لئن صَلُحت الفهلوة وقهر المواطنين وإبعاد أهل الخبرة لصالح أهل الثقة، لئن صَلُحت هذه الآفة في أي مجال أو حتى (جدلا) في كل مجال.. فهي لا تصلح أبدا في المجال الاقتصادي؛ لأن الاقتصاد هو البوصلة التي تحكم استقرار الدول وبالتالي تقدمها أو تخلفها، بل وربما بقاؤها!. فالاقتصاد له خبراؤه وعلماؤه.. وقد توافق العالم كله- بعد تجارب وإحباطات وانهيارات ونجاحات كثيرة- توافق على تسليم الشئون الاقتصادية لأهل الذكر، وأن يعطوا الخبز للخباز كما يقول المثل الشعبي. ولا يصلح بالطبع أن تبدأ أية دولة من الصفر، وتتعرض لما تعرض له غيرها من أزمات اقتصادية لكي تتعلم وتجرِّب في مواطنيها إلى أن تصل إلى الاستقرار الاقتصادي.. فلقد مَنَّ الله تعالى على الإنسان بنعمة الذاكرة والعقل؛ لكي يبدأ من حيث انتهى الآخرون. وإذا اتفقنا على ذلك فلا مفر من الاعتراف بحتمية استبعاد أسلوب الفهلوة والعبث في اقتصاد الوطن؛ وسحب الملف الاقتصادي بالكامل من الهواة والمجرِّبين أو المتدربين فينا وتسليمه لأهل الذكر، أهل الخبرة والعلم. إن الأوضاع الاقتصادية في مصر الآن توحي بغياب الدولة!؛ وكل الناس يتساءلون: ما هذه الغيبوبة الحكومية أمام انفلات الأسعار؟!.. هل نحن مقبلون على مجاعة والعياذ بالله؟!. ليس من الطبيعي أن تتضاعف أسعار كل السلع فجأة، وفي وقت واحد، دون داع ودون خطة حكومية للتحكم في العلاقة بين الأسعار وبين دخول المواطنين، بل إن الكارثة وصلت إلى زيادات يومية وعلى مدار الساعة.. مع حرية غريبة للتجار في فرض زيادات غير معقولة دون رادع!. إن ما نلاحظه هذه الأيام وكأن هناك من يمسك بسكين ويصر على إمرارها على رقاب كل المصريين.. وهذه ليست مبالغة لأن المعادلة صارت مقلوبة: فالدخول تنخفض بانتظام والأسعار والالتزامات ترتفع بجنون. ولو أن الأمور طبيعية وتخضع لقانون العرض والطلب لقلنا إن ما يحدث قضاء وقدر نصبر عليه.. ولكن عندما تُصطنع الأزمات عمدا فإن هذا يدل على فشل ذريع وخيبة حكومية تتطلب إزاحة هذه الحكومة؛ سواء كانت الأزمات من صنعها أو نتيجة فشلها وخيبتها. ولنضرب مثالا بسلعة مثل السكر: المعروف عادة أن الأزمات تأتي نتيجة ظروف طارئة وخارجة عن إرادتنا.. فهل حدثت مثلا كارثة لمحصول قصب السكر أدت إلى وقف أو تقليل الإنتاج؟.. هل أضرب عمال مصانع السكر وتوقف الإنتاج؟.. هل فُرض على مصر حصار مفاجئ وتوقف تصدير السكر لها؟.. هل حدث فجأة ما يُفرح المصريين فاندفعوا للاحتفال والفرح الجماعي باستهلاك غير مسبوق للحلويات؟.. هل زاد عدد المصريين فجأة إلى الضعف فتزايد استهلاك السكر؟!. لم يحدث شيء من ذلك بالطبع؛ فمن الذي صنع هذه الأزمة (وغيرها)، ولماذا؟!!.. وقس على ذلك الدولار وكل الأزمات المصطنعة؛ فإما أن هناك مِن (الواصلين) مَن يعبثون بحرية في قوت العباد لتسهيل الاحتكار وتحقيق الأرباح الحرام.. وإما أنها خطة مقصودة لتمرير زيادة الأسعار دون أن يفهم الضحايا من المصريين المساكين. لقد ترتب على هذا العبث الاقتصادي تغير كبير في سلوك وأخلاق المواطنين، لأن عدم الشعور بالأمان والخوف من عدم القدرة على تحقيق متطلبات الأسرة يصيب الناس بالقلق وينسيهم قيم التراحم والعطف والإيثار التي تميز بها المصريون على مر التاريخ. فالهدف الآن هو الحصول على المال بأي أسلوب، حتى وإن كان أسلوبا حقيرا. وأذكر حَدَثَيْن على سبيل المثال، حدثا معي شخصيا: فقد ذهبت لشراء أسلاك كهرباء من مدينة العاشر من رمضان، وبعد الاتفاق على الثمن وتحرير الفاتورة، والبدء في عد المبلغ؛ استقبل صاحب المحل اتصالا هاتفيا أخبره بزيادة الأسعار.. والمفروض أن الزيادة الطارئة تكون للسلع التي سوف تورّد لاحقا وليس لتلك المخزونة عنده والتي اشتراها بأسعار أقل بطبيعة الحال، ولكنه فاجأني بالقول إن الأسعار تغيرت، وأنه لن يبيع إلا بالسعر الجديد!. وفي مدينة الزقازيق ذهبت إلى أكبر تاجر فاكهة وسألت عن ثمن كيلو البلح، فقال 25 جنيه.. وبعد أن تسوقت وذهبت للوزن فوجئت به يغير سعر البلح إلى 35 جنيه!، ولم يطلب ذلك بالذوق أو بالاعتذار عن خطأ مثلا ولكنه صاح كالمجنون (هي دي أسعارنا.. انتوا مش حاسين بالمصيبة اللي في البلد.. اللي مش عاجبه يغور في داهية)!. انتبهوا أيها المصريون.. مصر في خطر. همسة: الانتخابات الأمريكية: يجيد الأمريكان والصهاينة فنون الخداع والتنكر وتوزيع الأدوار, وعيونهم جميعًا مُصوَّبة علي رقاب المسلمين وكيف يقومون بعملية الذبح?.. هل بسكين حادة وعلي مرأي ومسمع من الضحية, أم بالتخدير قبل الذبح تجنبًا للمقاومة?. وللأسف الشديد فإن الحكومات العربية تلدغ من الجحر الواحد مئات المرات دون أن يفيقوا أو يعتبروا. فمنذ أن بدأت التسوية المهينة مع العدو الصهيوني وهم يستغلون جيدًا مسرحية الانتخابات- في كل من أمريكا والكيان الصهيوني- في العبث بعقول السذج منا.. إذ يقدمون لنا تارة ثعبانًا مثل (رابين وبيريز وباراك...) و(بوش وأوباما...) حيث يتحدث كلامًا ناعمًا معسولاً ويوزع الابتسامات والمصافحات وهو يخبئ السكين وراء ظهره ويجيد القتل دون ضجيج.. وتارة أخري يقدمون كلبًا كثيرًا النباح والعض مثل (نتنياهو وشارون) وأخيرا (السفاح المتعصب ترَمب), كلما تأزم الموقف ورفض الطرف العربي التفريط الكامل الذي يريده الصهاينة.. وكأنهم يطبقون معنا المثل الشعبي «لا يدرك قدر أمًّه إلا من رأي زوجة أبيه». ففي الانتخابات الأمريكية, وبعد أن شبع أوباما وحزبه نباحًا وعضًا في الحكومات العربية، وأحرجهم جميعًا وهم عاجزون عن التصرف أو الرد.. جاءت الانتخابات ليرتمي المساكين في أحضان الثعبانة (الحية) هِلاري كلنتون هربًا من نباح ترَمب.. ويدْعون لها بالنجاح!، ولكن الله سلم وفاز الصليبي المتعصب ترَمب لكي ينتبه المسلمون ويعلموا أن الاستقلال الحقيقي هو السبيل الوحيد للبقاء كأمة واحدة عزيزة لها شخصيتها. فالتعامل مع الكفار أفضل بكثير من التعامل مع المنافقين. فهل يخضع العرب ويستسلموا لهذا المتعصب الأحمق أم يردون عليه بالأسلوب نفسه.. ويهددوا (على الأقل) بمنع الأمريكيين من دخول بلادنا (بالمثل)؟!. ألم نقل قبل ذلك: ويل للعرب من ذل قد اقترب؟!!.. ألم نقل (إن الانحناء يغري بالامتطاء؟!). عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.