انطلق معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام2017 ، يوم الخميس الماضي 26 يناير الجاري، وخلال الأيام الأولى له، أجرى «ساسة بوست» جولة ميدانية به، مُتحدثًا مع باعة ومُشترين حول الأسعار، ونسب المبيعات والحضور عامّة، وعلى أي الكُتب يزيد الإقبال، وحول تنظيم المعرض وكيف كان. تحايل على الطوابير الممتدة أمام المعرض في 26 يناير الجاري، افتتح معرض القاهرة الدولي للكتاب دورته ال 48 في أرض المعارض بمدينة نصر شرقي القاهرة، بمشاركة 35 دولة، بينها 22 دولة عربية وأفريقية، و13 دولة أجنبية و850 ناشرًا عربيًا وأجنبيًا بينهم 50 ناشرًا أجنبيًا و250 عربيًا، و550 ناشرًا مصريًا، وتشارك المغرب كضيف شرف للمعرض، الذي ينتهي في 10 فبراير 2017، ويأتي تحت عنوان «الشباب وثقافة المستقبل». وفي عصر اليوم الثالث للمعرض، اصطف مئات الزائرين في طوابير طويلة امتدت لعشرات الأمتار أمام بوابات المعرض بهدف دخوله، بعد شراء التذكرة التي بلغت قيمتها جنيهًا واحدًا فقط، ولفت مشهد الطوابير المصطفة أمام بوابات المعرض أحد المارة، حتى قال ساخرًا: «الشعب كله اتثقف مرة واحدة؟!» ورغم التواجد الأمني المُكثّف أمام بوابات المعرض، إلا أن دوره التنظيمي كان ضعيفًا، إذ كان من السهل على بعض الزائرين التحايل على الطوابير الطويلة وعدم الالتزام بالدور المخصص لكل زائر. تضاعف في الأسعار وتقلّصٌ في الإقبال للوهلة الأولى تبدو المظاهر خدّاعة، حين ترى الصفوف التي تصل لعشرات الأمتار أمام بوابات المعرض لتتخيّل أن داخل المعرض كيوم الحشر، لكن المفاجأة أن «الجميع جالسون في الحدائق. يأتون بأبنائهم ليتنزهوا ويأكلوا ويشربوا»، أو كما قال أحمد وهو بائع كتب يبلغ من العمر 28 عامًا. ويشهد أحمد الذي بدأ العمل في المعرض منذ عام 2012، على تقلص أعداد روداه كل عام عمّا قبله، متوقعًا بذلك انخفاض أعداد إجمالي الزائرين لهذا العام عن العام السابق الذي بلغت أعداد إجمالي الزائرين فيه مليوني شخص. وبعيدًا عن توجه زائرين لشراء الكتب، كما أشار أحمد، فقد اهتمّ آخرون بالتنزه والاستمتاع بالمساحات الخضراء، وممارسة بعض الأنشطة الترفيهية كلعب كرة القدم، أو الاستمتاع بالحفلات الغنائية والشعرية التي ينظمها المعرض. ولعل عزوف الكثيرين عن شراء الكُتب يعود إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، لدرجة أن بعضها تضاعف، بمعنى أن الكتاب الذي كان يُباع العام الماضي ب40 جُنيهًا وصل ثمنه هذا العام ل80 جُنيهًا، وعليه «الزبون سيشتري كتابًا أو سيشتري الغداء؟» كما تساءل أحمد بائع الكُتب. بعض الكتب، بخاصة الروايات الأجنبية وصلت أسعارها لأكثر من الضعف، فعلى سبيل المثال ما كان يُباع ب60 جُنيهًا، أصبح ب120 جنيهًا. الكتب المترجمة أيضًا شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار قد يصل إلى 200%، كما يقول بائع في جناح مكتبة «عصير الكتب». ويرجع هذا الارتفاع في أسعار الكتب الأجنبية، والذي قد يراه البعض مُبالغًا فيه، إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، فضلًا عن أنّ ارتفاع أسعار الكتب في العموم يعود إلى ذلك أيضًا، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأحبار والأوراق والنقل. وبلغ السعر الرسمي للدولار مطلع العام الماضي، نحو 7.8 جنيه، وصولًا إلى 8.88 جنيه، قبل أن يحرر (يُعوّم) البنك المركزي المصري سعر صرف الجنيه وفقًا للعرض والطلب، في الثالث من نوفمبر من العام الماضي، ليصل في يناير إلى نحو 19جنيها. اقرأ أيضًا: الآثار الاجتماعية ل«تعويم الجنيه».. أين تذهب الطبقة المتوسطة؟ زائرون يشترون نصف احتياجتهم ارتفاع الأسعار وتقلص الإقبال يُؤكده عبد الرحمن (21 عامًا) الذي اشترى نصف احتياجاته من الكتب التي كان ينتوي شراءها. «الأسعار مرتفعة جدًا هذا العام. على سبيل المثال كان هناك كتاب العام الماضي ب70 جنيهًا، وجدته هذا العام ب320 جنيهًا!»، يقول عبدالرحمن الذي وجد كُتيبًا للأطفال لا يتعدى 80 صفحة يُباع ب98 جنيهًا! صبحي البالغ من العمر 35 عامًا اعتاد نفس إقبال هذا العام على المعرض كل عام، لكن ما لم يعتده ارتفاع الأسعار بهذا الشكل: «زادت الضعف أو أكثر». يتفق محمود مع صبحي في أن الإقبال هو نفسه إقبال العام الماضي، كما يتفق معه على الارتفاع «المبالغ فيه» في الأسعار، إذ كانت ينتوي شراء 25 كتابًا، لكنه لم يتمكن إلا من شراء 12 كتابًا فقط. وعلى ما يبدو لم يكن أحد محظوظًا كمحمد (22 عامًا) الذي جاء من محافظة الدقهلية لشراء تسعة كتب، استطاع أن يحصل منها على سبعة. مُحمد كغيره أقرّ بالارتفاع «الجنوني» في الأسعار، وإلا لكان اشترى الكتب التسعة، لكنه لفت إلى أن أسعار الكتب الصادرة عن مطابع أو دور نشر حكومية تمتاز بثبات سعرها نسبيًا، في الوقت الذي تشهد فيه إصدارات دور النشر الخاصة ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار، ووفقًا لناشرين، فقد ارتفعت أسعار الكتب الجديدة في المطابع الخاصة لهذا العام لتبدأ من 100 جنيه وترتفع لتصل أحيانًا ل400 جنيه. الروايات الأكثر مبيعًا «الإقبال جيّد نوعًا ما بالنسبة إلى الظروف الاقتصادية للبلد»، يقول طلعت البائع في جناح دار أخبار اليوم للنشر الحكومية، ومع إقراره بتضاعف الأسعار وتقلص الإقبال على الشراء نسبيًا، إلا أنه ينفي أن الناس يشكون من ارتفاع أسعار الكتب، ببساطة لأنه يرى أن «الجميع يعرفون أن الكتب سلعة مثل باقي السلع، ولابد أن يرتفع سعرها». الروايات كانت الأكثر حظًا في مبيعات هذا العام حتى الآن، وفقًا لاستطلاع عدد من الباعة، ويعود السبب في ذلك إلى إقبال الكثير من الشباب على شراء الروايات، وبخاصة روايات الكتاب المشهورين. تلي الروايات كتب الأطفال ثُم كُتب الطبخ. أكّد على ذلك بائع في جناح مكتبة «عصير الكتب»، مُرجعًا سبب ذلك إلى ميل القراء في البداية بشكل أكبر إلى القصة والحكاية الترفيهية التي تتضمنها الرواية، بعيدًا عن المضامين المعلوماتية أو المعرفية، والتي قد يُقبل القارئ عليها تدريجيًا لاحقًا، على حد قوله. هذا ورصدنا تواجدًا شبابيًا كثيفًا في المعرض، وهو ما لم يكن مُستَغربًا، وإنما متوقع، بالوضع في الاعتبار ما كشف عنه هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة العامة للكتاب المنظمة للمعرض، من أن 65% من جمهور المعرض العام الماضي من الشباب، وهو ما دفع الهيئة لاتخاذ «الشباب وثقافة المستقبل» عنوانًا للمعرض في دورته الجارية. وشارك الشباب كثير من الأسر التي أقبلت على زيارة المعرض مُستغلةً أجازة نصف السنة للتنزه أو شراء بعض الكتب، أو الألعاب لأطفالهم.