في مكافحة الفساد، ليس هناك بديل للقيادة في القمة، وجميع الجهود الأخرى لا يمكن أن تنجح بدونها. على الرغم من إنها ليس كافيا في حد ذاته،وان القيادات الرفيعة المستوى تضع الإجراءات التشريعية وإنفاذ القوانين والقواعد ومدونات ليتمكنوا من أداء واجباتهم بكل ثقة دون خوف أو محاباة، وتأكيد الدعم من الجهات العليا. ذلك يشير أيضا إلى أن لا أحد فوق القانون والفساد لن يتم التسامح. إن الإرادة السياسية عندما تتحقق في مكافحة الفساد تعمل جميع أجهزة المكافحة وفق هذه الإرادة وبكامل طاقتها وسن التدابير القسرية دون تمييز والعقوبات الصارمة هي المفروضة والشفافية ووضع من الفساد. بشكل عام، وبناء الخدمة المدنية المهنية والخاضعة للمساءلة، وإنشاء نظم الإدارة المالية السليمة والشفافية ووضع السياسات الرادعة ضد الفساد. وقد وجدت العديد من البلدان إلى تبسيط التدخل الحكومي في الاقتصاد، والحد اتخاذ قرار تقديرية ، ورفع القيود وإزالة الرقابة على الأسعار والحد من الترخيص ومتطلبات التصاريح يقلص الفساد وممارسات التماس الريع إلى الجانب المساءلة والشفافية، وتدابير تتبع نفقات الميزانية دقيقة وآليات إعداد التقارير المالية، وضمان جميع النفقات، بما في ذلك قطاع الدفاع / الأمن، وتطبيق أحكام التدقيق، وتحسين وصول الجمهور إلى المعلومات تسهم إلى حد كبير في الحد من الفساد. فإنه توجد مجموعة من المؤسسات التي تمارس الدور المؤسسي على المستوى القومي، ومنها: الخدمة الوطنية لمكافحة الجريمة المنظمة. كما تكملها مجموعة من المؤسسات ذات الأدوار التكميلية، منها: الوكالة القومية للأمن القومي، ولجنة منع ومحاربة الفساد، ولجنة مكافحة الفساد في النظام القضائي، واللجنة البرلمانية لمكافحة الفساد، والمكتب القومي لمراجعة الحسابات، ومكتب المدعى العام، ومكتب الاستخبارات المالية، وأمين المظالم. وعلى مستوى المساءلة الاجتماعية،لعبت منظمات المجتمع المدني دورا كبيرا فيها مثل تحالف 2000، وهو عبارة عن مجموعة من المنظمات للمجتمع المدني، تم إنشاؤه عام 1989 باعتباره مبادرة لمكافحة الفساد، يعمل على تسهيل التعاون بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأخرى في مجال مكافحة الفساد، ويدير نظام الرصد ومراقبة الفساد من خلال استطلاعات للرأي العام التي تتم بصفة دورية ومنتظمة. أن الإرادة السياسية في مصر بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو تسعى لمكافحة شتى صور الفساد، ومن أجل تحقيق ذلك وضعت إستراتيجية قائمة على شقين، الأول (وقائي)، ومن خلاله تعمل المؤسسات المعنية بالدولة على وضع تشريعات وتنقيح القوانين السارية، بما يضمن وجود آليات ناجزه للتصدي للفساد، أن هناك قانونين يتم العمل عليهما خلال الفترة الراهنة لتحقيق ذلك وهما قانوني "الخدمة الوطنية"، و"الاستثمار"، فضلاً عن تطبيق نظام الشباك الواحد، وإنشاء حكومة الكترونية لترسيخ مبدأ الشفافية والعدالة. إن انتشار ظاهرة الفساد تعكس ضعف المنظومة الاقتصادية والسياسية والقانونية للدولة وللتمييز بين الممارسات الفاسدة وغير الفاسدة فإن الفيصل في ذلك(الشفافية والمحاسبة)،ورغم محاولة إخفائه إلا أن مؤشراته تظل واضحة المعالم،تنتشر وتتفشى داخل المجتمع،يتجسد ظهوره بصيغ وهيئات مختلفة تتمثل في: 1-شيوع ظاهرة الغنى الفاحش والمفاجئ في المجتمع. 2-شيوع ظاهرة الرشوة لدرجة تصل فيها من جملة المستمسكات المطلوبة في أية معاملة. 3-المحسوبية والولاء لذوي القربى في شَغلِ الوظائف والمناصب بدلاً من الجدارة والكفاءة والمهارة والمهنية والنزاهة . 4- غياب مبدأ تكافؤ الفرص في شغل الوظائف. 5-ضعف الرقابة(( أجهزة وأداءً ودوراً))أو ظهورها بشكل شكلي مع إهمال نتائجها. 6-الاستغلال السيئ للوظيفة لتحقيق مصالح ذاتية على حساب المصالح الموضوعية. 7-الخروج المقصود عن القواعد والنظم العامة لتحقيق منافع خاصة. 8-بيع الممتلكات العامة لتحقيق منافع ومكاسب خاصة. 9-انعدام الشراكة بين المواطنين والدولة وفق آلية المواطنة والديمقراطية الأمر الذي يجعل سياسة الدولة غير ممثلة لأمال وتطلعات الشعب وهذا يؤدي إلى خَلقِ نوعٍ من عدم الارتياح لدى المواطنين. 10-انتشار ظاهرة الابتزاز التي يقوم بها كبار المسئولين ممثلة بالتعقيدات الإجرائية والروتين الذي يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال من البلد . ويعد ارتفاع مؤشر الفساد في أي مجتمع دالة على تدني الرقابة الحكومية،وضعف القانون، وغياب التشريعات،وقد ينشط الفساد نتيجة لغياب المعايير والأسس التنظيمية والقانونية وتطبيقها، وسيادة مبدأ الفردية بما يؤدي إلى استغلال الوظيفة العامة وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالح فردية أو مجموعات على حساب الدور الأساسي للجهاز الحكومي بما يلغي مبدأ العدالة،وتكافؤ الفرص،والجدارة،والكفاءة، والنزاهة،في شغل الوظائف العامة. أن الضغوط الاجتماعية وغياب العدالة الاجتماعية، قد تكون أحد الأسباب التي تؤدى إلى تفشى الفساد وانتشاره، ولكن لا يوجد تشريعات يمكنها القضاء على الفقر والفساد في آن واحد، أن القضاء على الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية يحتاج لإجراءات طويلة الأمد، ولكن يمكن أن يتم اتخاذ إجراءات تخفف حده الفقر تدريجياً. في ظل إرادة الشعب المصري والإرادة السياسية لمكافحة الفساد,والتي عبر عنها دستور عام 2014,وانطلاقاً من أن الفساد يمثل العقبة الرئيسة التي تعوق جهود التنمية الشاملة وتؤدى إلى إهدار الطاقات المتاحة،ومع الاهتمام المتزايد الذي شهدته مصر لمكافحة الفساد وتطوير الجهود المبذولة في هذا الشأن والتي كان من أبرزها إنشاء اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد واللجنة الفرعية المنبثقة عنها تسعى جامعة المنصورة لوضع إستراتيجية للوقاية ومكافحة الفساد. وفى ظل الجهود المبذولة في مجالي الإصلاح الإداري والاقتصادي كمدخلين رئيسيين للحد من الفساد، وتصديق مصر على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد،وفى ضوء الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والتي تمثل رؤية نحو الارتقاء بمستوى الأداء الادارى والحفاظ على المال العام؛فقد تم وضع إستراتيجية للوقاية ومكافحة الفساد بجامعة المنصورة والتي تتضمن رؤية للارتقاء بمستوى الأداء العلمي والادارى والبحثي والمالي تعتمد على الإمكانات المادية والبشرية المتاحة بهدف الوقاية والحد من مظاهر الفساد بالجامعة من خلال وضع الأهداف والسياسات التنفيذية التي تكفل تقويم سلوك الأفراد والوقاية من أي مظاهر للفساد بهدف تحقيق التنمية المستدامة. فرغم إعلان الإستراتيجية الوطنية، لا يبدو، كما تقول منظمة الشفافية الدولية، أن لدى السلطة في مصر تصورا شاملا للمكافحة، رغم الأهمية البالغة لتصريحات السيسي الدائمة بشأن مكافحة الفساد. "مواجهة الفساد يحتاج إلى عملية شاملة بعيدة المدى لن تؤتي ثمارها فورا حتى يشعر الناس بها"، حسبما تقول أروى حسن، مدير التواصل الخارجي الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في المنظمة الدولية. وتحتاج هذه العملية بدورها إلى توفر "مؤسسات قوية فعالة مثل نظام قضائي مستقل وفعال ونزيه، وإعلام مستقل وأجهزة مراقبة ومحاسبة مستقلة وشفافة." ومع ذلك، فإنه بسبب عمق جذوره، من المستبعد أن يكون عام 2018 هو نهاية الفساد في مصر، لأن مكافحته الحقيقية الجادة تحتاج، كما تنبه منظمة الشفافية الدولية، إلى "برامج وإجراءات شاملة.. وضغطا من أعلى (السلطة) وآخر من أسفل (المجتمع)". ، أن مصر ليست الدولة الوحيدة التي تعانى فسادا بيروقراطيا وإداريا، وأن عملية التنمية السياسية لا بد لها أن تأخذ المنحى اللامركزى كتطبيق، ولا بد من توعية أفراد المجتمع بها، وأن مميزاتها تكاد تتناسب مع أطر وعلاج ومكافحة الفساد المحلى في مصر. أن مشكلة مكافحة الفساد متعلقة بالديمقراطية الحقة، وإنفاذ القانون، وتنفيذ الأحكام والإطار الاجتماعي والاقتصادي (السياسات الاجتماعية والاقتصادية)، والحد الأدنى والحد الاقصي (العدالة الاجتماعية)، وأهمية التجديد الثقافي والتربوي القيم، سواء في الإسلام أو المسيحية ، ومفهوم النفس اللوامة (الضمير)، وأن القيم الدينية مهمة. أن الحالة المصرية تتحكم فيها الثقافة السائدة، والمزاج المصري العام، وأن مسألة الشفافية والمساءلة واحترام القانون تحتاج إلى إعادة تصحيح وتوضيح وتوعية، وأن هذا المزاج مكتسب ونتاج سياق مجتمعي معين، وسيستغرق بعض الوقت (تغيير عقل وفؤاد)، أي منظومة القيم.