نشر موقع «قنطرة» تحليلًا لكل من «لارس بروزوس» و«شتيفان رول»، الباحثان في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، يزعم أن الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي عُثر على جثته في فبراير من العام الماضي مقتولًا، قُتل بموافقة أمنية. وقال الباحثان في تحليلهما :« بعد مرور عام على مصرعه في القاهرة، أظهر مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني أن البحث العلمي الميداني المستقل في مصر لم يعد يكاد ممكنا. غير أن السياسة الألمانية والأوروبية تجاه مصر تعتمد على التحليل العلمي». وتابع الباحثان ": قبل عام (من كتابة هذا التحليل)، في الخامس والعشرين من شهر يناير 2016 اختفى الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، وفي الثالث من شهر فبراير 2016 تم العثور على جثَّته. وكشف تشريح الجثَّة عن أنَّ هذا الشاب البالغ من العمر ثمانية وعشرين عامًا قد تعرَّض للتعذيب عدة أيَّام». وقالا إنه حتى اليوم لم يتم الكشف عن الخلفيات ولم يتم إلقاء القبض على الجناة، على الرغم من أنَّ هناك أدلة دامغة: إذ إنَّ جوليو ريجيني اختفى في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير 2011، التي يكون فيها وسط مدينة القاهرة خاضعًا لحراسة مشدَّدة. وبما أنَّ علامات التعذيب كانت تحمل بحسب معلومات ناشطين حقوقيين مصريين توقيع قوَّات الأمن المصرية، وبما أنَّ الشرطة قد حاولت إخفاء ظروف اختفائه وتحدَّثت في البداية حول حادث سيارة - فإنَّ كلَّ هذا يشير إلى أنَّ جوليو ريجيني سقط ضحية أجهزة الأمن المصرية. قتل بموافقة أمنية وأضاف الباحثان الألمانيان، أن ريجيني قبل موته كان مُراقَبًا من قِبَل «جهاز سيادي»، حيث بدت لهم أبحاثه مثيرة للشبهات - فقد كان الباحث الاجتماعي جوليو ريجيني يبحث في مجال حرِّيات النقابات المهنية في مصر، وهو موضوع بالغ الحساسية في دولة قمعية. ومع ذلك فإنَّ الاعتقاد بوجود أوامر من أعلى المستويات السياسية تقضي بقتله لا يبدو معقولاً كثيرًا. وتابعا ": على الأرجح أنَّ جوليو ريجيني سقط ضحية المبالغة في عنف الشرطة اليومي في مصر. فقد سجَّلت منظمة حقوق الإنسان المستقلة "مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" فقط للأشهر الخمسة الأولى من عام 2016 ثلاثمائة وتسعًا وأربعين حالة تعذيب، من بينها اثنتا عشرة حالة قاتلة على الأقل. وكذلك تشير منظمتا هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية مرارًا وتكرارًا إلى الاستخدام المنتظم للتعذيب في مخافر الشرطة المصرية، وتشتكيان من الزيادة الكبيرة في عدد عمليَّات الخطف على أيدي قوَّات الأمن المصرية. وحتى الحكومة الألمانية تعبِّر عن قلقها إزاء حالات التعذيب والاختفاء في مصر". ومضي الباحثان بالقول :" والمشكلة لا تكمن فقط في الاعتداءت الفردية غير الإنسانية، بل أيضًا في تعامل القيادة السياسية في القاهرة مع ذلك. فبدلًا من الكشف عن الانتهاكات وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، ينفي النظام هذه الحوادث إلى حدّ بعيد أو يُفسِّرها بنظريات مؤامرة غامضة. على سبيل المثال في قضية جوليو ريجيني أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أنَّ هناك "أشخاصًا أشرارًا" كانوا يريدون تعكير صفو العلاقات الطيِّبة بين مصر وإيطاليا". ورأى أنه ": بهذا يعمل النظام على تأجيج حالة البارانويا والخوف المنتشر بالفعل على نطاق واسع بين المواطنين المصريين، ويصرف نظرهم عن فشله هو بالذات. والنظام يرسل بذلك قبل كلِّ شيء رسالة واضحة: حتى وإن لم يكن عنف الشرطة مبنيًا على أوامر عليا، فلا أحد يمكنه أو يستطيع اليوم أن يشعر بالأمان في مصر. وهذا ينطبق على المعارضة الإسلامية وكذلك أيضًا على الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني الناقد، بمن فيهم الصحفيون والباحثون الأكاديميون - وحتى الأشخاص الذين يحملون جوازات سفر أجنبية". المعلومات الموثوقة باتت شبه منعدمة من مصر وقال الباحثان إنه منذ 3 يوليو 2013، أصبحت الأبحاث والدراسات العلمية في مصر تزداد صعوبة على نحو متزايد. وفي البداية كان ذلك يؤثِّر في المقام الأوَّل على الباحثين والأكاديميين المصريين. وبالنسبة لهم أصبحت منذ ذلك الحين القيود المفروضة على السفر والنشر جزءًا من الحياة اليومية، ويضاف إلى ذلك أنَّ إمكانيات تمويل الأبحاث المستقلة باتت مقيَّدة أكثر، وكذلك التمويل من خلال الشركاء الدوليين خاصةً. وفي هذه الأثناء أصبح الباحثون والأكاديميون العالميون مجبرين على تقييد نشاطاتهم في مصر بشكل واضح. ومن المعروف أنَّ الأبحاث العلمية في مصر لم تكن سهلة قَطّ، وأنَّ الباحثين والأكاديميين كانوا دائمًا معرَّضين لخطر تشويه سمعتهم كجواسيس. ولكن منذ اغتيال جوليو ريجيني لم يعد الخبراء المختصون يسافرون إلى مصر بسبب وجود خطر يهدِّد حياتهم. وبهذا فإنَّ حالة الريبة والغموض، التي تكتنف مصير الإيطالي جوليو ريجيني المجهول، تؤدِّي إلى انخفاض عدد التحليلات التي تعتمد على الأبحاث الميدانية. وأشار التقرير إلى أن الصحفيون أيضًا لم يعد بإمكانهم تقريبًا نشر أية معلومات جادة. ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة على حدّ سواء تسير إلى حدّ كبير على مسار النظام وتنشر دعايته السياسية. أمَّا العدد القليل من الصحفيين الناقدين فيتم إسكاتهم ويُحكم عليهم بالسجن بتهمة نشر معلومات كاذبة - مثلما يزعم النظام. ولذلك فقد أدانت لجنةُ حماية الصحفيين مصرَ بصفتها دولة من "أكبر سجَّاني" الصحفيين في العالم. وعلى لائحة حرِّية الصحافة التي نشرتها منظمة "مراسلون بلا حدود" تحتل مصر المرتبة رقم مائة وتسعة وخمسين من أصل مائة وثمانين دولة.