ثائر .. طفل مصري يبلغ اليوم عامه السادس، أو لن يبلغه؛ لأنه مات .! كيف مات ثائر؟ .. لنعرف قصته من البداية.. ولد ثائر لأم مكلومة، كان يمثلُ الخلاص بالنسبة لها من ظلم أكثر من ثلاثين عاما تحت وطأة زوج غير شرعي. وعلى الرغم من عمق نفق محنتها المظلم الذي حفرته له مخالب الفساد ومعاول الإهمال كانت الأم تأمل في شروقٍ أفضل يطل عليها من نافذةِ ثائر. شروقٍ يرعاها فيه أبناء كثر احتوتهم خلال هذه الفترة، منهم من أصبح إماما لمسجد الحي الذي تقطن فيه، ومنهم من صار جنديا بجيش بلادها، أو صار سياسيا كبيرا يشار له بالبنان، بعدما أغدقت عليه من مالها القليل، ومنهم الذي أصبح يملك الكثير من الأموال وله مصانعه ومشروعاته الخاصة، وتحملت عذاباتهم وإخفاقاتهم، وعدم قدرتهم على مواجهة الزوج الأرعن الذي جندهم كلهم لخدمته في إذلالها طوعًا و كرهاً – أو هكذا أقنعت الأم نفسها - ، لكن ما شهدته منهم خلال السنوات الست التي تلت مولد ثائر، ورحيل زوجها، أثبت عكس تنبؤاتها وما كانت تحلم به من حرية وأمان وعدل.!! مات ثائر بعد أن صدمته سيارة كان قائدها "الشاب" الذي أنفقت على تعليمه يسير بسرعة جنونيةٍ في طريق مظلم ملئ بالحفر، بعد أن واجه في الطريق نفسه سيارة أخرى تسير في الاتجاه المعاكس، وبسرعةٍ ربما أكثر جنونًا وتهورًا من سرعته دون إضاءة للتنبيه، يقودها إمام المسجد، وعلى الجانب الآخر دراجة بخارية تحمل فوقها الكثير من البضائع، يقودها شخص يتمايل بشيءٍ من الرعونة، في لجةٍ من عتمة الشارع المسروق التيار الكهربائي، في منطقة مليئة بالراقصين في فرح بلدي، يحرسها ابنها الجندي. مات ثائر وتوقف الفرح والرقص، وتجمع الناس لمعاقبة المسئول عن موت الطفل، ليحكي كل منهم قصةً تبرئه من دم ثائر. . وجه المجتمعون أصابع الاتهام لسائق السيارة المسرعة ابنها "المتعلم"، الذي برر موقفه بضعف الإضاءة، أو انعدامها في الطريق المليء بالحفر:"لماذا لم تقم الحكومة بتسوية الحفر؟، ولماذا لم تقم شركة الكهرباء بإنارة الطريق؟" .. هكذا تساءل. !! أما قائد الدراجة البخارية المحملة بالكثير من الأشياء، فقال: لا ذنب لي، لم أكن أتمايل برغبة مني، وإنما معي حمولة ثقيلة حمّلني إياها صاحب المصنع – ابنها الثري - الذي أعمل لديه، في حين قال عامل شركة الكهرباء إنه لا ذنب للشركة فيم جرى البتة؛ لأن القائمين على الفرح كانوا يسرقون الكهرباء من عامود الإنارة، وأغروه بمبلغ مالي لكي يصمت على فعلتهم، وساعدهم على ذلك الجندي "الحارس"، فانقطعت الكهرباء عن الحي بكامله، فيما أكد شيخ المسجد أنه كان يسرع الخطى للحاق بصفقة انتظرها ثمانين عاما!!، خلطة من العشوائية والاستخفاف والإهمال والفساد، والطمع، انتهت بموت ثائر. برأيكم من السبب في موت ثائر، قائد السيارة الشاب المستهتر؟ أم الشيخ المتسرع للوصول لصفقته؟ أم أصحاب الفرح السارقون، أم العامل المرتشي، أم الجندي المتواطئ، أم صاحب رأس المال الجشع؟!.، كل منا يجيد إلقاء اللوم على الآخرين، ويستعين بالأصدقاء والمناصرين، لإثبات صحة موقفه، والنتيجة، مات ثائر، قبل أن تشهد أمه احتفاله بعيد مولده السادس اليوم 25 يناير.