يبدأ السناتور جون ماكين، المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة، يرافقه وفد من أعضاء الكونجرس، زيارة إلى القاهرة اليوم فى محاولة للتخفيف من حدة التوتر بين القاهرةوواشنطن على خلفية محاكمة متهمين فى قضية التمويل الأجنبى غير المشروع والمتهم فيها 43 شخصًا ينتمون إلى جنسيات مختلفة منهم 19 يحملون الجنسية الأمريكية. وتأتى الزيارة غداة تحديد موعد بدء أولى جلسات محاكمة المتهمين فى القضية، فى 26 فبراير الجارى. وأكد ماكين أنه ليس لديه أى نية للمطالبة خلال زيارته إلى مصر بالإفراج الفورى عن العاملين بمنظمات العمل المدنى الأمريكية، المطلوبين للمحاكمة، ولن يتفاوض بشأن ذلك مباشرة مع الحكومة المصرية. وأضاف أنه سيوضح للقادة العسكريين فى مصر مدى خطورة هذه المسألة، وأن هذه المنظمات لا تزرع بذور الاضطرابات حسبما تم اتهامها، بل تساعد مصر على تطوير مؤسسات المجتمع المدنى، وأنه سيسعى أيضا لشرح سياسة الكونجرس فى الوقت الحالى، وحقيقة إمكانية قيام الكونجرس بقطع المعونة الأمريكية عن مصر بسبب هذه الأزمة. وقال ماكين إنه يدرك أن حل أزمة المنظمات قد لا يكون فى أيدى القادة العسكريين حتى إن أرادوا ذلك، وأضاف أنه لذلك يسعى لعقد اجتماعات أيضًا مع برلمانيين مصريين وقادة المجتمع المدنى وممثلى المجموعات الليبرالية والعلمانية وحتى الإسلامية. يأتى هذا فيما اعتبرت صحف أمريكية أن قرار السلطات المصرية بتحديد موعد محاكمة المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى، أحدث مؤشر على إصرار السلطات المصرية على عدم الإذعان لتحذيرات واشنطن المطالبة بالتراجع عن تلك القضية. وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن المتحدث باسم مارتن ديمبسى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية رفض التعليق على ما نشرته صحيفة "الأهرام" الرسمية بشأن تجاهل السلطات المصرية لمطلب ديمبسى بالسماح له باصطحاب سبعة من المتهمين الأمريكيين فى قضية المنظمات المشبوهة على متن طائرته العائدة إلى واشنطن. ورأت أن قرار بدء المحاكمة بمثابة إصرار على مقاومة الضغوط من قبل إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما والكونجرس على الرغم من التحذيرات المتكررة بقطع المساعدات الأمريكة إلى مصر والتى تقدر بنحو 1،5 مليار دولار سنويًا. وقالت إنه من المتوقع أن يضغط السناتور الأمريكى جون ماكين رئيس المعهد الجمهورى الدولى خلال زيارته إلى القاهرة لعقد اجتماعات مع مسئولين مصريين من أجل إيجاد حل سريع لهذه المسألة. ورفضت المتحدثة باسم المعهد الجمهورى الدولى الذى يأتى على رأس المدانين به سام لحود مدير فرع المعهد بالقاهرة، ونجل وزير النقل الأمريكى رآى لحود قد رفض التعليق عما إذا كان موظفو المعهد سيمثلون أمام المحكمة أم لا؟. من جهته، قال ليه كامبل مدير المعهد الوطنى الديمقراطى لبرامج الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا إن الجماعة تميل للتعاون مع السلطات المصرية لكنها لا تزال قلقه من كون القضية سياسية. واتهم كامبل وسائل الإعلام الرسمية المصرية بتحويل القضية من كونها قانونية إلى سياسية "كل شىء نقوم به يتسم بالشفافية والوضوح، إلا أن نهج وسائل الإعلام بما فيها المملوكة للدولة تشعر بأنها قضية قانونية وليست سياسية". من ناحيتها، اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، القرار يأتى تصعيدًا للمواجهة التى هزت ثلاثة عقود من التحالف بين الولاياتالمتحدة ومصر، والذى وصفته بحجر زاوية الاتفاق الإقليمى (معاهدة كامب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل) الذى دعمته واشنطن بإرسال مساعدات مالية إلى مصر منذ ذلك الحين والتى تهدد الآن بقطعها. وذكرت الصحيفة أن الولاياتالمتحدة لم تتلق تأكيدًا رسميًا بموعد بدء المحاكمة، وفقًا لتصريح متحدثة باسم البيت الأبيض قالت إنها اشترطت عدم الكشف عن هُويتها. ورأت أن تهديدات قادة حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين"، بإعادة النظر فى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل إنما هو بمثابة رد فعل "انتقامى" على تهديد المسئولين الأمريكيين بقطع المعونة الأمريكية التى تحصل مصر عليها سنويًا إذا لم تتراجع عن إدانة منظمات المجتمع المدنى "المشبوهة". في غضون ذلك، أكد السناتور الديمقراطي باتريك ليهي رئيس اللجنة الفرعية المسئولة عن المساعدات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لم تكن مشروطة أبدا بالمساعدات الأمريكية، ردًا على تصريحات محمد مرسي رئيس حزب "الحرية والعدالة" بشأن إعادة النظر فى معاهدة السلام مع إسرائيل إذا ما قطعت المساعدات الأمريكية. ونقل راديو "سوا" الأمريكي عن ليهي قوله :"عند توقيع اتفاقية كامب ديفيد أتذكر أنني تحدثت مع الرئيس المصري أنور السادات ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن .. إنهما لم يوقعا على المعاهدة للحصول على المساعدات وإنما لأنهما اعتقدا أنها تخدم مصالح البلدين بشكل أفضل .. المعاهدة لم تكن مشروطة أبدا بالمساعدات الأمريكية .. وأنا أتوقع من مصر أن تحافظ على ما التزمت به ومن جانبنا سنحافظ على التزاماتنا إزاء مصر ولكن على الأقل يجب أن يفي قادتها بما تعهدوا به لشعبهم". ورفض ليهي الاتهامات التي وجهتها السلطات المصرية إلى 43 من العاملين في منظمات المجتمع المصري ومن بينهم 19 أمريكيا، قائلا : "كل ما سمعته عنهم، وكل ما تمكنت من قراءته يشير إلى أنهم لم يخطئوا ولم يقترفوا أي شيء غير قانوني، بل إنهم كانوا يقومون دائما بما قالوا مسبقا أنهم سيفعلونه وهو دعم الديمقراطية.. ولنتذكر أنه عندما أطيح بالرئيس السابق حسنى مبارك فإن القوات المسلحة والجميع في مصر طالب بتحقيق الديمقراطية في البلاد .. وكان هؤلاء العاملون يفعلون ما قاله قادة مصر الحاليون ..نحن في الولاياتالمتحدة لدينا الكثير من الأصوات ، لكننا لا نخنق الأصوات المعبرة عن توجهات مختلفة عن توجهات الحزب الذي وصل إلى سدة الرئاسة أو الذي يتمتع بالأغلبية في الكونجرس". من ناحيته، قال محمد كامل عمرو وزير الخارجية المصرية إن المعونة الأمريكية ليست منّة إنما هي جزء من أدوات السياسة الخارجية وتعمل لصالح الطرفين لوجود مصالح مشتركة . وأضاف في تصريحات لبرنامج "مصر الجديدة" على فضائية "الحياة 2" أن المعونة الأمريكية هي ليست جزء من المعاهدة الدولية (معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة في عام 1979) ولم تُذكر وإنما كانت تفاهمات وقتها بمعونة لإسرائيل ومعونة أخري لمصر، والمعاهدة كانت مصرية إسرائيلية في المقام الأول وأمريكا ليست طرفاً بها ولا جزء من ملحقاتها الثلاثة . وأشار إلى أن مسألة قطع المعونة لا يقلقه ولابد التفريق بين مستويات كثيرة للتعامل أولا علي مستوي الداخلي "الصحافة والإعلام والكونجرس والإدارة "؛ فهناك من يستغل هذا لاعتبارات خاصة بالسياسة الداخلية الأمريكية ولكن علي مستوى السياسة الخارجية لأي دولة فلها حسابات أخري يحكمها العقل والمصلحة المتبادلة أكثر من تحكيم العواطف.