يظن بعض المغامرين الصغار أن الإصرار على قلة الأدب بطولة ترفع درجاتهم وتطيل قاماتهم وتجعل منهم حديث الناس والصالونات. ولا أدرى ما البطولة أن يسب النائب زياد العليمى واحدًا من الناس بأنه "حمار" حتى لو كان يكرهه كره العمى؟!... ثم يمتنع عن الاعتذار.. وتحت الضغط المتوالى من رئيس مجلس الشعب والأعضاء يتوصل إلى صيغة يعتبرها الحد الأقصى الذى يرضى ضميره. هل ضميره سيكون راضيًا وسعيدا وينام نومة هادئة لو رد أحد عليه بأنه "حمار"؟! أكيد سيغضب ويثور فلا يوجد فى أى قيم ما يسمح بتلك الشتائم.. اللجوء إلى قاموس قلة الأدب من أدوات السياسى الفاشل، مع أنه لم يمر علينا سياسيون فاشلون نزلوا بأنفسهم إلى شتائم الحمار والبردعة. حماريات زياد العليمى لا يكفيها الاعتذار.. وصمة عار فى جبين مجلس الشعب أن ينطق أحد نوابه بهذا الخروج عن الآداب واللياقة.. لن يغفر التاريخ للكتاتنى والأعضاء تساهلهم مع سباب تلفظ به زميل لهم فى حق رجل يقود الجيش المصرى ويترأس أعلى مؤسسات صناعة القرار السياسى حاليًا. والكارثة أن العليمى يعتقد أن ثقافة الحمار والبردعة تعبر عن سياسى ناجح ونائب مفوه وأنها ستحفر اسمه فى التاريخ البرلماني، وستجعله لا ينسى مثلما لن ننسى مقولة الأديب العملاق عباس محمود العقاد عندما كان نائبًا فى برلمان 1930. عباس العقاد تحدى الملك فؤاد.. لكنه لم ينزل إلى مستوى العليمى عندما أراد أن يتحدى المشير طنطاوي، ومن هنا عاشت فى الذاكرة مقولته الشهيرة "إن المجلس مستعد أن يسحق أكبر رأس فى البلاد فى سبيل صيانة الدستور وحمايته". كان غضبه مشروعًا ردًا على تجاهل الملك حضور جلسات البرلمان وتعطيله لمشروعات القوانين، ورغم أن ما قاله يعتبر عيبا فى الذات الملكية، إلا أنه لم يعاقب عليه، لرصانته وقوة مدلوله السياسى وعدم خروجه عن واجبات النائب تحت القبة. لاحظ أن جملة "يسحق أكبر رأس فى البلاد" أقوى ملايين المرات من العبارة السوقية "الحمار والبردعة".. لذلك وقف النواب مع العقاد وساندوه عام 1930، بينما غضبوا وخجلوا مما قاله زياد العليمى عام 2012 مع أنه حدث بعيدًا عن المجلس، لكنها ثقافة تشينهم بغض النظر عن المكان الذى تفوه فيه العليمى بلفظه السوقى. لم تستطع الحكومة ما تعاقب به العقاد سوى الانتظار وقتًا طويلاً إلى أن كتب عدة مقالات ضدها فى جريدة "المؤيد" فقدمته للمحاكمة وتم سجنه 9 شهور.. والدلالة أنها لم تجد مخرجًا معه كنائب يتمتع بالحصانة، التى رفض البرلمان رفعها، فلجأت إلى مطاردته من خلال وظيفته ككاتب، وهو ما نقرأه عن تلك التجربة النيابية فى كتابه "عالم السدود والقيود". زياد العليمى برر سبابه بأنه مثل شائع وما قاله بمثابة مجاز.. أطالب باختبار معلوماته فى المجاز والبلاغة فأكيد أنه لا يعرف عنهما شيئًا، وأن بائعة الفجل قد تكون أكثر مجازية وبلاغة! [email protected]