شهدت الفترة الماضية توترات وخلافات بين مؤسسة الرئاسة والأزهر، الأمر الذي أصبح محور حديث وسائل الإعلام المصرية، في أعقاب رفض هيئة كبار العلماء برئاسة الدكتور أحمد الطيب دعوة الرئيس بإلغاء الطلاق الشفهي على أن يتم توثيقه عند المأذون الشرعي. على الرغم من أن "الطيب" كان أحد أبرز الداعمين لاجتماع 3 يوليو 2013، وشارك في البيان الذي ألقاه الرئيس السيسي حينما كان وزيرًا للدفاع آنذاك للإعلان عن خارطة الطريق في مرحلة ما بعد مرسي، إلا أن حملات الهجوم الإعلامي تتواصل ضده وسط إشارات رئاسية تؤكد عدم الرضا عن أدائه، بل وتلمح إلى تهميشه، وربما التخطيط لإقصائه من المشهد، خصوصًا بعدما وجه له الرئيس السيسي حديثه قائلاً: "تعبتني يا فضيلة الإمام"!. ولم تكن قضية "الطلاق الشفهي"، الأولى من نوعها التي كشفت هذا الخلاف بين المؤسستين، ولكنْ هناك عدد من القضايا التي تعد من الأسباب الرئيسة لهذا الخلاف: الطلاق الشفهى بعد أن دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى ضرورة سن قانون يمنع وقوع الطلاق إلا في حالة استيفاء الأوراق الرسمية وأمام مأذون شرعي، خلال خطابه في الاحتفال بعيد الشرطة يناير الماضي، مبررًا ذلك بأن الإجراءات الرسمية تعطي فرصة للطرفين لإعادة النظر في فكرة الطلاق مختتمًا حديثه بعبارة لفتت أنظار السامعين والمتابعين للخطاب إذ قال موجهًا حديثه لشيخ الأزهر الذي كان في مقدمة الحضور «تعبتني يا فضيلة الإمام» وهي العبارة التي رآها الكثير تخص قضايا أخرى عالقة بين الرئاسة والأزهر. ومن جانبه، دعا كبار العلماء لاجتماع طارئ للرد على ما طرحه رئيس الجمهورية، وأصدرت الهيئة بيانًا حادًا للغاية بإجماع الآراء أكدت فيه فكرة وقوع الطلاق الشفهي، وجاء في البيان، أنه بإجماع العلماء باختلاف مذاهبهم وتخصصاتهم انتهوا إلى وقوع الطلاق الشفهي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- وحتى يوم الناس هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق، وحذر البيان المسلمين من الفتاوى الشاذة التي ينادي بها البعض حتى ولو كان منتسبًا للأزهر. واختتم البيان بتعبيرات واضحة ومباشرة بلا تأويل للإدارة السياسية: "تتمنى هيئة كبار العلماء على مَن «يتساهلون» في فتاوى الطلاق، على خلاف إجماع الفقهاء وما استقر عليه المسلمون، أن يؤدوا الأمانةَ في تَبلِيغ أحكام الشريعة على وَجهِها الصحيح، وأن يَصرِفوا جهودهم إلى ما ينفعُ الناس ويسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع، فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجة إلى البحث عن وسائل تيسر سبل العيش الكريم". كذلك أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانًا بعد اجتماع هيئة كبار العلماء بأيام أيد فيه بالإجماع ما أصدرته هيئة كبار العلماء بخصوص قضية الطلاق الشفهي. رابعة والنهضة على الرغم من مشاركة "الطيب" في إعلان 3 يوليو 2013، الذي عزل محمد مرسي، خرج هو نفسه معلنًا الاعتكاف في بيان تليفزيوني بعد أحداث الحرس الجمهوري التي وقعت بعدها بأيام قليلة، ليس ذلك فحسب بل استنكر بشدة ما حدث وقدم التعازي لأسر مَن قتلوا فيها وسماهم بالشهداء أيضًا، ودعا إلى تشكيل لجنة عاجلة للمصالحة الوطنية، وقال إن الوطن ليس ملكًا لأحد ويتسع للجميع وطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعدم ملاحقتهم وحذر من الانجرار لحرب أهلية. بل وأصدر بيانًا صوتيًا آخر من خلال التليفزيون المصري تبرأ فيه من فض اعتصام رابعة العدوية، ودعا لضبط النفس وتحقيق المصالحة وحذر فيه من الابتعاد عن السياسة واللجوء للعنف. تجديد الخطاب الدينى وتأتى قضية الخطاب كواحدة من المحطات المهمة في طريق الخلاف بين الأزهر والرئاسة، وذلك على خلفية الانتقادات التي وجهها الرئيس السيسي للأزهر في مناسبات متفرقة، إذ قال في أحد الاحتفالات بليلة القدر: «سأحاجكم أمام الله عز وجل» وذلك في معرض حديثه عن استشراء التطرف الإسلامي وأثره في العالم وعدم مراجعة علماء الأزهر لكتب التراث، التي رأى أن بعضًا منها يحمل غلوًا وتطرفًا. كذلك دعوة السيسي في أحد خطاباته إلى ثورة دينية ومرات إلى تجديد الخطاب الديني، فقال في خطاب: «ليس معقولاً أن يكون الفكر الذي نقدسه على مدار المئات من السنين، يدفع الأمة بكاملها إلى القلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها وأنه قد آن الأوان لتجديد الخطاب الديني، الذي ظل رهينة تراث محدود بمعطيات الماضي وأبعاده». الخطبة والأوقاف ويتجلى الخلاف أيضًا، في المعركة الدائرة بين الأزهر ووزير الأوقاف الحالي مختار جمعة، وذلك بعد استشعار الأزهر بدعم وزير الأوقاف من قبل الرئيس، وحديث الوزير المسيء لشيخ الأزهر من وقت لآخر واتهام قريبين منه بأنهم ينتمون للإخوان المسلمين فيما سماه بأخونة الأزهر. ومن ناحية أخرى، محاولات شيخ الأزهر لإلغاء فكرة الخطبة المكتوبة التي تبناها وزير الأوقاف وصدرت التعليمات بذلك من خلال اجتماع موسع لهيئة كبار العلماء، ثم قام وزير الأوقاف مختار جمعة بإقالة عدد كبير من قيادات الأزهر من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وكان على رأسهم وكيل الأزهر، عباس شومان، ومستشار شيخ الأزهر، محمد مهنا، وأستاذ الفقه المقارن أحمد كريمة، وأستاذ الشريعة الإسلامية، سعد الدين الهلالي، ما أغضب شيخ الأزهر غضبًا شديدًا، وقررت هيئة كبار العلماء الانسحاب من عضوية المجلس ردًا على هذا القرار الذي اعتبره شيخ الأزهر موجهًا إليه شخصيًا؛ حيث إن الشخصيات المقالة هي محسوبة بشكل أو بآخر. رفض تكفير "داعش" رفض الأزهر برئاسة الشيخ أحمد الطيب تكفير "داعش" في 2014، وأصدر بيانًا رسميًا رافضًا لتكفير أي مؤمن، وهو ما تكرر في عام 2015 ونهاية 2016، وأثار غضب مؤسسة الرئاسة خاصة في ظل محاربة القوات المسلحة للعناصر المتطرفة في سيناء وتقديمها لشهداء. وقال "الطيب" وقتها: "لكي تكفر شخصاً يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، ويقولون: لا يخرجكم من الإيمان إلا إنكار ما أدخلت به". وتساءل: "ما حكم شخص يؤمن بتلك الأمور ويرتكب إحدى الكبائر، هل يصبح كافرًا؟" وهناك مذاهب أخرى، تقول إن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو مؤمن عاص، فلو أنه مات وهو مصرٌّ على كبيرته لا تستطيع أن تحكم عليه أنه من أهل النار، فأمره مفوض لربه. وأضاف شيخ الأزهر قائلاً: "أعرف أنكم تسألون عن الإرهاب، وعن داعش وأخواتها وما أظنكم بغافلين عن حقيقة هذه التنظيمات المسلحة، والظروف التي ولدت فيها، وكيف أنها ولدت بأنياب ومخالب وأظافر، وكيف أنها صُنعت صنعاً لحاجة في نفس يعقوب، ومعنى في بطن الشاعر، وقد صار اللعب الآن على المكشوف، وظهر ما كان بالأمس مستخفٍ وأصبحت هذه التنظيمات ألعوبة في يد مَن يحركها ويصنعها وتقوم بتجنيد الشباب مستغلة عدم معرفته بأمور دينه الصحيح". جروزنى والسعودية حضور الدكتور أحمد الطيب، مؤتمر "أهل السنة" بجروزني في الشيشان والذي استثنى السلفية من تعريف أهل السنة، مما أثار رد فعل غاضب في المملكة العربية السعودية؛ حيث رأى البعض أن هذا المؤتمر ضربة روسية سياسية للسعودية كون المؤتمر انعقد في العاصمة الشيشانية وهي إحدى الجمهوريات الروسية، وأحرج المؤتمر الكثير من العلماء الذين يأخذون من الوهابية مصدرًا للتحدث عن الدين الإسلامي، وتقول روسيا إنها تحارب هذا الفكر كونه منتشرًا في سوريا ومناطق القوقاز الروسية لذا من الأفضل تعريف الإسلام الصحيح، ولكن هذا الأمر ردَّ عليه علماء السعودية بأن هذا المؤتمر برعاية روسية للاستفادة منه في الأحداث الدائرة في سوريا. وشن السعوديون هجمة شرسة على مَن حضروا مؤتمر الشيشان؛ فقال الأمير السعودي الدكتور خالد آل سعود في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «مؤتمر الشيشان.. كيف يكون مؤتمرًا لعلماء المسلمين ويحضره الحبيب الجفري »، فيما علق الكاتب السعودي محمد آل الشيخ، على صفحته الرسمية على موقع التغريدات القصيرة «تويتر» قائلاً: “مشاركة شيخ الأزهر بمؤتمر جروزني الذي أقصى المملكة من مسمّى أهل السنة يحتم علينا تغيير تعاملنا مع مصر فوطننا أهم ولتذهب مصر السيسي». وأضاف آل الشيخ فى تغريدة أخرى «كنا مع السيسي لأن الإخوان والسلفيين المتأخونين أعداء لنا وله، أما وقد أدار لنا ظهره في جروزني وقابلنا بالنكران فليواجه مصيره منفردًا». ويبدو أن هذه التغريدات والتصريحات توضح مدى الغضب السعودي الناتج عن نتائج هذا المؤتمر، والذي أكد فيه المشاركون أن المؤتمر يعد نقطة تحول مهمة وضرورية لتصويب الانحراف الحاد والخطر الذي طال مفهوم أهل السنة والجماعة إثر محاولات اختطاف المتطرفين هذا اللقب. وأرجع الدكتور سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، هذا الخلاف إلى عدم اجتهاد مؤسسة الأزهر فيما يخص الفتاوى خاصة بالتزامن مع الحداثة والتطور الذى يشهده مجتمعنا في القرن الحادي والعشرين، مؤكدًا أن الأزهر لم يخرج أي اجتهاد منذ سنوات طويلة وبات متجمدًا ولا يريد أن يعترف بتقدم بعض الدول الإسلامية المستنيرة فيما يخص الفقه الاجتماعي، ومازال علماؤه ينتمون للفكر القديم. وأكد "صادق"، فى تصريحاته ل"المصريون"، أنه لا يوجد صدام بين مؤسسة الأزهر والرئاسة وإنما هناك حالة اختلاف في الآراء، مشددًا على أنه لن يسمح أحد بوجود أي خلاف أو صراع بين مؤسسات الدولة المختلفة؛ لأنها جهات مستقلة وتباشر أعمالها بأدوات مستقلة، وأن حالة اختلاف الآراء الموجودة حاليًا بين المؤسستين لا يعني أبدًا وجود صراع أو صدام بينهما. فيما يرى الدكتور عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الرئاسة تريد إخضاع الجميع وفقًا لإرادتها ورغبتها هي فقط حتى لو كان بالخطأ فالأولى بالنسبة لها الطاعة، موضحًا أن ما يحدث مع شيخ الأزهر هو ثمن مواقفه الأخيرة بعد عزل محمد مرسى وأن رغبته في "مناطحة" السيسي جاءت متأخرة وأننا أمام معركة سياسية. وتوقع "الأشعل"، في تصريحاته ل"المصريون"، بانتهاء الصراع بين الأزهر والرئاسة بانتصار الرئاسة وإزاحتها للطيب من منصبه وتعيين أسامة الأزهري أو على جمعة خلفًا له، مؤكدًا أنه يجب على مؤسسة الأزهر احترام مكانتها، وذلك بالبعد عن السياسة، وضرورة أخذ مشايخ الأزهر موقفًا حاسمًا في حال الإتيان بشخص خارجها.