فجر وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، على عكس التوقعات بفوز منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، زلزالاً كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط، وسط ردود فعل متباينة حيال انتصاره المفاجئ، وخاصة على ضوء مواقفه تجاه العديد من الأنظمة الحاكمة بالمنطقة. وكانت أغلب الدول العربية، وعلى رأسها دول الخليج تمني النفس بفوز كلينتون، فيما كانت السلطة الحالية وأذرعها الإعلامية تتوق لفوز ترامب؛ في ظل نظرتها إلى المرشحة الديمقراطية بأنها ترتبط بصلات قوية بجماعة "الإخوان"، وتيار الإسلام السياسي، وكانت داعمًا قويًا لثورات "الربيع العربي". وأثار تهليل الأذرع الإعلامية للسلطة لوصول ترامب إلى البيت الأبيض، وحديثها عن وجود كيمياء بينه والرئيس عبدالفتاح السيسى، وتحالفهما المرجح ضد الإرهاب، وإعلان جماعة "الإخوان" منظمة "إرهابية"؛ تساؤلات حول ما إذا كانت ستشهد علاقات ترامب والسيسى شهر عسل جديدًا؟، وهل يتقيد "ترامب" بالوعود والاستحقاقات التي قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية، حول مصر ودول المنطقة. وتتعدد الأسئلة حول مدى مضي "ترامب" في تنفيذ طروحاته بالمنطقة، ومنها التصعيد ضد الإخوان، وابتزاز بلدان الخليج ماليًا؛ خاصة بعد إقرار الأغلبية الجمهورية، لقانون العدالة مع رعاة الإرهاب "جاستا"، فضلًا عن عدم الالتزام بالاتفاق النووي التي توصلت إليه إدارة الرئيس المنتهية ولاياته، باراك أوباما مع إيران. فضلاً عن تعهد ترامب بوضع قيود على دخول المسلمين الأراضي الأمريكية، وإقامة سور مع المكسيك لمنع المهاجرين، وهي مواقف حاول تقديم مؤشرات على عدم الالتزام بها خلال خطاب الفوز الذي ألقاه وسط أنصاره، حيث تبني لغة مختلفة، وتحدث عن تدشين شراكة مع حلفاء واشنطن بعيدًا عن المواجهة والتصعيد. وذكرت تقارير صحفية، أن الرئيس الأمريكي المنتخب لبى دعوة الرئيس السيسى لزيارة القاهرة في مايو القادم، في أول جولة خارجية له، في الوقت الذي استبعد فيه مراقبون ذلك، مع انشغاله بإعادة ترتيب الأوضاع داخل البيت الأبيض. وقال الدكتور حازم حسني، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إن ترامب سينشغل بترتيب البيت الأبيض من الداخل، وتحديد سبل التعاطي مع ملفات أهم، مثل إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة العالمية والبيئة، والانبعاث الحراري، والعلاقات مع القارة الأوروبية، التي أبدى زعماؤها قلقًا كبيرًا حيال مستقبل علاقاتهم مع الولاياتالمتحدة. وبدا حسني مندهشًا من الضجة التي أشعلها من سماهم ب "بهاليل النظام" حول وصول ترامب للبيت الأبيض، في ظل مواقفه الإعلامية المعادية للإسلام السياسي، وحديثه عن أولوية مكافحة الإرهاب في سياسات حكومته، وفي مقدمتها "داعش"، متجاهلين أن النظام المصري – بحسب رأيه – "لا يتمتع بإمكانات تجعله قادرًا على الاستفادة من مواقف "ترامب" الانتخابية، والمرجح أن تدخل عليها تعديلات جذرية، فالرئيس في المنظومة الأمريكية رغم أهميته ورمزيته يبقي أحد أذرع صنع القرار". وشكك حسني، في إمكانية أن يستطيع "ترامب" الالتزام بما قطعه على نفسه خلال الحملة الانتخابية؛ خاصة فيما يتعلق بدول الخليج العربي وإيران، فهو سيسعى لاستخدام سلاح الضغوط لانتزاع تنازلات اقتصادية ومالية من دول الخليج، ونفس الأمر مع إيران، حيث سيعمل على إلزامها بما قطعته على نفسها من وعود خلال الاتفاق النووي، وليس إلغاء الاتفاق، رغم اعتقادي، والكلام مازال لحسني، أن سياسات "ترامب" ستجعل المنطقة في عين العاصفة. جماعة الإخوان من جانبها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه فوز ترامب، إذ شرعت شخصيات نافذة داخل التنظيم الدولي في فتح خطوط مع الرئيس المنتخب، واستغلال الثقل الإخواني داخل الولاياتالمتحدة؛ للتخفيف من حدة موقفه تجاه الجماعة، وفتح حوار بينها وبين الحزب الجمهوري. في الوقت الذي ذكرت فيه مصادر عن تدشين الجماعة لحملة مضادة ضد وليد فارس، مستشار ترامب لشئون الشرق الأوسط، عبر التركيز على دوره "الإجرامي" في الحرب الأهلية في لبنان، والحد من نفوذه المعادي تجاه الإسلام السياسي. العاصفة التي يهدد "ترامب" بإشعالها في المنطقة، وحديثه عن الكويت والسعودية تحديدًا، وضرورة التزامها بدفع مئات المليارات مقابل حصولها على الحماية يثير تخوفات بين من دول الخليج. إذ تخشى من أن يدعم تغيير الأنظمة المستقرة في المنطقة منذ عقود؛ بشكل يدفع الأخيرة إما للعمل بشكل متحفظ معه، أو توظيف أدواتها في الداخل الأمريكي؛ لتحسين العلاقة معه، في ظل مخاوف من دعمه لسيناريو "الفوضى الخلاقة"، الذي أقرته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس. إلا أن الثابت في الأمر بحسب مراقبين، أن إنهاء الثورة السورية بشكل يصب في صالح روسيا، ونظام بشار الأسد، سيكون الضربة الأولى ل"ترامب" في المنطقة، فالقضاء على "داعش" و"النصرة" سيشكل أولوية لدى الرئيس المنتخب عن إسقاط الأسد، الذي يعد بحسب الكثيرين أبرز الرابحين من فوزه ومعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهو أمر قد ينطبق على مصر، إذ سارت الأمور في مسارها المرجح حال تبني الكونجرس قرارًا باعتبار جماعة الإخوان "إرهابية". غير أن الدكتور سعيد اللاوندي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب "الأهرام"، أعرب عن توقعه بأن "ترامب لن يجري تغييرات دراماتيكية حول الأوضاع في المنطقة، بل على العكس قد يتبنى سياسة مغايرة للسياسة التي اتبعها أوباما، والتي أشعلت النيران في المنطقة، حيث حولها لسوق للسلاح لا أكثر". وأكد اللاوندي، أن "تصريحات ترامب لا معنى لها؛ لأن الحملة الانتخابية كانت تحتاج إلى صفات معينة، ولكن الرجل سيكون واقعيًا، ويعامل الشرق الأوسط بإيجابية، إذ سيمد يده لتغيير الأوضاع داخل الشرق الأوسط، وعلينا أن نمد يدنا أيضًا". ولم يستبعد أن يشن "ترامب" حربًا شرسة على الإرهاب، ويشرع في حل الأزمة السورية، والتقارب مع مصر، غير أن الأمر سيبقى غامضًا بالنسبة لموقفه من جماعة الإخوان وإيران والسعودية، حيث لن ينحاز لطرف دون طرف، بل ستكون المصلحة الأمريكية هي المعيار الدولي لتحديد السياسات، وليس الطروح الانتخابية.