لم يقنعنا- أو يزيل هذا الاعتقاد من أذهاننا - ذلك النفى الذى أبداه المسئولون الأمريكيون، خلال بحثهم مع قيادات جماعة الإخوان اختيار مرشح للجماعة فى أثناء زيارة السيناتور جون ماكين لمصر وبحضور السفيرة الأمريكية باترسون، فلم يكن هذا هو اللقاء الأول فهناك علاقات مباشرة قديمة تعود إلى عام 2006 مع أعضاء الإخوان المسلمين فى البرلمان ممن فازوا بمقاعد كمستقلين، ومن خلال اتصالات ثنائية بينهما. وتاريخ أمريكا معنا يؤكد تلك الهواجس فهى دوما ما تراهن على الحصان الرابح، فلا تعرف علاقات دائمة أو خصومة دائمة، وعقيدتها البراجماتية توجه دومًا بصلتها نحو المصلحة المحققة لذاتها. فثمة تحول أمريكى فى طريقة التعامل مع الإسلاميين بصفة عامة إثر صعودهم فى شمال إفريقيا، عبر عنه مسئول رفيع "من مصلحتنا التعامل مع كل الأطراف التى تتنافس على البرلمان والرئاسة".. إذ حرصت الوفود الأمريكية الرسمية للكونجرس على زيارة مقر الجماعة فى المقطم، من أجل أن تطلع بنفسها على طريقة تفكير الجماعة ومرشحها وموقفهما ليس فقط من حقوق الأقليات واحترام القانون، ولكن الحصول على تعهد بالالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل.. وهذا ما حرص عليه السيناتور دراير فى لقائه مع خيرت الشاطر إذ سارع إلى إعلانه فى مؤتمر صحفى، فالهدف الأساسى من هذه الزيارات هو طمأنة إسرائيل.. وقد أعقبت ذلك دعوة موجهة إلى حزب الحرية والعدالة لمقابلة المسئولين فى الخارجية الأمريكية فى واشنطن وفى معاهد الأبحاث. الأمر الذى شجع الأمريكان فى المضى قدمًا فى التعامل بهذا المنهج البراجماتى ذلك السلوك المتعاون، الذى أبداه كل من آية الله السيستانى والحزب الإسلامى العراقى مع الاحتلال الأمريكى لبغداد، فأعطى ذلك قدرًا من التحرك فى الاستفادة منهما ليكونا بديلا عن تيارات تفتقر إلى العمق الجماهيرى فى العراق. اتكأ الأمريكيون فى رهانهم على شخص يضعون فيه ثقلهم مثل مرشح الإخوان، بعد فشلهم الذريع فى تمرير رئيس ليبرالى يحظى بحب المصريين وتأييدهم له؛ إذ انصبت كل رهاناتها الخاسرة بعد الثورة على أشخاص بعينهم كانوا يعيشون بين ظهرانيهم فترة ليست بالقليلة، وأظهرت الأحداث المتعاقبة فقدانهم للتأثير والقبول الجماهيرى الواسع. فقيام ثورة فى دولة بحجم مصر وتأثيرها الإقليمى، ولم يكن لأمريكا فيها ضلع وزاوية، وضع إدارة الرئيس الأمريكى أوباما فى مأزق؛ إذ كون لديهم حافزا للتحرك السريع لملء الفراغات، التى نشأت عن سقوط مبارك ونظامه، والسعى لإقامة جسور من العلاقات مع من سيأتى فى ظل الأوضاع الجديدة بعد انتهاء الفترة الانتقالية. ومادام لا يوجد حظر قانونى أمريكى يمنع التعامل، فإن السعى يمر من خلال استقطاب لكل القوى التى تحظى بجماهيريتها الواسعة. فهل نجح الأمريكيون فى اختيارهم ورهانهم على مرشح الرئاسة القادم، الذى يعتلى عرش مصر؟