أشعر بمرارة فى فمى، وغُصة فى حلقي، باتت لا تفارقنى، مهما تطورت الأحداث، وتحسنت الأحوال؛ ذلك أنه كلما لاح فى الأفق نوع انفراجة، وتفتّحت الظلمات عن فجر أخذ ضوؤه يلوح، كلما عاود المهينون لمصر إهاناتهم، ومن ثَم عاودتنى الغصة من جديد، وعاودنى معها السؤال المؤلم: ألهذا الحد هانت مصر؟! • ألهذا الحد هانت الشقيقة الكبرى على أشقائها العرب؟!، وهم الذين لا يزالون يذكرونها وهى تمد لهم يد العون؛ ليتحرروا من المستعمر، الذى نهب خيرات بلادهم، واستباح حرماتهم!! • ألهذا الحد هانت مصر عليهم؟!، وهم الذين لا يزالون يذكرون كيف كانت ترسل إليهم من قوت أبنائها وخيرات أرضها ومن ثرواتها - بلا مقابل ومن غير ثمن - عندما كانوا فى بداية الطريق تحيط بهم الأزمات، ويتربص بهم الماكرون!!، واليوم إذا ألمَّت بها أزمة إذا بهم يتنكرون!! • ألهذا الحد هانت الشقيقة الكبرى على شقيقاتها؟!، فهرولت كل واحدة منهن إلى رصيدها محاولةً انتزاع ما تقدر عليه، وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فبدلاً من أن يعملوا على شفائها، ويساعدوها على استرداد عافيتها، راحوا يزيدون فى مرضها، ويتلذذون بألمها، ويُوَسِّعون من حسرتها بالتدخل فى شؤونها، والضغط من أجل المخلوع الذى تسبَّب فيما هى فيه، كما شرعوا يفرضون - وهم العاجزون - رئيسًا على شعبها!! • ألهذا الحد هانت مصر على المجلس العسكري؟!، الذى يقوم على أمرها، فلا يضرب بيد من حديد كل مَن يسعى لخرابها ويعمل على تدميرها، وغدَا يخشى الإعلان عن "الطرف الثالث"، الذى بات وراء كل مصيبة، وأمام كل أزمة؟!، وربما أصبح هو الآخر سببًا من أسباب عَثرتها، وعبئًا يُثقل كاهلها. • ألهذا الحد هانت مصر على حكوماتها؟!، فلم تفلح واحدة منها فى حل أزماتها، فتفاقمت المخاطر، وزادت الأحوال سوءًا، وباتت مصر تئن، ولا يسمع أنينَها أحدٌ، ولا يضمد جراحَها بنتٌ ولا ولدٌ؟!! • ألهذا الحد هانت مصر على بعض رموزها؟!، فتراهم من بعيد أو من قريب يوجهون أتباعهم إلى افتعال الأزمات، والإكثار من النوازل والملمَّات؟، لا لشىء إلا لحسابات شخصية، أو أجندات خارجية دولية وإقليمية!! • ألهذا الحد هانت مصر على رجال أمنها وفرسان شرطتها؟!، فتركوا الحابل والنابل يرتع فيها، ووقفوا يتفرجون على مَن يروّع أبناءها،ويسرق مصارفها، ويقطع طرقها، وكأنهم بذلك يعاقبونها على إرادة أولادها، الذين أرضعتهم جميعًا من صدرها، ولم تبخل عليهم بشىء مما فى قلبها!! • ألهذا الحد هانت مصر على بعض إعلامييها؟!، فراحوا يُحقِّرون الإنجازات، ويُضخِّمون السلبيات، يلبَسون مُسوح الثائرين؛ ليخادعوا بها المصريين، وهم فى الحقيقة بالمخلوع وعصابته متصلون، ولمصالحهم عاملون!! • ألهذا الحد هانت مصر على بعض أبنائها؟!، فتراهم يعملون - عمدًا أو جهلاً - على خرابها، ويسعَوْن فى تأخيرها، بالإضرابات الفئوية، والمظاهرات العشوائية، والدعوة إلى العصيان المدنى، الذى يؤخر ولا يقدم، ويهدم ولا يبنى. إن مصر الكنانة لا ترضى الهوان ولا الإهانة، ولن يستطيع كل هؤلاء النَّيْل منها، ولا الحط من قدرها؛ لأن ذلك قدر الله لها، وقدر الله كله خير، والأمر يحتاج إلى شىء من الصبر، تعود بعده مصر- بتوفيق رب العالمين، وجهود أبنائها المخلصين، وإرادة شعبها الحر الأمين - إلى ما كانت عليه من عزة وكرامة، وحُنُوّ وشهامة، (وإنَّ غدًا لناظِرِه قريبٌ).