منذ قيام ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013 و التى من المفترض أنها تعديل لمسار ثورة يناير المجيدة ، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما كان وزيرا للدفاع وقتها و فى أكثر من لقاء بأن من نتائج ثورة الثلاثين من يونيو بأن مصر ستخطو أولى خطواته نحو التقدم و التنمية و قال جملته المشهورة ( هتبقى قد الدنيا ) و أنه يجب علينا الإنتظار لحين استقرار الأوضاع و الإنتهاء من الفترة الإنتقالية لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، و كان وقتها قد تم تعيين المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا للبلاد طبقا لبيان 3 يوليو 2013 لحين إجراء تلك الإنتخابات. و مضى عام و تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة البلاد خلفا للمستشار عدلى منصور فى بداية يونيو 2014 و قد ذكر الرئيس السيسى عقب توليه منصب الرئاسة رسميا و فى أكثر من لقاء أنه فى ظرف عامين فقط ستظهر فى البلاد علامات التنمية و الرخاء مشيرا إلى أن فئة محدودى الدخل هى من أهم أولوياته. و بدأ بإقامة عدد من المشروعات كان أبرزها قناة السويس الجديدة ، و التى بدأ الحفر بها فى أغسطس 2014 على أن يتم افتتاحها بعد عام ، و قد دار حولها الكثير من الجدل بين مؤيد و معارض، حيث رأى المعارضون لإنشاء هذه القناة فى هذا التوقيت أن تكلفة إنشاء القناة و التى تبلغ ثمانية مليار دولار سيعمل على سحب العملة الصعبة من السوق المصرى و بالتالى سيؤدى إلى نُدرة الدولار و يعمل على ارتفاعه بشكل ملحوظ مما سيترتب عليه غلاء الأسعار حيث أن معظم السلع التى نستخدمها فى حياتنا اليومية هى سلع مستوردة و لذلك رأوا أن يتم تأجيل هذا المشروع الكبير لحين استقرار الوضع الإقتصادى. إلا أن الرئيس السيسي كان له وجهة نظر مخالفة و رأى أنه من الأفضل أن يتم البدء فى إنشاء هذه القناة مستندا إلى دراسة الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس بأن عائد هذه القناة سيصل إلى مائة مليار دولار سنويا، مما ستعمل على إنعاش الإقتصاد المصري. و أعلن الرئيس السيسى وقتها عن شهادات استثمار قناة السويس بأعلى عائد وقتها 12% ليتم جمع أكثر من 60 مليار جنيها مصريا فى أسبوع، و البدء الفعلى فى المشروع. كما دعى الرئيس السيسي لعقد مؤتمرا اقتصاديا بغرض جذب الإستثمار و تم عقده فى شهر مارس 2015 بمدينة شرم الشيخ، و قامت عدد من الدول العربية بالمشاركة فى هذا المؤتمر و أعلن رئيس الوزراء المصري وقتها، المهندس إبراهيم محلب، بأن الحصيلة النهائية للاستثمارات والقروض التي حصلت عليها مصر من هذا المؤتمر بلغت 60 مليار دولار فضلا عن تعهدات بدعم خليجي قدره 12.5 مليار دولار بعد فترة المؤتمر و هذا ما شجع الإدارة المصرية وقتها بالإعلان عن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة . و مرت الأيام و بعد مرور أكثر من عام كامل على افتتاح قناة السويس الجديدة و بدلا من أن نحصد ثمار قناة السويس الجديدة طبقا لما صرحت به الحكومة، تُفاجأنا الحكومة بأنها تريد أن تقترض من البنك الدولى مبلغ و قدره 12 مليار دولار، وسط حالة من الإستغراب و الإستياء الشديدين التى انتابت العديد من المواطنين متسائلين لماذا نلجأ إلى الإقتراض من البنك الدولى بالرغم من أن عائدات قناة السويس الجديدة و التى أعلنتها الجهات الرسمية من المفترض أن تصل إلى 100 مليار سنويا ؟ فهل كان هذا المبلغ مبالغا فيه ؟!! و هل لجوء الحكومة إلى فرض ضرائب القيمة المضافة و التى ستثقل كاهل المواطن يعتبر عوضا عن المبالغ التى لم تحققها القناة أم ماذا ؟!! و هنا رجحت كفة المعارضين لإنشاء هذه القناة فى هذا التوقيت. و بالنسبة لإنشاء العاصمة الإدارية فقد تراجعت الشركة الإماراتية التى كانت ستقوم بتنفيذ المشروع و اعتذرت عن تنفيذه، و قد صرح بعض الخبراء الإقتصادين وقتها بأنه من المفترض و من الأولى و طبقا لترتيب الأولويات أن تقوم الحكومة بإجراء صيانة للبنية التحتية فى العديد من المناطق و القرى و التى يعانى قاطنيها من سوء الأحوال المعيشية و الخدمية بدلا من إنشاء هذه العاصمة الجديدة خاصة و أن تلك العاصمة لن يسكنها سوى الأثرياء و القادرين، و سيبقى حال الفقير كما هو. و قد بلغ التدهور الاقتصادى ذروته فى عام 2016 و خاصة بعد النصف الثانى منه حيث أصبح الدولار يرتفع بشكل يومى أمام الجنيه المصرى حتى وصل فى السوق السوداء إلى ضعف ثمنه فى البنوك المصرية، مما أجبر البنك المركزى فى الثالث من نوفمبر على تحرير سعر الصرف ليصل سعر الدولار رسميا إلى ما يقرب من العشرون جنيها فى سابقه لم تشهدها مصر من قبل، و لم تكتفِ الحكومة المصرية بذلك بل زادت من الطين بله و قامت بعدها بيوم بخفض نسبة الدعم من على المواد البترولية مما كان له أكبر الأثر فى ارتفاع جميع أسعار السلع بنسب لم يراها المواطنين من قبل حيث وصلت أسعار بعض السلع إلى الضعف و ارتفعت نسبة الفقر جراء انخفاض قيمة الجنيه المصرى حيث وصلت نسبة الفقر طبقا للإحصاءات الرسمية إلى أكثر من 27%. بل صار حال الفقير من سيئ لأسوأ. و فى ظاهرة هى الأولى من نوعها و طبقا لتردى الأوضاع الإقتصادية قام عدد كبير من رجال الأعمال يوم السابع و العشرون من شهر ديسمبر الماضى بنشر استغاثة بجريدة الأهرام للرئيس السيسي بإعتباره رئيسا للجمهورية و رئيس المجلس الأعلى للإستثمار يطالبونه بسرعة التدخل لما طالهم من أذى بسبب تحرير سعر صرف الجنيه الذى أدى إلى عدم مقدرتهم على المواصلة فى العمل و أن استمرار هذا القرار سيؤدى إلى إفلاس تلك الشركات و تسريح مئات الآلاف من العمال و تدمير و اهدار رؤوس الأموال الوطنية مما سيؤثر على سياسة الاستثمار فى مصر و التى تعد واحدة من أهم دعائم الاصلاح الاقتصادى الذى تتبناه الدولة و تسعى إليه. و السؤال هنا إذا كان رجال الأعمال يستغيثون و يشتكون من تحرير سعر الصرف فما بالكم بالفقير و محدودى الدخل؟ و من خلال ما سبق كان من الطبيعي أن يعلن منتدى الإقتصاد العالمى المنعقد فى دافوس خلال الفترة من 20:17 يناير 2017 و من خلال التقرير الذى أصدره أن مصر أصبحت من أسوأ 20 دولة فى مجال الاستثمارات و بيئة الأعمال والوساطة المالية، وهو ما أثر على ترتيب مصر الكلي، فجاء ترتيبها في المركز ال73 من إجمالي 79 دولة المصنفين ضمن مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض ، لتصبح من بين أسوأ دول العالم في جذب وتشجيع الاستثمار وبيئة الأعمال. وأكد التقرير أن الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها مصر لن تكفي للإسراع بمعدلات النمو دون زيادة حقيقية في معدلات الاستثمار وشمول الوساطة المالية لتشمل قطاعات أوسع من المصريين. وذكر التقرير أن الفقر في مصر يمثل نحو 27 بالمائة وارتفع نتيجة قرار تعويم سعر الصرف وتعويم الجنيه المصري مقابل الدولار في بداية نوفمبر الماضي، إلى جانب تطبيق ضريبية القيمة المضافة ورفع أسعار الوقود وتقليص الدعم المخصص للطاقة ودعم السلع. هذا و قد شمل التقرير 109 دول مقسمة إلى مجموعتان الأولى للاقتصاديات المتقدمة والأخرى للدول متوسطة ومنخفضة الدخل، واعتمد التقرير على 140 مؤشرا إحصائيا لتحليل ومقارنة ما تم تحقيقه في القطاعات التي يتناولها التقرير بهدف تحديد ما تم إنجازه لتحقيق التنمية الاقتصادية والشمول الاجتماعي. ويمثل التقرير أداة استرشادية جيدة للأداء الاقتصادي وإطارا يضم سبعة قطاعات رئيسية وخمسة عشر مجالاً فرعيا يتم من خلالها تحديد العوامل الهيكلية التي تؤثر على وجود مشاركة مجتمعية تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاستفادة من عوائده. و أشار التقرير إلى أن الدول التي استطاعت إن تبني طبقة متوسطة قوية وتقلل مستوى الفقر وتخفض التهميش الاجتماعي هي الدول التي نجحت بعد ذلك في بناء مؤسسات اقتصادية مؤثرة بالتوازي مع وضع سياسات اقتصاد كلي فاعلة تدعم تحقيق الإصلاح والتنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة. و قد شارك فى هذا المنتدى وفدا وزاريا مصريا شارك فى عقد عدد من اللقاءات مع كبرى الشركات وبنوك الاستثمار العالمية إلى جانب عرض أهم ملامح برنامج الإصلاح الاقتصادى، وضم الوفد كلا من طارق قابيل وزير التجارة والصناعة وسحر نصر وزيرة التعاون الدولى وداليا خورشيد وزيرة الاستثمار. وامتدت أعمال المنتدى على مدى أربعة أيام بمشاركة نحو ثلاثة آلاف من زعماء وكبار رجال السياسة والإعلام والمشاهير ورجال الأعمال والنشطاء الاجتماعيين حول العالم، حيث بحث المشاركون أزمات النمو الاقتصادى العالمى والعولمة والقلق من تزايد الفجوة فى الدخل بين الفقراء والأغنياء بما يزيد المخاطر التى تهدد الاستقرار العالمي، وتم إعلان مصر واحدة من أسوأ 20 دولة في مجال الاستثمار حول العالم. وبالرغم من الأداء السلبى للحكومة إلا أنها لازالت هى و الرئيس السيسي نفسه دائمى التحدث عن تحقيق إنجازات لا يرى المصريون منها أثرا على أرض الواقع، وانتهى الأمر بحقيقة قاسية، هي أن مصر من أسوأ دول العالم في مجال الاستثمار وبيئة الأعمال. و لكى نُعدل من هذا الوضع فلابد على السلطة التنفيذية أن تغير من الأفكار و السياسات التى آلت بنا إلى من نحن عليه الآن و استبدالها بأفكار جديدة و سياسات مبتكرة لكى تنقذنا من هذا الوضع الاقتصادى السيئ، و أعتقد من وجهة نظرى المتواضعة أنه يجب على هذه الحكومة أن نعمل الآتى: ضرورة اهتمام الدولة بالمشروعات الصغيرة و المتوسطة لخلق فرص عمل للشباب و ذلك عن طريق اعطاء قروض للشباب بتسهيلات يستطيع تسديدها بعد ذلك، و عمل معارض كبيرة برعاية الدولة لعرض تلك المنتجات. مساعدة المصانع و الشركات المتعثرة فى حل مشاكلها حتى تستطيع الوقوف على قدمها و اعادة الإنتاج مرة أخرى. الإهتمام بمجال الزراعة لتحقيق الإكتفاء الذاتى من الغذاء لتوفير العملة الصعبة التى نستخدمها فى استيراد ما ينقصنا من غذاء. صناعة أفلام تظهر جمال بعض المناطق الأثرية و السياحية لجذب السياح و البُعد عن أفلام العنف و البلطجة و العُري و التى تسيئ لسمعة مصر. على الدولة الاهتمام بمحاربة الفساد الذى استفحل فى الفترة الأخيرة حتى وصل مقدار المبالغ المنهوبة فى الشهرين الماضيين فقط إلى مئات الملايين. تحقيق مبدا العدالة الاجتماعية بين المواطنين و تقريب الفجوة بين الحد الأدنى و الأقصى للمرتبات. تشريع قانون للإستثمار يعمل على جذب المستثمرين بطريقة أفضل. الإهتمام بالمنظومة التعليمية لاسيما التعليم الفنى و وضع مناهج تحث أولادنا على المبادئ و القيم و احترام الأخر لتدعيم الوحدة الوطنية. ضرورة أن يعمل الإعلام على لم شمل الأسرة المصرية و تحقيق العدل و البُعد عن الإقصاء لأى فصيل و احترام الرأى و الرأى الأخر و أننا جميعا أبناء وطن واحد، و عند وقف الإقصاء لن يصبح للعنف مكان و بالتالى سيتلاشى الأرهاب و يتحقق الإستقرار الذى سيؤدى إلى جذب المستثمرين و ستتحقق التنمية التى طالما حلمنا بها، و وقتها فقط ستصبح مصر قد الدنيا. حمى الله مصر و شعبها.