شيء خطير... ويدعو فعلا للخوف على النفس... ويوجب الوقوف عنده والتأمل... قبل فوات الأوان...
إنه لن ينتفع أحد - أي أحد - بالآيات الواضحات والعظات البينات إلا بتحقيق شرط واضح وقاطع... ذكرته هذه الآية الكريمة محور مقالنا هذا؛ وهي الآية 13 من سورة (غافر)...
إنه وبلا محاباة أو مجاملة؛ (ما يتذكر إلا من ينيب).
قضاء محكم من رب العالمين... لن ينتفع بآيات الله التي يرينا لنتذكر ونفيق ونعقل ونبصر و... و... إلا من ينيب...
إي والله.. إلا من ينيب...
وما دام الأمر بهذه الخطورة... وتلك الأهمية؛ فلابد على الحازم اللبيب أن يبحث عن معنى (ينيب) في قوله: (... وما يتذكر إلا من ينيب)... ليحقق هذا الشرط.
فما معنى لفظ (ينيب) محور الكلام ومربط الفرس؟!...
ببساطة... (ينيب) يعني: يرجع ويؤوب ويتوب... نعم بكل بساطة... وبلا غموض ولا لف ولا دوران...
وانتبه رعاك الله؛ فقد جاء اللفظ بصيغة (المضارع)... فجاء اللفظ (ينيب) ليوصل لك ضمنا أن استمر بالفعل كاستمرار (المضارع)... فلفظ يأكل فعل مضارع يفيد حدوث الأكل زمن التكلم واستمرار الأكل بعد التكلم، وإلا لو توقف الأكل لصار فعل (ماض) وليس (مضارع)...
كذلك لفظ (ينيب) حدث زمن التكلم ومستمر بعد التكلم...
فتب واستمر في التوبة... وارجع لربك واستمر في ذلك الرجوع... وعد لربك واستمر في العودة... كل حين...
وأرجو أن تلاحظ أسلوب الحصر والنفي في الآية الكريمة؛ فإننا نقول في كلامنا: ما أكلت إلا برتقالة... فيفهم السامع انتفاء كل الأكل إلا برتقالة... ونقول: ما ينجح إلا من يذاكر... فيفهم السامع انتفاء النجاح إلا لمن يذاكر... وهكذا... كذلك هنا؛ (ما يتذكر إلا من ينيب)... يعني ما يتعظ وينتفع إلا من ينيب...
وألفت نظرك الكريم لنقطة لطيفة ودقيقة، أرجو أن تكون محل اهتمامك وموضع تأملك وفكرك؛ هذه اللطيفة هي استعمال النص الكريم للفظ (ينيب) وليس: يتوب أو يعود أو يرجع... لماذا؟... لأن الإنابة تعني الرجوع والتوبة والعودة لكن بخشوع وتواضع وندم وتأسف... وليس بكبر أو ببطر أو بغفلة...
ولذلك بين الله تعالى في موطن آخر من كتابه العزيز من سورة الأعراف إنه لن ينتفع بآيات الله أي أحد... وزجر وكره وبغض إلينا صفة الكبر...
فقال جل شأنه: ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق)...
ليس هذا فحسب... بل: ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) و (إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) و (إن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا)...
نعوذ بالله... نعوذ بالله... رحماك يا رب رحماك...
فاجعلنا اللهم ممن ينيبون... فإنه (... ما يتذكر إلا من ينيب)...
ومن جمال القرآن وكمال بيانه أنه يضع الدواء لكل داء... فأحسن دواء يجلب الإنابة ويجعلك تنيب بسهولة ويسر... هو ما ذكره الله جل شأنه في الآية بعدها الآية 14 من سورة (غافر)...
فقال جل شأنه: (فادعوا الله مخلصين...)...
الدعاء بإخلاص يجلب الإنابة التي هي سبب التذكر والانتفاع بآيات الله... سواء المقروءة أو المنظورة في الكون...
فارزقنا اللهم دعاك في كل وقت وحين... وارزقنا الإنابة... وارزقنا الانتفاع والتذكر بآياتك...
ولا تستغرب ولا تتعجب... عندما ترى بعض الناس لا يفيقون من غفلتهم ولا يرجعون عن ضلالتهم... ولا يرون الآيات الواضحات والدلائل القاطعات... ببساطة منعهم الكبر وعدم الإنابة والرجوع للحق... فأنه لا يتذكر إلا من ينيب...
ولأمر ما، ولسر عظيم أن تسبق الإنابة الدخول في الإسلام... اسمع بقلبك قول ربك: (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له...).
فاجعلنا اللهم ممن ينيبون إليك...
آمين.
Rabie Al-Zawawi General Manager Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.