يبدو أن الحكومة الحالية اصيبت بحالة من الطمع فى الغباء وأصبح من أهم سماتها الحصرية , والدليل على ذلك الكثير من القرارات التى صدرت خلال الفترة الماضية والتى أدت إلى زيادة الأعباء الملقاة على عاتق المواطنين وحولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق . أقول هذا الكلام بمناسبة القرار الذى أصدره المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، بإعفاء الدواجن المجمدة المستوردة، والتي سيتم استيرادها خلال الفترة 1/11/2016 وحتى 31/5/2017 من الضريبة الجمركية. وقبل أن أتعرض لهذه القضية أشير إلى أننى ليس لى من مصلحة من قريب أو بعيد فيها , وقررت الكتابة عنها انطلاقاً من الأهمية الكبرى لصناعة الدواجن التى لا يعلم الكثيرون عنها شيئاً . وفى هذا السياق أشير إلى أن هذه الصناعة يعمل بها أكثر من 3 ملايين مواطن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ويبلغ إجمالى الإستثمارات فيها أكثر من 40 مليار جنيه معظمها استثمارات عربية مملوكة لرجال أعمال من دول الخليج وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية والكويت . من ناحية آخرى نشير إلى أن عمليات الإستيراد من الخارج تعد كارثة بكل المقاييس على الصناعة والعاملين فيها .. وهنا أسجل إعتراضى وتحفظى على التصريحات الحكومية التى يعلن فيها المسئولون أنهم يستهدفون تخفيض الأسعار وتحقيق صالح محدودى الدخل لأنها كلمة حق يراد بها باطل .. والدليل على ذلك أن هذه المنتجات المستوردة لا تصل إلى المستهلك الغلبان لأن الغالبية العظمى من الكميات المستوردة عن طريق الجهات الحكومية يتم بيعها للمطاعم والفنادق ومحلات وشركات تصنيع اللحوم والدواجن لتصل فى النهاية للمستهلك المصرى بأسعار مرتفعة رغم تحمل الدولة لمئات الملايين من الدولارات فى عمليات الإستيراد .. وهنا أشير أيضاً إلى أن عدد كبير من المحلات تقوم بما يسمى بعملية (التسييح ) للدواجن المستوردة وتباع بعد ذلك للمستهلك على أنها طازجة . على الجانب الآخر , كنت أتمنى أن تكون لدى الحكومة قبل إصدار القرار الأخير المشار اليه رؤية شاملة وكاملة فيما يتعلق بكثرة الأعباء التى يواجهها الصناع والمنتجون ومنها زيادة نسبة الجمارك على أدوات ومعدات الإنتاج المستوردة ومنها فرض جمارك بنسبة 60 % على معدات التبريد والتكييف و20 % لمعدات التفريخ و15 % لخطوط الأعلاف , وبعد أن يتحمل المنتج كل هذه الأعباء يواجه أزمات ومشاكل آخرى منها قيام المنتج بدفع ضريبة مبيعات وفواتير كهرباء جزافية ومرتبات وعلاوات واجبة الدفع للعاملين لمواجهة الأعباء المعيشية .. فكيف سيستطيع هذا القطاع الذى كان يساهم فى التصدير للخارج حتى عام 2006 مواجهة كل هذه الأزمات وسط هذه الظروف الصعبة غير المسبوقة . وهنا أشير إلى بعض مما جاء فى مذكرات رسمية تقدمت بها الجهات المعنية بصناعة الدواجن ومنها الإتحاد المصرى لمنتجى الدواجن وغرفة الثروة الداجنة لرئاسة مجلس الوزراء وكافة الوزارات والجهات الرسمية وكذلك مجلس النواب , والتى كشفت أن دعم الحكومة للصناعة المستوردة على حساب الصناعة المحلية غير مقبول، حيث أنه ليس هناك سبب يوضح قرار الحكومة بدعم المستورد على حساب المحلي . وكشفت المذكرات أن "الصناعة المحلية صناعة جيدة وأسعارها مناسبة للجميع، ولا تحتاج إلى إلغاء الجمارك على المستورد؛ لأنه سيؤثر على الصناعة بالسلب". وقد لا يعلم الكثيرون أن من بين الكوارث التى تقوم بها الحكومة الحالية أن هناك شركات تابعة لجهات رسمية تقوم بإستيراد هذه الدواجن المجمدة بدون أن تدفع مليما واحداً لمصلحة الجمارك مقابل الإستيراد, وهو ما يعنى أن الحكومة تحارب الصناعة الوطنية لحساب هذه المافيا من المستوردين حيث أن الشركات المحلية تدفع للجمارك مبالغ طائلة مقابل استيراد مستلزمات صناعة الدواجن علاوة على رفع الحكومة لأسعار الوقود والكهرباء والغاز والضرائب وغيرها وهو ما تعفى منها الشركات المستوردة وكأن الحكومة تنفذ مخططا لهدم إحدى الصناعات الوطنية المهمة لحساب هذه المافيا . وهنا نقول إن الحكومة لو قدمت تسهيلات لأصحاب المزارع والمستثمرين المصريين ومنها الغاء أو تخفيض الجمارك على مستلزمات وأعلاف ولقاحات الدواجن المستوردة للمصانع والمزارع الوطنية لقاموا بتوفير منتجات غذائية مضمونة من الدواجن وبأسعار تقل عن المستورد وبذلك يتم ضرب عدة عصافير بحجر واحد، حيث أنها لو فعلت ذلك فسوف يتم انقاذ تلك الإستثمارات ولتم جذب المزيد منها إلى جانب حماية ملايين العاملين فى هذه الصناعة من التشرد علاوة على تقديم منتج غذائى مضمون للمواطن المصرى وأيضا المساهمة فى عودة هذه الصناعة للتصدير مثلما كان الحال حتى عام 2006 وبذلك يمكن أن تقوم هذه الصناعة بجلب عملات صعبة لمصر . وأخيرا نسأل : هل يعيد المهندس شريف اسماعيل رئيس الوزراء النظر فى هذا القرار الذى تؤكد كل الوقائع أنه كارثة بكل المقاييس؟ وهل يطبق ما سبق أن أعلنه منذ أيام فى تصريحات منشورة له أنه لا يمانع من الغاء أى قرار اذا ثبت له أنه كان خاطئاً ؟ ومتى تصدر القرارات بعد دراسة كل أبعادها الإيجابية والسلبية حتى لا تتعرض مصر لكوارث لا يعلم مداها إلا الله ويدفع ثمنها الملايين من المصريين ؟ .