واقعة الاعتداء على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أمس الأول شغلت الرأى العام بسبب مفاجأتها وعلامات الاستفهام الطبيعية عن المتورطين فيها وعن أهدافها التى قصدت إليها، وأتصور أن هذه الأسئلة الغامضة ستظل مستمرة وربما تتوالد تساؤلات أخرى وعلامات استفهام متجددة ما لم يتم القبض على الجناة فى هذه العملية، باعتبار أن أبو الفتوح شخصية اعتبارية مهمة فى سباق الترشيح لانتخابات الرئاسة، وبعض التقارير الأخيرة تضعه فى مقدمة هذا السباق. الحادثة تحمل بعض الغرابة، فالجناة لم يتعرضوا للرجل بعنف زائد أو قسوة مفرطة، بمعنى أنه لم يكن مقصودًا "إيذاءه" أو إلحاق الضرر المادى الكبير به، كما أن التقارير لا تذكر أنهم تركوا أى رسائل أو إشارات تهديدية يمكن أن يبنى عليها شىء، هم اكتفوا بالاستيلاء على سيارته وفروا هاربين، وهو الأمر الذى يجعل الحادثة بتلك الملابسات أقرب إلى الحادث الجنائى العادى، جريمة سرقة بالإكراه للدكتور عبد المنعم. بالمقابل أبو الفتوح من الشخصيات الجادة والوقورة، وليس من طبعه كما كان يفعل غيره أن يفتعل وقائع أو حوادث لتصوير نفسه كضحية يستدر عطف الناخبين ويكتسب بهذه الحيلة المزيد من الأصوات، أبو الفتوح لا يفعل ذلك أبدا، والمؤكد أنه فوجئ بالحادثة، ولكن المؤكد أيضا أن الحادثة فى الحساب السياسى تمثل مكسبًا له من حيث لم يقصد، لأنها تجلب التعاطف الجماهيرى معه كضحية استهداف غير أخلاقى فى سباق الرئاسة، وتزيد من أسهمه مع اقتراب النزال. أيضا من الصعب تصور أن تكون هذه الحادثة رسالة من أى مرشح منافس، لأنها مغامرة خطرة جدا لو كشفت خيوطها، وغالبًا ما تكشف، كما من الصعب تصور أن أى جهاز أو مؤسسة رسمية يمكن أن تتورط فيها، لأن البديهة تؤكد أن مثل تلك الواقعة تمثل دعمًا للمرشح وليس تخويفًا له أو خصمًا من رصيده، وأبو الفتوح ليس المرشح الذى "تشتهيه" أجهزة رسمية عديدة، ولكنه أيضا ليس بالمرشح الذى يخافونه أو يتوقعون تصدره لسباق الترشيح. بعيدًا عن الحادثة وغموضها، فالذى لا شك فيه أن عبد المنعم أبو الفتوح استطاع خلال الأسابيع الماضية أن يكسب ثقة قطاعات كثيرة من المجتمع، وخاصة من النخبة السياسية، فهو يرضى الإسلاميين لجذوره الإسلامية كعضو قيادى سابق بالإخوان المسلمين، ومن جانب آخر فهو صاحب خطاب ليبرالى منفتح ومؤمن إيمانًا جادًا بالحريات العامة وحقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية التعددية، ومن جانب ثالث فهو حريص على أن يحتفظ بخطاب توافقى يتحاشى استعداء أى تيار سياسى أو فكرى. ما زال السباق مبكرًا، والمفاجآت واردة، وأتمنى أن تصل الأجهزة الأمنية لمرتكبى حادثة الاعتداء على أبو الفتوح حتى لا نعيش المزيد من الأجواء المترعة بالغموض والشك. [email protected]