تنتشر في محافظة سوهاج إحدى العادات والتقاليد، التي أصبحت ظاهرة للجميع، وتنتقل من قرية إلى أخرى، وتزداد يومًا بعد يوم، في ظل صمتٍ ديني من قِبل رجال الأزهر والأوقاف، وهي تشييع الأموات ب"المزمار" والطبل البلدي. وتنتشر هذه العادة في القرى دون المدن، وهناك قرى بعينها تحافظ على هذه العادة القديمة التي يرجع تاريخها إلى أكثر من 200 عام، يتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل، وكأنه منهج يُدرسه الآباء للأبناء. ففي قرية بنجا بمركز طهطا، وقرية الصوامعة، وقرية كوم اشقاو والمدمر بمركز طما، وغالبية قرى مركزي المنشاة وجرجا جنوب المحافظة، يقوم الأهالي بتشييع جثامين الموتى بالمزمار والطبل البلدي. وحول السبب وراء قيامهم بتشييع المتوفى بهذه الطريقة أكدوا أن هذه العادة لا تتم إلا مع الموتى من الشيوخ ورجال الدين والمواطنين المشهور عنهم الصلاح في حياتهم. وأضاف الأهالي أنه فور وفاة أحد الشيوخ يتم تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، وسط زغاريد النساء وتهليل المواطنين من أقارب الميت وجيرانه وأهالي قريته، بعدها يتم حمل الميت على الأكتاف من وسط منزله إلى مسجده فمقبرته، ب"الطبل والمزمار" والزغاريد، والتهليل والرقص بالعصي، وهتافات "الله حي"، وإطلاق الأعيرة النارية. فيما تقف النساء في شرفات المنازل ترمي على المشيعين قطع الحلوى والكعك، في حالة من الفرحة والسعادة، ويتبادل الجميع المباركات والتهاني. كما أشاروا إلى أن جثمان المتوفى يأبى أن يغادر إلى المقابر، قبل أن تزفه هذه الفرقة بالطبل البلدي، وأن الجثمان هو الذي يحرك مسيري الجنازة، وليس العكس، في إشارة إلى كرامة هذا الميت. ولم يتوقف الوضع عند هذا الحد، فهناك قرى بعينها لا تكتفي بتشييع الميت بالمزمار والزغاريد فقط، بل يتعدى الأمر إلى قيامهم بتلاوة أبيات شعرية مخصصة يطلق عليها ال"ملظومة" وهي عبارة عن 1000 بيتٍ شعري يحفظها عدد قليل من المواطنين ويرددها من خلفهم بقية المشيعين، ولا يتم دفن الميت إلا بعد الانتهاء من قراءة وترديد هذه "الملظومة" وهم يطوفون جميع بيوت القرية والقرى المجاورة لقرية الميت، وربما يستغرق الأمر، أكثر من 6 ساعاتٍ متصلة. من جانبه، أكد الدكتور منصور عبدالرحمن، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أنها نوع من العادات والتقاليد الواجب الإقلاع عنها، وأن مصيبة الموت تستحق الوقار والتوقير، ولابد من وقفة عاجلة لمنع تمادي وانتشار مثل هذه العادات التي تنتشر كالنار في الهشيم بين المجتمع وفي الحقيقة أنها لا تتسق مع أدبيات الشريعة.