وسط صراع طاحن دار على مدار الفترة الماضية بين الشركات والصيادلة والحكومة، اشتعلت أزمة أدوية من العيار الثقيل في البلاد، انتهت بشكل جزئي بقرار من وزارة الصحة نهاية الأسبوع الماضي، رفع أسعار ثلاثة آلاف صنف دواء، بزيادة نحو 15% للأدوية المحلية، و20% للأدوية المستوردة. وفي الوقت الذي يرى فيه الصيادلة أن الشركات هي فقط المستفيد من رفع الأسعار، تقف الشركات في موقف الدفاع، من هذا موقف رامز جورج، العضو المنتدب لشركة «لونا»، الذي يرفض التعامل مع منتجي الدواء على أنهم «لصوص» ضبطوا بجريمة رفع الأسعار، رغم أن كل القطاعات طالتها زيادة في الأسعار كما يقول. ويتساءل جورج: «لماذا توجه للشركات الاتهامات بالسعي لتحقيق أرباح دون وجه حق، في وقت لم يتم اتهام قطاعات كالكهرباء والماء والحديد والأسمنت؟»، على أنها أيضًا سلع استراتيجية كالدواء، شهدت ارتفاعًا في الأسعار. ويرى عبدالله محفوظ رئيس شركة «المتحدون» للصناعات الدوائية، من أن المشكلة ليست في الدواء فقط، «كل أسعار السلع ارتفعت، بالإضافة إلى ارتفاع أجور العمالة، إذًا كل مدخلات الصناعة ارتفعت أسعارها»، هكذا قال. على جانب آخر، يُشير محمد عز العرب، مؤسس وحدة الأورام في المعهد القومي للكبد، إلى أنّ المواد الخام ل«كبسولة» الدواء المستوردة من الخارج لا تتكلف سوى 10% فقط من سعر الدواء، متسائلًا: «إذا كان ارتفاع الدولار أثر فقط على نسبة 10% من إنتاج أو استيراد الدواء، لماذا تزيد الأسعار بنسبة 50%؟». ويرصد موقع ساسة بوست 3 أسباب وراء أزمة الدواء فى مصر فيما يلى :- 1- صناعة الدواء في مصر خلال ندوة نظمتها صحيفة «الأهرام الاقتصادي» في نهاية ديسمبر 2016، حذر المشاركون من الاعتماد على الأدوية المستوردة دون إصلاح الخلل في شركات الدواء العامة، لافتين إلى أن حصة هذه الشركات، تقلصت إلى 9% فقط من حجم السوق، في حين ارتفعت حصة الشركات الأجنبية من 49% إلى 60% خلال عشر سنوات، وتستحوذ 30 شركة على 90% من السوق. وأوضح محيى حافظ عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الدواء، ووكيل المجلس التصديري للصناعات الدوائية، أن صناعة الدواء تنقسم إلى: «صناعات ابتكارية، وتخترع المركبات الكيميائية، وموجود منها في مصر نحو 12 شركة حاليًا، بالإضافة إلى صناعة الأدوية المثيلة وهي الغالبة في مصر». وتشير الإحصاءات إلى أن صادرات 154 مصنع دواء لا تتعدى 500 مليون دولار فقط، بينما سبع شركات فقط في الأردن صادراتها تقترب من ملياري دولار، وتبلغ صادرات إسرائيل من الدواء نحو 10 مليارات دولار. وكانت دراسة صادرة عن المركزي للإحصاء، قد رصدت عدة معوقات وتحديات تواجه صناعة الدواء في مصر، أهما تسعير المنتجات الدوائية، والأدوية المغشوشة والمهربة، وعدم وجود مخطط استراتيجي لتطوير الصناعة الدوائية وربطها بالبحث العلمي، والتقدم المتسارع في علوم وتكنولوجيا الدواء عالميًا. 2- شبح الشركات الأجنبية وبعيدًا عن كل هذه الأحداث، تثور حالة من السخط سواء من الخبراء أو الشركات المحلية، حول سطو الشركات الأجنبية التي تستحوذ على النسبة الأكبر من السوق، إذ يسرد محيى حافظ، تاريخ دخول الشركات الأجنبية الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي، قائلًا إن «شركتين فقط كانتا تعملان في مصر في هذا الوقت، وهما شركتا فايزر ونوفارتس أوفارما، ثم جاءت شركة هوكست»، مُوضحًا أن الهدف ممن دخول القطاع الأجنبي هو «نقل التكنولوجيا العلمية الترانسفير، إلا أن ذلك لم يحدث بل اعتمد القطاع الخاص على نفسه وتوسع بشدة بالسوق المصري». وفي 2016 بلغت نسبة الشركات متعددة الجنسيات العاملة في مصر، نحو 60% من 45% قبل عشر سنوات، ووفقًا لحافظ فإنه بالإضافة إلى الشركات الخليجية، فقد يصبح نصيب هذه الشركات من السوق بعد عشر سنوات أخرى ما بين 75% و80%، وهو ما يُعد احتكارًا كاملًا للسوق. وتمارس هذه الشركات أدوارًا غير منوطة بها في السوق المصرية، كإنتاج الأدوية المثيلة، مثلها في ذلك مثل الشركات المصرية، وتطرحه بأسعار مرتفعة، بلا مقارنة مع الأسعار المحلية، وهو ما يُمثل «ظلمًا للشركات المصرية، بخاصة في ظل أزمة ارتفاع تكاليف الإنتاج»، على حد تعبير حافظ. في المقابل، يرى عوض تاج الدين، وزير الصحة الأسبق، أن قياس حجم سوق الدواء يتم وفقًا لمعيارين، الأول هو حجم السوق، والثاني قيمة السوق، مُرجعًا استحواذ الشركات الأجنبية، إلى «ارتفاع القيمة المادية لمبيعاتها، نظرًا لارتفاعها، إلا أنه تبقى السيطرة الفعلية على مبيعات السوق المحلي من نصيب الشركات المحلية»، حسبما قال. 3- خلل التسعير يُعتبر التسعير من أكبر المشكلات التي تواجه سوق الدواء في البلاد، والأكثر غموضًا من حيث طريقة حسابه، يُؤكد على ذلك محيي حافظ، الذي قال: «هناك خلل في أنظمة التسعير»، مُخصصًا ما يُعرف ب«التسعير المرجعي»، وذلك بسبب ما يؤدي إليه من تفاوت في أسعار الدواء بين الشركات، قد يصل إلى 100% و300% فرقًا في الأسعار، وهو «ما يعطي الفرصة لشركات تكبر وشركات أخرى تنهار»، حسب قوله. أحمد زغلول، العضو المنتدب لشركة أكتوبر فارما للأدوية، يُؤكد أيضًا على خطأ في نظام التسعير في مصر: «التسعير موجود في دول العالم، ولكن طريقته في مصر خاطئة»، مُشيرًا إلى أنه «لا يمكن أن يظل السعر دون مراجعة سنويًا، كما أن هناك دولًا تراجع التسعير تبعًا لتغير سعر العملة»، مُحيلًا إلى بند بقرار رقم 499، يُؤكد ضرورة مراجعة الأسعار إذا زاد سعر الدولار بنسبة 15%، «لكن أحدًا لم ينتبه لهذا البند»، وفقًا لزغلول. وعلى النقيض يرى عوض تاج الدين، إن السبب وراء ارتفاع تسعير منتجات الشركات الأجنبية، مقابل تواضع تسعير منتجات الشركات الوطنية، هو أن الأولى تواصل دائمًا تطوير منتجاتها، وتعكف باستمرار على رفع كفاءة وفعالية، وهو ما ينعكس في النهاية على تكلفة المنتج، ومن ثم تسعيره واستحقاقه لسعر أعلى مقارنة بمنتج مماثل تنتجه شركة محلية، على حد قوله. وتطالب غرفة الدواء بتوحيد أسعار المنتج «الجنيس»، بمعنى عدم وجود سعرين مختلفين لمستحضر دوائي واحد، وذلك لعلاج التشوهات السعرية لمنتجات الدواء. إحصاءات هامة بحسب دراسة عن عام 2013 بعنوان «قضايا الرعاية الصحية بالتطبيق على قطاع الدواء في مصر» أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في الثالث من يونيو (حزيران) 2015 فإن في مصر: – 71.8 ألف طبيب بشري (العاملين بمديريات الشؤون الصحية) بمعدل 8.4 أطباء لكل 10 آلاف من السكان. – 25.6 ألف صيدلي بمعدل ثلاثة صيادلة لكل 10 آلاف من السكان. – 13.5 ألف طبيب أسنان بمعدل 1.6 طبيب لكل 10 آلاف من السكان. – 120.9 ألف ممرض، بمعدل 14.1 ممرضًا لكل 10 آلاف من السكان عام 2013. – إجمالي إنفاق الدولة على الصحة 32.7 مليار جنيه عام 2013/ 2014 بنسبة 5.1% من الإنفاق العام. – نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة 377.1 جنيهًا، يمثل 4.7% من نصيب الفرد من الإنفاق العام عام 2013 / 2014. – نسبة الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي الإجمالي 1.4% لعام 2011. – إجمالي شركات الأدوية التي تعمل بمصر بلغ 52 شركة، منها ثماني شركات في القطاع العام، و44 شركة بالقطاع الخاص عام 2013. – إجمالي قيمة إنتاج الدواء 19.3 مليار جنيه، يُمثّل 87% من قيمة الإنتاج في بالقطاع الخاص، و13% من القطاع العام. – 24.3 مليار جنيه زيادة متوقعة في قيمة العجز في الميزان التجاري للأدوية عام 2018، بنسبة زيادة قدرها 123.6% عن عام 2013. – تأتي مصر في المرتبة 51 بين دول العالم، وبنسبة 0.1% من إجمالي صادرات العالم. – تحتل مصر المرتبة 44 بين دول العالم، وبنسبة 0.38% من إجمالي الواردات.