سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مؤسسة الفكر العربى تطالب بمزيد من الاستقلال والتمويل للجامعات..التقرير العربى للتنمية الثقافية: التعليم يتدهور.. والخيال السياسى خامل.. والمعلومات غائبة
أصدرت مؤسسة الفكر العربى العدد الثانى من التقرير العربى للتنمية الثقافية، وكان العدد الأول من التقرير أثار جدلا واسعا حول أوضاع العرب الثقافية وحالة ثقافتهم ومستوى معرفتهم ومدى قدرتهم على منافسة الأمم الأخرى والمقومات اللازمة لتنمية ثقافية لا بديل عنها لإنقاذ أمتنا من مصير مؤلم ينتظرها. يتولى مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع مهمة توزيع هذا التقرير الذى يوجد الآن فى جناح الأهرام بمعرض القاهرة الدولى للكتاب (سرايا رقم 5) وفى مكتبات الأهرام وغيرها من المكتبات المصرية. ويأتى هذا التقرير ليقدم رؤية تحاول جاهدة أن تؤسّس لمنهجية عمل ثقافى يتّسم بالشمول والاستمرار. الشمول بحيث يغطى هذا التقرير ما يمكن اعتباره أهم المقومات الأساسية للتنمية الثقافية فى حوالى عشرين دولة عربية. والاستمرار من خلال إصدار هذا التقرير بصفة سنوية ليمثل مرجعية بحثية فى الحاضر والمستقبل تتطلب متابعة دؤوب لحركة التنمية الثقافية فى العالم العربى، وما تتسم به من تراكم وتجدد دائمين. ويحاول التقرير فى ملفاته الخمسة أن يقدم إجابة عن عدد من التساؤلات المهمة والملحَّة فى مجالات المعلوماتية والتعليم والإعلام والإبداع. ففى مجال المعلوماتية تتعدّد الأسئلة: ما هى أوضاع عالمنا العربى طبقاً لمؤشرات مجتمع المعلومات فى ظلّ الاستراتيجيات الحكومية الحالية؟ وكيف تبدو هذه الأوضاع طبقاً لمؤشرات البيئة الإبداعية، لاسيما فى مجالات البحث العلمى والتعليم وصادرات التكنولوجيا؟ وما هى نقاط القوة ومظاهر الضعف فى البنية المعلوماتية العربية من المنظور الثقافي؟ وهل يبدو الحضور الثقافى العربى على الشبكة العنقودية كافياً ومرضياً لطموحنا وما تختزنه ثقافتنا من ثراء؟ وفى الأحوال كافة ما هو الدور المحتمل للمعلوماتية فى دعم التنمية الثقافية وما هى ملامح الرؤية المستقبلية فى هذا الخصوص؟ وعلى صعيد التعليم كان السؤال الأبرز حول أزمة الاستقلالية الإدارية والمالية فى الجامعات العربية وهل أفضت معدلات الإنفاق على التعليم العالى فى البلدان العربية إلى تحقيق الجودة التعليمية المنشودة؟ وما هى هذه المعدلات التى تبدو فى أكثرية الدول العربية أقل بكثير جداً من مثيلاتها فى الدول المتقدمة؟ فالإنفاق الحكومى السنوى على الطالب الجامعى لا يتجاوز 800 دولار فى كلّ من مصر والأردن وسوريا والمغرب، ويصل إلى نحو 1.800 دولار فى لبنان وتونس، ويبلغ 8.000 دولار فى السعودية لكنه يصل فى إسرائيل وفرنسا إلى أكثر من 10.000 دولار، وفى الولاياتالمتحدةالأمريكية يبلغ 22.000 دولار. وكان من ضمن الأسئلة المرتبطة بملف التعليم السؤال حول نسبة مخصصات البحوث إلى الموازنة فى الجامعات العربية. ويبدو التفاوت شاسعاً بين دولة عربية وأخرى بقدر ما يبدو التناقض أحياناً بين دول ذات معدل إنفاق عال على الطالب الجامعى لكن نسبة مخصصات البحوث إلى الموازنة فيها تبدو متدنية. ولعل مثل هذه المعطيات والنتائج جديرة بالدراسة لتأخذ طريقها إلى صناع القرار التعليمى وصائغى السياسات التعليمية. وأهم ما يثيره ملف التعليم فى هذا التقرير هو موضوع «الوقفيات» الجامعية التى أسهمت فى الدول الغربية، وفى دولة مثل تركيا فى تحقيق أعلى مستويات الجودة التعليمية. ومن هنا كان السؤال المطروح هو كيف السبيل إلى تحفيز الدور الاجتماعى والثقافى لرجال الأعمال العرب انطلاقاً من مفهوم المسؤولية الاجتماعية لرأس المال؟ وكيف أن مصطلح «الوقف» المعروف فى الثقافات الأجنبية يستمد مصدره التاريخى من اللغة العربية بينما يبدو دور الوقفيات التعليمية فى عالمنا العربى أقل بكثير من دورها فى المجتمعات الغربية؟ وهل من رؤى ومقترحات لتحفيز التمويل الأهلى ليضطلع بدوره فى دعم التعليم الجامعى وتطويره؟ وعلى صعيد الملف الإعلامى فإن ثمة تساؤلات مهمة لعلّ أولها ما يتعلق بمضمون الخطاب الثقافى فى إعلامنا المكتوب والمرئى. ما هى القيم التى يدعو لها هذا الخطاب الثقافى العربي؟ وكيف واجه هذا الخطاب بعض الإشكاليات العربية المزمنة مثل قضية العلاقة بالآخر السياسى والدينى، وعلاقة المثقف بالسلطة والمال، وقضية التراث والمعاصرة، والمساواة بين الرجل والمرأة، وعلاقة اللغة بالثقافة؟ ثم هل هناك خطاب ثقافى عربى واحد أم هناك «خطابات» ثقافية عربية؟ وعلى صعيد الملف الإبداعى كان التساؤل فى فضاء الإبداع الأدبى حول ملامح وهموم الرواية العربية عموماً خلال عام 2008. وما هى أهم الروايات العربية الصادرة التى تميز بها العام المنصرم؟ وكان الملف الأدبى ساحة للتساؤل حول ما اتسمت به الكثير من الروايات العربية من محاولة استعادة الماضى (فى المكان والزمان)، وتحوّلات الواقع العربى وتناقضاته، وكيف تواجه هذه الرواية سؤالها القديم الحديث حول العلاقة بين الشرق والغرب؟ وهل ثمّة حقاً رواية نسوية مضادة؟ لم تغب تساؤلات الشعر أيضاً عن الملف الإبداعى سواء حول شعر الفصحى أو شعر العامية والنبطية. ولم يخل الملف الإبداعى من تساؤل مهم حول قضية ترجمة الأعمال الأدبية العربية، والمعايير الأدبية التى يخضع لها اختيار الروايات التى تترجم إلى لغات أجنبية؟ وهل صحيح حقاً أن بعض الروائيين العرب يقبلون على كتابة روايات صالحة للترجمة بناء على استقراء لذائقة القارئ الأجنبى؟ وجاء ملف الإبداع السينمائى والدرامى بدوره حافلاً بالتساؤلات حول المهرجانات السينمائية العربية، لا سيما مفارقة التمويل السخى لبعض المهرجانات السينمائية من دون اهتمام مقابل بتمويل حركة إنتاجية أو دعم المبدعين فى بعض البلدان. كما يتمخّض عن رصد حركة الإنتاج العربى فى السينما والدراما العديد من التساؤلات سواء على صعيد توزيع حصص المشاهدة أو على صعيد توزيع الأنواع السينمائية مثل غلبة السينما الهزلية فى عام 2008 على السينما الاجتماعية. ولم يخل ملف الإبداع المسرحى من إثارة التساؤل حول ضعف البنى الثقافية التى تشرّع لوجود المسرح العربى سواء فيما يتعلق بالمنظومات الإدارية والمالية أو بسبب إشكالية الرقابة على حرية التعبير. ولعلّ مقارنة حركة الإبداع المسرحى فى دولة عربية بأخرى تشى بذاتها عن جملة تساؤلات حول «وتيرة» الاهتمام المجتمعى بالمسرح والعوامل التى تؤثر فى ذلك. وكان ملف الحصاد الفكرى السنوى، آخر ملفات هذا التقرير، كاشفاً عن تساؤلات عميقة حول انشغالات العقل العربى خلال عام 2008 سواء من حيث موضوعات القضايا المثارة أو أولوياتها. وكان من أبرز هذه التساؤلات الجدل الدائر حول ممارسة الدور الإقليمى العربى وقضايا التنمية والتحول الاقتصادى وتداول المعلومات. وبخلاف هذه التساؤلات ذات «العمق» الفكرى و«الظاهر» السياسى، فإن ثمة تساؤلات أخرى فكرية صرفة بدت ملحة على العقل العربى فى العام 2008 مثل التساؤل حول جدلية العلاقة بين العروبة والإسلام، وضعف الاهتمام العربى بالقوى العالمية الجديدة البازغة. كما أثير التساؤل حول قضية الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية، وما تتّسم به من تركيز بالغ على اللغتين الإنجليزية والفرنسية مقابل إهمال ملحوظ لحركة الترجمة من لغات أخرى كالصينية واليابانية والهندية، وهو تساؤل يتجاوز الجوانب الفنية والتجارية فى عملية الترجمة ليمسّ فى الصميم قضية حوار الثقافات وما توجبه من ضرورة الانفتاح على كل ثقافات العالم، لا سيما فى ظل تنامى دور الثقافات الآسيوية فى حركة التقدّم العالمى المعاصر كما فى حالات الصين واليابان والهند. وإذا كانت السمة البارزة لمنهجية التقرير الأول هى الأخذ بمنهج الرصد والتشخيص فى دراسة الجوانب المختلفة للتنمية الثقافية، فإن تقرير هذا العام مازال يستند إلى المنهجية ذاتها بأكثر من انشغاله بمحاولة تنظير الواقع الثقافى العربى و«أدلجته» واستشراف آفاقه. فالتنظير و«الأدلجة» والاستشراف كلها مستويات بحثيّة مهمة ومطلوبة، لكن رصد الواقع وتشخيصه مازالا أيضاً أولويتين ضروريتين على الأقل فى المرحلة الأولى من التقرير، لا سيما فى ظل أزمة المعلومة والرقم التى يعانى منها المجتمع العربى. فلعلّ رصد الواقع الثقافى وتشخيصه لا ينفيان أهمية تحليل معطيات هذا الواقع بل وطرح رؤية نقدية، وهو ما جاء عليه تقرير هذا العام فى بعض الملفات التى اقتضت طبيعتها ذلك. ففى ملف المعلوماتية ثمة استشراف للدور المحتمل للمعلوماتية فى دعم التنمية الثقافية، وطرح رؤية مستقبلية لتنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتى. وفى ملف التعليم لم يقتصر الأمر على معالجة قضايا التمويل والاستقلالية الإدارية فى الجامعات العربية، بل اشتمل هذا الملف على عرض بعض النماذج العالمية الناجحة فى الوقفيات الجامعية مثل دراسة حالة لجامعة هارفارد الأمريكية وجامعة سيدنى الأسترالية بالإضافة لدراسة حالة عن الجامعات الأهلية فى تركيا. وفى ملف الإبداع، الذى غلب عليه أيضاً المنهج الوصفى لحركة الإبداع الأدبى والسينمائى والدرامى والمسرحى فى العالم العربى خلال عام 2008، فإن الأمر لم يخل من رؤية نقدية لبعض ملامح هذا الإنتاج الإبداعى. وكذلك الحال فى ملف الحصاد الفكرى السنوى الذى سلط الضوء– من منظور فكرى– على أهم الأحداث والقضايا التى حفل بها عام 2008، مع تركيز نقدى خاص على بعض هذه الأحداث والقضايا، مثل الهجرة والحركات الاجتماعية، وجدلية العروبة والإسلام، والترجمة وأسئلتها. كما تتجلَّى منهجية التقرير ابتداءً من هذا العام على صعيد آخر، هو التوقّف فى كل ملف من الملفات التى اشتمل عليها عند قضية معينة تتسم بأهمية خاصة من منظور موضوعى هو منظور التنمية الثقافية، ومن منظور زمنى كقضية ملحَّة فى الوقت الراهن. وبهذا ينتقل التقرير من منهجية «المسح الأفقى» التى اتسم بها العام الماضى إلى منهجية «التعميق الرأسى» لبعض القضايا والظواهر هذا العام. وقد كانت منهجية المسح الأفقى مطلوبة وملائمة فى التقرير الأول، سواء فى التعليم أو الإعلام أو حركة التأليف والنشر حيث كان لا بد من «التأسيس» للتقرير بدراسة ما يمكن تسميته بالبنية التحتية لمقومات التنمية الثقافية فى العالم العربى. ويتناول الملف الأول قضية المعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية فى المجتمعات العربية فمنذ ظهورها وبدء استخدامها عملياً فى أربعينيات القرن الماضى وحتّى بداية الألفية الجديدة، كان مناط تركيز تقنية المعلومات والاتصالات منصبّاً على «المؤسسة» و«المنشأة» بغية تحسين أدائها وإنتاجيتها وكفاءة العاملين بها. بعبارة أخرى كانت المعلوماتية وأدواتها المختلفة تطرح نفسها كأداة إنتاج وتنمية اقتصادية أو تجارية أو علمية أو إدارية، من دون أن يُنظر لتقنية المعلومات والاتصالات كأشياء يمكن أن تتقاطع أو تتداخل مع الثقافة والفكر إلى الدرجة التى تجعل منها أداة للتنمية الثقافية. ويرصد التقرير أوضاع العالم العربى طبقاً لمؤشّرات مجتمع المعلومات فى ظل الرؤى والاستراتيجيات الحكومية فى تسعة مؤشّرات تتوزّع على مجموعتين فرعيتين: الأولى تقيس وضعية تقنية المعلومات فى خطط ورؤى الحكومات، وتشمل أربعة مؤشّرات هى: تقنية المعلومات والاتصالات بالرؤية الحكومية، ومستوى تقنية المعلومات فى قائمة أولويات الحكومة، ومستوى نجاح الحكومة فى ترويج تقنية المعلومات بالمجتمع، ومستوى مشتروات الحكومة من تقنية المعلومات. والثانية تقيس الأداء الحكومى وعلاقته بتقنية المعلومات تأثيراً وتأثراً وتشمل خمسة مؤشّرات هى: مستوى تدريب موظفى الحكومة على التقنية، ومدى الاستعداد للحكومة الإلكترونية، ومدى توافر الخدمات الإلكترونية بالإنترنت، ومستوى تفعيل تقنية المعلومات وتطوّر الأداء الحكومى، ومستوى انتشار تقنية المعلومات بالمكاتب الحكومية. كما يرصد التقرير الوجه الرقمى الراهن للتنمية الثقافية العربية من خلال حضور الفعاليات الثقافية العربية على الإنترنت فى شتى المسارات الثقافية، بإجراء مجموعة من المسوح لرصد وتحليل الحضور الثقافى العربى على الإنترنت، وذلك فى سبعة مسارات هى: الوجه الرقمى للمؤسّسات الثقافية العربية الرسمية «وزارات الثقافة ومؤسسات التنمية الثقافية... إلخ»، والوجه الرقمى للمتاحف العربية، والوجه الرقمى للفن العربى «السينما والمسرح والموسيقى والأغانى»، والوجه الرقمى للأدب العربى «الشعر والقصة والرواية ..إلخ»، والوجه الرقمى للتراث العربى «دينى وحضارى وشعبى .. إلخ»، والوجه الرقمى للكتاب العربى «الكتب ودور النشر»، والوجه الرقمى للتعليم والبحث العلمى العربى «مراكز البحث العلمى والتعليم الإلكترونى»، ويضاف إلى ذلك لمحة عن المحتوى العربى الإعلامى الرقمى بصفة عامة. كما يتناول هذا الملف الدور المحتمل للمعلوماتية فى دعم التنمية الثقافية، وقنوات ومسارات توظيف البنية المعلوماتية، ورؤية مستقبلية لتنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتى. ويوضح التقرير أن المؤشرات المتاحة تدل على أن أوضاع التعليم الذى يُعدّ أحد أهم مقومات التنمية الثقافية ونشر وتفعيل تقنيات المعلومات والاتصالات فى آن واحد تعانى تدهوراً واضحاً فى معظم مناحيها، سواء من حيث جودة نظام التعليم ودوره فى دعم القدرات التنافسية للمجتمع، أو فيما يتعلّق بالإنفاق على التعليم، وعلى استخدام الإنترنت فى المدارس وغيرها، بحيث تراوح متوسط الدرجات التى حصلت عليها الدول العربية فى هذا الصدد بين 3 و3.5 درجة من 7 درجات، أما متوسط المراكز التى حصلت عليها الدول العربية عالمياً فتأرجح بين المركزين 55 و81. كما تشير الأرقام الخاصة بمدى التعاون بين الجامعات ومؤسسات البحث من جهة والجهات الصناعية والتطبيقية والخدمية من جهة ثانية إلى الحاجة للبحث العلمى والتدريب المتقدّم فى مؤسسات المجتمع ككلّ. فقد سجلت الدول العربية فى هذا المؤشّر 3.12 درجة من 7 درجات وبلغ متوسط ترتيبها الدولى ال76، ولا يختلف الأمر كثيراً فيما يتعلّق بمستوى الإنفاق على البحث والتطوير أو جودة مؤسسات البحث العلمى أو مدى توافر خدمات البحث العلمى محليا، حيث تتراوح درجات هذه المؤشّرات جميعاً بين 3.75 و3.03 درجة من 7 درجات. فيما يظهر العالم العربى ضعفاً شديداً فى الإقبال على اقتناء وتشغيل حاسبات الإنترنت الخادمة المؤمنة، بحيث يصل متوسط عدد هذه النوعية من الحاسبات بالعالم العربى إلى 19.62 جهاز لكل مليون نسمة، وهو رقم متدنٍ للغاية. فى المقابل يظهر مؤشّر السهولة فى الوصول للمحتوى الرقمى العربى الموضوع على الإنترنت تدنياً فى العالم العربى، حيث بلغ متوسط الدرجة التى حصلت عليها الدول العربية فى هذا الصدد 4.46 درجة من 7 درجات، أى أن ما يقرب من نصف المحتوى العربى المتاح على الشبكة يصعب الوصول إليه. وخلص تقريرٌ لليونسكو إلى أن الخيال السياسى أصيب بالخمول، وأنه تخلّف عن الطفرات التى حققها ويحققها الخيال العلمى والتكنولوجى، وهو الأمر الذى أدّى بدوره إلى حدوث فجوة بين السياسات والعلم والتكنولوجيا، ومن ثم ثقافة عصر المعلومات التى ترتكز عليها بصفة أساسية، ولا شك أن وضع سياسة للتنمية الثقافية فى مجتمع المعرفة يحتاج إلى درجة عالية من الخيال والإبداع الاجتماعى، وإلى قدرٍ عالٍ من الجسارة لمساءلة الأوضاع القائمة، وتجاوز ما هو سائد ومألوف. وعلى الرغم مما يبديه الكثيرون من حماس شديد لثورة المعلومات وأهميتها، إلا أن هناك تغافلاً عمّا يجرى داخل إسرائيل من تنمية معرفية نشطة وفعالة. ومن المؤكّد أن التنمية الثقافية عموماً، والتنمية المعرفية على وجه الخصوص، هما جانبان بالغا الأهمية على صعيد المقارنة مع إسرائيل. ويكفى مثالاً هنا ما للّغة والدين من أهمية لدينا ولديهم. ويتناول الملف الثانى قضية التعليم العالى من خلال دراسة عن الوقفيات الجامعية فى البلدان العربية كبديل محتمل، يجسّد التقدم نحو مزيد من الاستقلالية للجامعات ومزيد من التمويل ومن الشراكة الاجتماعية فى حمل مسؤولية التعليم العالى. إنه بديل لمواجهة مشكلتين أساسيتين: الإدارة والتمويل. لذلك يتناول التقرير هاتين القضيتين ثم يقدّم ما أمكن من معلومات عن مصادر التمويل الإضافية (المساعدات والمنح وغيرها بما فى ذلك الوقفيات القائمة حالياً أو قيد الإنشاء)، ثم يستعرض تجربة الوقفيات فى عدد من دول العالم. ويطرح التقرير مبادرات فى تنويع التمويل وفى إقامة الوقفيات الجامعية من خلال استعراض البدائل التى توفّرها التجربة العربية من أجل مواجهة مشكلة النقص فى التمويل الحكومى وأحاديته، أو مواجهة قيود الأنظمة الرسمية للتمويل وإدارته. وهذه البدائل فى خمسة أبواب: المعونات الأجنبية، المعونات العربية، الصناديق المحلية والمكرمات الحكومية، مؤسسات الدعم الأهلية، الوقفيات. ومعظم المعلومات المعروضة فى هذا الصدد مستقاة من وسائل الإعلام والإنترنت. ويتناول الملف الثالث الخطاب الثقافى فى وسائل الإعلام عبر تحليل سمات وعناصر وأطر تشكيل الخطاب الثقافى عبر أجهزة الإعلام، على مستوى القضايا والأطروحات التى يتبناها هذا الخطاب، والقوى الفاعلة التى يبرزها، وعناصر تقديم الهوية الثقافية للذات، وأبعاد علاقة الهوية الذاتية بالآخر (الداخلى: القطرى– المذهبى) والآخر (الخارجى: الغربى أو الآسيوى). وتكتسب هذه الدراسة أهميتها بعد أن أصبحت وسائل الإعلام اليوم الوسيلة الأساسية والنافذة المحورية لترويج الخطابات الثقافية المختلفة، وإكسابها نوعاً من الجماهيرية والقبول، سواء على مستوى جمهور الصفوة (النخبة المثقفة)، أو على مستوى الجمهور العام. أما الملف الرابع فيتناول قضايا الإبداع وأولاها الإبداع الأدبى مع التنبيه على أن الموجات الأدبية والتيارات والاتجاهات تفترض فسحة زمنية، تتخطى السنة حتماً، كى تتمكن من بلورة معالمها ومفاهيمها. لكن من دون أى شك فإنّ سنة من الإبداع تصلح لأن تكون نموذجاً إبداعياً يمكن من خلاله قراءة التحوّلات التى طرأت على هذا الإبداع، والأسئلة التى طرحها والقضايا التى أثارها. لعلّ ما ميّز السنة 2008 عن سائر السنوات المنصرمة أنها كانت سنة سجالية على مستوى الإبداع الروائى والشعرى. ولعلها من السنوات القليلة التى تساوى فيها حضور الرواية وحضور الشعر، فلم يطغَ أحدهما على الآخر. وفيما يتعلق بالإبداع السينمائى والدرامى لم يعرف عام 2008 فى مجال السينما، فى أىّ من البلدان العربية، أىّ حدث كبير يمكن للمرء معه أن يبدى دهشةً أو إعجاباً أو أن يقول بدأ المستقبل حقاً. فتحقيق أول فيلم فى بلد ما، ومهما كان من شأن قيمته، يعتبر حدثاً انعطافياً، وظهور فيلم مثل «الأرض» ليوسف شاهين، أو «المومياء» لشادى عبدالسلام أو «بس يا بحر» لخالد الصديق، أو «كفر قاسم» لبرهان علوية على سبيل المثال لا الحصر، كان يعتبر حدثاً انعطافياً. ويرصد الملف الخامس الحصاد الفكرى السنوى وعملية التفاعُل والتدافع بين الأفكار والقضايا والخطابات التى تميّز بها عام 2008، وهو رصدٌ يُطْلِعُنا على نوع الهواجس التى جالت فى الوعى العربى فى الفترة الزمنية المرصودة، وبيان نوع الأفكار والرؤى والمقاربات والأسئلة والإشكاليات، وبيان حالة الحوار والتناظر فى الحقل الثقافى العربى. ويرتكز رصد أهم مظاهر هذا الحراك الفكرى على ثلاث واجهات شديدة الاتصال بمفهوم التفاعُل الثقافى وهى: النّدوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية والمحاضرات التى دَعَت إليها ونظّمتها مؤسسات أكاديمية أو بحثية أو ثقافية، الملفات الفكرية والفكرية– السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية المنشورة فى المجلات الفكرية والثقافة العربية، المادة الفكرية المترجمة من لغاتٍ عالمية إلى اللسان العربى. ويتضح فى هذا الملف أن هناك جملة مسائل وموضوعات شغلت الوعى العربى هذا العام، فانعقدت لها الندوات والمؤتمرات وأُفْرِدَت لها مَلفات فى المجلاّت، كالانشغال بقضايا من نوع الديمقراطية والحريات والإعلام والأمن الإقليمى والتنمية، والاهتمام المتزايد بالتحولات الجارية فى علاقات الثروة والقوة والنفوذ على الصعيد العالمى، والانتباه الكبير لدور بعض مراكز القوة فى النظام الدولى مثل الصين وروسيا. كما أن الفكر العربى– الاقتصادى والسياسى والاستراتيجى– تفاعل مع متغيرات جديدة فرضت عناوينها وموضوعاتها عليه فى هذا العام كموضوع الأزمة المالية العالمية ودلالاتها على أكثر من صعيد وتأثيراتها على حاضر ومستقبل المجتمعات والدول والاقتصادات فى الوطن العربى.