لا نسمع تقريبًا عن أصوات نقدية أو أدبية داخل الفضاء الإسلامى، تناظر الأصوات العلمانية الأكثر صخبًا فى العالم العربى، ولا ندرى ما إذا كان هذا الغياب يرجع إلى "الحصار" الذى يضربه العلمانيون على كل ما هو إسلامى، أم لعزوف الإسلاميين عن هذا الفن وترك الساحة خالية لغيرهم؟! صحيح أن النخبة الثقافية العلمانية مهيمنة على كل قنوات وأوعية صناعة النجوم فى العالم العربى، ولا تنقل إلى دائرة الضوء إلا كل من كان نبتا صادرًا من بيئتها وثقافتها ورؤيتها للدين وللحياة، إلا أن تعليق غياب الإسلاميين إبداعيا عن المشهد الثقافى العربى، على "مشجب" الاضطهاد العلمانى، يظل تفسيرًا مبالغًا فيه، ويحمل مسوغات غير منصفة وغير عادلة فى تقدير الأسباب التى أدت إلى "تخلف" التيار الإسلامى عن نظيره العلمانى فى ذلك الشأن. حتى الآن لا توجد اختبارات حقيقية يمكن من خلالها استجلاء وزن الإسلاميين فى الفضاء الإبداعى العربى، وحتى إذا افترضنا أن ثمة مبدعين ومواهب واعدة منهم موجودة على وجه الحقيقة لا الافتراض، فإن هذا الوجود لا يمكننا الإحساس به، بل سيظل "افتراضيا" إلى أن يتم اكتشافه وتقديمه إلى الجمهور من خلال أدوات نشر ودعاية احترافية ومنظمة، وهى الحالة التى لا توجد لدى الإسلاميين حتى اللحظة! وإذا كان للهيمنة الإعلامية العلمانية دور فى مثل هذا الغياب، فإنه لا يسعنا إلا أن ندين أيضًا رأس المال الإسلامى، لعدم وعيه بخطورة هروبه من الاستثمار فى هذا المجال ولو من قبيل الاحتساب وليس جريًا وراء قوانين السوق وقواعد المكسب والخسارة. الإسلاميون لا تنقصهم الأموال ولا المهارات ولا المادة الخام من الكفاءات الإعلامية والمهنية، غير أنهم مشغولون فى قضايا "استعراضية" أقرب ما تكون إلى وجبات ال"تيك واى" و"الشو الإعلامى" اقتفاء لأثر الإعلام الاستهلاكى الباحث عن الإعلانات وتضخيم الحسابات فى البنوك. لا توجد على سبيل المثال دوريات إسلامية جادة تهتم بالمبدع المسلم ولا ندوات ولا جوائز تقديرية أو تشجيعية ولا أدوات إعلامية قادرة على صناعة نجوم إسلامية تنافس الشعراء والأدباء العلمانيين وتشجع على امتلاك ناصية الإبداع والنقد الأدبى وأسلمته على النحو الذى يعيد إليه شرعيته الإنسانية والأخلاقية. وفى هذا السياق أذكر أننى كنت فى زيارة للعاصمة القطرية الدوحة لحضور إحدى الندوات وفى الفندق سألنى الداعية الإسلامى المعروف الشيخ عبد السلام البسيونى: لماذا لا يوجد بين الإسلاميين شاعر مثل عبد الرحمن الأبنودى أو أحمد فؤاد نجم.. بل بالغ الرجل فى غضبه متسائلا: لماذا لا يوجد بين الإسلاميين امرأة مثل نوال السعداوى؟! أسئلة مشروعة ومؤلمة لا تعكس فقط حجم المرارة التى يستشعر بها المبدعون الإسلاميون المهمشون، وإنما تلفت النظر إلى حجم "الكبيرة" التى ترتكب فى حق العقل العربى المسلم حين تركه الإسلاميون مستباحًا للأدب الماركسى واليسارى المتطرف ليفعل به الأفاعيل. [email protected]