الذي يتابع الحراك الحزبي داخل إسرائيل عشية الانتخابات التشريعية التي ستجرى في مارس المقبل، لا بد أن يلفت نظره تنافس الأحزاب الإسرائيلية على استقطاب أكثر جنرالات جيش الاحتلال وقادة مخابرات الدولة العبرية إمعانا في قتل الفلسطينيين وقمعهم. وكلما اشتهر هذا الجنرال أو ذاك لدى الجمهور الإسرائيلي بسجله الطويل في قمع الفلسطينيين، كلما ضاعفت الأحزاب المختلفة من جهودها لمحاولة استقطابه وإقناعه بالانضمام لقائمة مرشحيها للانتخابات. ويعتبر كل حزب أن أحد أهم العوامل التي تغري الناخب الإسرائيلي بالتصويت لقائمته، هو تضمين هذه القائمة جنرالات جيش وقادة مخابرات اشتهروا بشكل خاص في مجال قمع الفلسطينيين والعدوان على الأمة العربية. ولا يتوقف هذا الحرص على أحزاب اليمين العلماني واليمين الديني، بل يتعداه لأحزاب الوسط واليسار. ويعتبر حزب شارون الجديد الذي أطلق عليه " للأمام " هو أكثر الأحزاب التي حاولت استقطاب الجنرالات المرتبطين بقمع الشعب الفلسطيني بشكل خاص، بل إن شارون لا يفوت كل مناسبة، إلا ويؤكد أنه قام بضم هؤلاء الجنرالات لحزبه بسبب الانطباع " الجيد " الذي تركوه لدى الجمهور الإسرائيلي لما قاموا به من جرائم ضد الشعب الفلسطيني. وقد خرج شارون عن طوره من أجل دفع افي ديختر الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية المعروف ب " الشاباك " للانضمام لحزبه. وغني عن القول أنه لا يوجد في الدولة العبرية شخص ارتبط اسمه بجرائم القمع ضد الشعب الفلسطيني أكثر من ديختر، سيما خلال انتفاضة الأقصى. فديختر لا يفوت فرصة دون التباهي بما يعتبره أهم " انجازاته " وهي تكريس عمليات الاغتيال لتكون أهم مركب في الجهد الأمني الصهيوني في مواجهة حركات المقاومة. بل إن ديختر يحرص على تذكير كل من يستمع إليه بدوره في تطوير الوسائل المعتمدة في تنفيذ عمليات الاغتيال، سيما توظيف الطائرات بدون طيار في تنفيذ عمليات الاغتيال. ليس هذا فحسب، بل إن ديختر لا يتردد في الاعتراف بأنه يتلذذ في رؤية الأطفال الفلسطينيين وهم يعانون من القمع الإسرائيلي. وقد " طمأن " شارون " جمهوره إلى أن ديختر هذا سيكون وزير الدفاع في الحكومة التي سيشكلها بعد الانتخابات. وحسب استطلاعات الرأي ذات الدلالة في عكس توجهات المجتمع الإسرائيلي، فإن ديختر هو الأكثر شعبية في أوساط مؤيدي حزب شارون الجديد. والى جانب ديختر انضم لحزب شارون جدعون عيزرا النائب الأسبق لرئيس " الشاباك "، والذي يطلق عليه في إسرائيل " رئيس محكمة العالم السفلي "، بسبب ارتباطه بعمليات الإعدام الميداني التي قامت بها المخابرات الإسرائيلية ضد نشطاء حركات المقاومة الفلسطينية بعد وقوعهم في الأسر. وعيزرا هو الذي نادى بقتل ذوي منفذي العمليات الاستشهادية على اعتبار أن هذا عامل ردع يمكن أن يساهم في وقف العمليات الاستشهادية. وأخيراً انضم للحزب وزير الحرب شاؤول موفاز الذي يؤكد للجمهور الإسرائيلي أنه بإمكانه أن يركن إليه في " تأديب " الفلسطينيين والعرب. والى جانب كل من ديختر عيزرا وموفاز، هناك العديد من الجنرالات الذين سطروا سجلاً طويلاً من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية. وهنا علينا أن نذكر أن جميع استطلاعات الرأي العام في الدولة العبرية تؤكد أن ثقة الجمهور الإسرائيلي بشارون لإدارة دفة الأمور، ترجع بشكل أساسي إلى ارتباط شارون شخصياً بعدد كبير من الجرائم ضد العرب والفلسطينيين. في المقابل يتباهى حزب الليكود الذي انشق عنه شارون بأن عدداً من قادته، هم من الجنرالات ذوي الباع الأطول في ارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني. ولعل أبرز مجرمي الحرب هؤلاء هو الجنرال ايهود ياتوم، الذي كان من قادة جهاز " الشاباك "، ويتباهى ياتوم في كل مقابلة صحافية أنه قام في العام 1981 بتحطيم جمجمتي مقاومين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد إلقاء القبض عليهم واستسلامهم له. ولا يتوقف ياتوم عن التنظير لطريقته هذه في محاربته المقاومة الفلسطينية ، دون أدنى اعتبار للقانون الدولي الذي يحرم قتل الأسرى بعد استسلامهم. وما ينطبق على حزب شارون والليكود ينطبق على حزب العمل " اليساري " الذي يحاول زعيمه الجديد عمير بيريتس التخلص من صورة " اليساري " التي علقت به، ويشدد في كل مناسبة على أن التجربة دلت أن حكومات اليسار في إسرائيل هي الأكثر قدرة على محاربة المقاومة الفلسطينية والقضاء عليها. من هنا نجد أن بيريتس يتباهى أن إلى جانبه في قيادة حزب العمل الجنرال داني ياتوم ( شقيق ايهود ياتوم )، وهو الرئيس الأسبق جهاز " الموساد "، الذي في عهده تمت محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العام 1997، إلى جانب المئات من الجرائم التي قام بها " الموساد "، مع العلم أن داني ياتوم كان يشغل قبل ترؤسه " الموساد " منصب قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال. وبحكم موقعه هذا قام ياتوم في العام 1994 بالرد على مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي نفذها المجرم باروخ جولدشتاين وراح ضحيتها 29 فلسطينياً أثناء أدائهم صلاة الفجر في الحرم، بسجن عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين في المدينة في منازلهم لأكثر من أربعين يوماً، في حين ترك سوائب المستوطنين يعيثون فسادا في شوارعها، وكأنه يكافئهم على المجزرة. لكن أكثر ما يفخر بيريتس بانتسابه لحزب العمل هو الجنرال عامي ايالون، أحد رؤساء جهاز "الشاباك " السابقين، وقائد سابق لسلاح البحرية، الذي اعترف مؤخراً بأنه شخصياً قتل من العرب والفلسطينيين أكثر مما قتلت حركة حماس من اليهود. وإلى جانب كل من ياتوم وايالون هناك الجنرالان بنيامين بن اليعاز وافرايم سنيه اللذين تعاقبا على قيادة قوات الاحتلال في الضفة الغربية، وهما يتباهيان بأنهما كانا صاحبا الدور الأكبر في تدمير بيوت المواطنين الفلسطينيين، ويقران أنهما كانا يتواطآن مع المستوطنين في مصادرة أراضي الفلسطينيين لبناء المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية. إن الجهود التي تبذلها الأحزاب الإسرائيلية في سعيها لاستقطاب جنرالات الجيش وكبار قادة المخابرات الذين اشتهروا دون غيرهم بدورهم في عمليات القمع له ما يبرره بالنسبة للساسة في إسرائيل. وهذا التوجه ليس نابعا فقط من عملية " عسكرة " السياسية الإسرائيلية المتواصلة منذ قيام الدولة العبرية، بل أيضاً بسبب إدراك هذه الأحزاب للتوجهات المتطرفة والعنصرية للجمهور الإسرائيلي تجاه العرب والفلسطينيين.فالناخب الإسرائيلي يثق بمثل هؤلاء الجنرالات لأن لهم باعا طويلا في الجرائم والإرهاب ، لذلك لم يكن مفاجئاً أن يحرص ايهود براك عندما تنافس في العام 1999 على رئاسة الوزراء أمام بنيامين نتنياهو على تذكير الناخب الإسرائيلي بالفرق بينه وبين نتنياهو. فقد قال براك حينها " لقد كنت أشعر بالسعادة عندما كان يتطاير بياض عيون الفلسطينيين والعرب الذين كنت أقوم باغتيالهم عبر تسديد رصاصة في الرأس ". إن تهافت الأحزاب الصهيونية على اجتذاب " نجوم ومقاولي" عمليات القمع يكشف الوجه الآخر لهذه الدولة وهذا المجتمع القائم على العدوان والجرائم. المصدر : الاسلام اليوم