هل انتهت معركة الروس من أجل بسط السيادة في العالم؟ لا يعتقد كثير من المفكرين والمحللين الروس أنها انتهت، بل إن التفكير في الفترة الأخيرة تركز باتجاه تأسيس تكتل مع "الإمبراطورية" الأوراسية لخوض غمار الصراع مع الأطلسية بنجاح، وذلك من خلال سياسة المحاور والتحالفات، واستباقا لما يتخوف الروس من حدوثه في المستقبل، كأن تقفز الصين نحو الشمال أو تتحرك أوروبا نحو الأراضي الروسية الغربية، أو يتجه المعسكر الإسلامي نحو التكامل مع آسيا الوسطى. ولعل أهم المحاور التي تراهن عليها روسيا في صراعها مع الأطلسي، إلى جانب المحور الغربي، موسكوبرلين، والمحور الهادي، موسكو طوكيو، يبرز المحور الشرقي، موسكوطهران. ويرتكز على مبدإ وجود "العدو" الأطلسي المشترك. خاصة مع التوجهات الروسية الجديدة التي يدفع بها كثير من محلليها ومفكريها، ونعني بها البعد عن الإلحادية المادية والعناية بالجانب الروحي، واعتماد منهج المرونة في تسيير الاقتصاد وكذا مبدإ الاستقلال الذاتي، الثقافي منه واللغوي والاقتصادي والحقوقي بالنسبة لكل الأعراق والشعوب المنضوية في إطار الإمبراطورية. ومع تعذر التحالف مع الاتجاهات القائمة في العالم الإسلامي، العلماني التركي والمحافظ السعودي، لاعتبارات عقدية وإستراتيجية، لم يبق أمام روسيا إلا اتجاهين: "الملالي" الإيراني، والعروبي اليساري. ولكن يبقى الرهان والهاجس المباشر لروسيا في العالم الإسلامي، فهو إيران دون سواها، وهو ما قد يشير إلى توجه جديد في السياسة الروسية نحو العالم العربي والإسلامي. وإن كان التحالف الروسي العروبي، ويشمل جزءا من آسيا الوسطى والشمال الإفريقي، تكتل مهم بالنسبة لموسكو، من أجل السيطرة على الشواطئ الجنوبية الغربية لأوروبا الغربية، مع إدراكها بأن الأطلسيين بسطوا سيطرتهم على الشرق الأدنى والشمال الإفريقي بغية فرض ضغطهم السياسي والاقتصادي على أوروبا، وثمة اقتراح أن تضغط موسكو باتجاه إقامة تكتل عروبي مستقل معادي للأطلسية، ويتشكل من، العراق، سابقا، وليبيا وسوريا. لكن ما الذي يمكن أن تجنيه روسيا من محور موسكوطهران، المكسب الثمين من هذا هو تأمين خروج روسيا إلى البحار الدافئة، والذي ظلت تسعى إليه خلال قرون طويلة ويحال بينها وبين تحقيقه، ويعتقد المحللون الروس أن الأطلسيين حرصوا على منعهم من ذلك سواء عن طريق الشواطئ الجنوبية للقارة عبر المحيط الهندي أو عن طريق البوسفور والدردنيل أو حتى جبل طارق، تلك المناطق التي بقيت تحت سيطرة الهيمنة الأطلسية. والمكسب الآخر يتعلق بحل مشاكل آسيا الوسطى، وهو ما لا يمكن أن ينهض به الاتجاه السعودي ولا التركي بسبب توجهما الأطلسي، كما لا يمكن أن ينهض به التيار العروبي لأن شعوب آسيا الوسطى، تركية اللغة. وبذلك يبقى، حسب الإستراتيجيين الروس، التوجه الموالي لإيران، الذي يمكنه التوفيق بين القبول بروسيا وبين القناعة الدينية، وبهذا يمكن للسند الإيراني أن يساعد روسيا على حل مشاكلها الجغرافية السياسية مع دول آسيا الوسطى.