية برعاية أمريكية انعقدت في مارس العام الماضي، بين السيسي، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، ونتنياهو، ووزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري. ووفقًا للصحيفة فقد عرض كيري مبادرة سلام إقليمية تشمل اعترافًا عربيًّا بإسرائيل، واستئنافًا للمفاوضات مع الفلسطينيين، لكن نتنياهو تحفظ، وطالب بحضور لقاء يجمعه مع دول الخليج العربي. وكان الخبر قد نُشر بعد ساعات قليلة من اللقاء الخامس للسيسي مع وفد من رؤساء المنظمات الأمريكية اليهودية للحديث حول الاقتصاد، والدور المصري في المنطقة، ومحاولات حل القضية الفلسطينية. التزمت الإدارة المصرية الصمت التام، في مقابل تأكيد نتنياهو صحة الخبر، وبعقد لقاء سري في العقبة العام الماضي، مُعترفًا بأنه من بادر لعقد هذه القمة، ما دفع السلطات المصرية إلى إصدار بيان رسمي يمكن وصفه بالدبلوماسي، بسبب حديثه العمومي عن الجهود المصرية في حل القضية الفلسطينية. ولكن ما سر هذا التسريب، ومن قبله حديث الوزير الإسرائيلي أيوب قرا عن خطة مصرية لتوطين سكان غزة في سيناء؟ ولماذا الآن؟ أحمد حماد، أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة عين شمس، يقول ل«ساسة بوست» إن الهدف من التسريبات «ابتزاز النظام المصري»، الذي يعتقد أيضًا أنه بدأ مع تصريحات الوزير الإسرائيلي، وهو «لمنع الدور المصري في المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين» كما يقول حمّاد. التبادل الاقتصادي بين مصر وحماس على ما يبدو إذًا ثمّة تصعيد أو «مراوغة» إسرائيلية للنظام المصري، يرى البعض أن سببها ابتزاز لمصر، وآخرون يُرجعونها إلى تقارب مصري حمساوي له أبعاد مُختلفة، على رأسها البعدين الأمني والاقتصادي، ففي الأوّل يرى المحلل السياسي الفلسطيني هاني البسوس أن مصلحة مصر من تقارب مع حماس «تحييدها أو كسبها في معركة مصر ضد تنظيم ولاية سيناء»، على حد قوله في حديث سابق ل«ساسة بوست». وفي البعد الاقتصادي، فإن القطاع المُحاصر بمثابة «كنز اقتصادي واستراتيجي لمصر» كما وصفته صحيفة الأهرام المصرية الرسمية، ففي حال أنشأت منطقة حرة مع غزة، فإن مصر ستجني 2.5 مليار دولار سنويًّا تجارة، واستثمارًا ل9.5 مليار دولار ودائع. وفي حال فتح معبر رفح التجاري لإدخال السلع والبضائع، وبخاصة مواد البناء، فيُتوقّع أن يتجاوز حجم الواردات للعام الأول مليار دولار، أي ما يُساوي تقريبًا 16 مليار جنيه مصري، وذلك وفقًا لتوقع الخبير الاقتصادي ماهر الطيّاع في حديث سابق له مع «ساسة بوست». هذا ويُعد وصول وفدين من الحركة للقاهرة تكليلًا لجهود التقارب، الوفد الأول كان على رأسه نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، وضمّ في عضويته كلًّا من موسى أبو مرزوق، وروحي مشتهى، عضوي المكتب السياسي. واجتمعا في القاهرة برئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، خالد فوزي، في 21 يناير وأشار بيان لحركة حماس عقب عودة القيادات أن الوفد أكد مبادئ الحركة، وعلى رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مع الاهتمام بحفظ الأمن القومي للجارة مصر. وعقب الزيارة قال إسماعيل هنية إن العلاقة مع مصر «تشهد نقلات نوعية إيجابية»، بعد أن «فتحنا صفحة جديدة مع مصر»، على حد تعبيره.