اعتبر مركز «ستراتفور» للدراسات الإستراتيجية والاستخباراتية أن الصراع بين مصر واثيوبيا سيدوم لفترة طويلة فكللا البلدين على خلافٍ في معظم فترات تاريخهما الحديث، وخاصةً فيما يتعلق بمحاولات كل منهما لتأمين المياه من حوض نهر النيل. وأشار المركز إلى أن هذا الصراع ظهر مؤخرًا في المفاوضات التي جرت حول سد النهضة الإثيوبي العظيم، الذي يقع على النيل الأزرق. ويوضّح تاريخ المنافسة على الممر المائي الحرج سياق الديناميات الإقليمية التي ستدوم لفترة طويلة في المستقبل وستخلق المنافسة على تأمين المياه من نهر النيل مشاكل لمصر وأثيوبيا، أكثر ممّا ظهر على مرّ القرون. وقال المركز إن المعاهدات تقع في قلب النزاع الدائر بين مصر وأثيوبيا على نهر النيل. في المقام الأول، لأنّ معظم تلك الاتفاقيات لم تشمل أثيوبيا من بين الموقّعين. وأكد المركز الاستخباراتي أنه برغم التعاون، الذي تضطر إليه مصر كونها لا تملك حلولًا بديلة لإيقاف بناء السدّ، استمرت المخاوف التاريخية بين القاهرةوأديس أبابا مشيرًا الى أنه حتّى الآن، فإن أثيوبيا تواجه اضطرابات داخلية يقودها الاستياء العرقي، وظهرت مرّة أخرى اتهامات بدعم مصر لمقاتلي المعارضة. و قال المركز إن هناك بلدان مثل السعودية قد دخلت على الخط أيضًا، على أمل الاستفادة من سدّ النهضة الإثيوبي العظيم في التأثير على مصر، التي سعت مؤخرًا إلى قدرٍ أكبر من الاستقلال في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، ومقاومة أي محاولات لوضعها تحت تأثير خارجي. وتؤكّد الجغرافيا أنّ المنافسة بين مصر وأثيوبيا سوف تستمر. وراى المركز أنه من وجهة نظر أثيوبيا، تعتمد كل دول الحوض على الموارد المائية. وتحتج أديس أبابا أنّه كان ينبغي دعوتها للاتفاقات الأولية التي حدّدت شروط استخدام المياه. ولأنّه قد تم تهميشها من عملية إدارة النهر، تابعت أثيوبيا بدلًا من ذلك مشاريع التنمية الذاتية مثل سد النهضة الإثيوبي العظيم. ولفت الى أن هذا النوع من المشاريع يمثّل مشكلة كبيرة لمصر، حيث يعدّ النيل هو المصدر الأول للمياه العذبة والري المطلوب للزراعة في البلاد. ولهذا السبب وحده، سيطرت مصر وستستمر في السيطرة على استخدام مياه نهر النيل. وبدون ذلك، لن تبقى مصر على قيد الحياة. وأضاف المركز الاستخباراتي أنه تمّ الوصول إلى أحدث المعاهدات حول إدارة نهر النيل عام 1959، والذي كان بدايةً لتاريخ حديث من علاقات نهر النيل. وقد تمّ توقيع المعاهدة بعد وقت قصير من إعلان استقلال السودان عام 1956 مع صعود «جمال عبد الناصر» لرئاسة مصر. وتضمنّت الاتفاقية الحديث تحديد كمية المياه المستحقّة لكل بلد والمشاريع المشتركة للحدّ من فقدان الماء من التبخّر في قطاعات معينة من النيل، ولكن مرّة أخرى، لم يشمل الاتفاق أثيوبيا. وأوضح أنه بالطبع، لم يكن «عبد الناصر» غافلًا عن مخاوف أثيوبيا أو أهميتها للأمن المائي المصري. وحتّى قبل عهد «عبد الناصر»، حاولت مصر السيطرة على النيل الأزرق أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل مضيفا: أنه وخلال القرن ال 19، حاولت مصر غزو أثيوبيا للسيطرة على هذا الجزء من الحوض. لكنّ القوّات الإثيوبية حرّفت الغزو إلى سواحل ما يعرف اليوم بإريتريا. وحتّى مع فشل الغزو، أبقت مصر على بعض فوّاتها في مدينة مصوع (حاليًا جزء من إريتريا) للحفاظ على الخيارات العسكرية ضد أثيوبيا. وبحلول عام 1956 عندما جاء «عبد الناصر» إلى السلطة، لم يعد للجيش المصري تواجد في أثيوبيا، لأنّ الاحتلال البريطاني كان قد رفع يده عن المنطقة، وفي عام 1952 كانت إريتريا قد دخلت في اتّحاد مع أثيوبيا. وبدلًا من إجبارها عسكريًا، حاول عبد الناصر العمل مع أثيوبيا عبر الدبلوماسية. علاوة على ذلك، كان ل«عبد الناصر» صلات مباشرة مع حكّام أثيوبيا. لكنّ «عبد الناصر»، على الرغم من ذلك، فشل في إقناع إمبراطور أثيوبيا بزيارة مصر. وعلى الرغم من اهتمام أثيوبيا بالتعاون مع مصر فيما يخص القضايا المائية، فإنّ أفكار القومية العربية التي نشرها «عبد الناصر» في البلاد والمنطقة قد وضعت سدًّا أمام تعاون البلدين. فأثيوبيا كانت تعتقد أنّ هذا الفكر خطرًا على الأنظمة الملكية بما فيها نظامها. ولفت المركز إلى أن التوتّرات تجدّدت عام 2011، عندما بدأت أثيوبيا بناء سدّ النهضة الإثيوبي العظيم بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية. وقد شرعت مصر في جولة جديدة من المفاوضات للتأكّد من عدم إضرار السدّ بمصالح مصر المائية. ومنذ ذلك الحين تقدّم بناء السدّ وكذلك العملية الدبلوماسية حوله، بخطىً بطيئة ولكن ثابتة.