همهمت في نفسي وأنا أطالع بانبهار نصب النهضة الأفريقية المبهر، وقد أقيم على تلة خضراء عالية في "داكار" عاصمة السنغال، لرجل أفريقي مفتول العضلات، تمسك بيمينه امرأته، حاملا طفله على كتفه، وقد أشار بإصبعه في اتجاه الغرب، في رسالة رمزية تقول بأن نهضتكم أيها الغرب قامت على أكتاف الرجل الأفريقي، بما شرح لي مرافقي. لم أملك سوى أن أردد في تلكم التلة، وأنا أرى الشمس تطفل للمغيب: "أقسم بالله غير حانث؛ لكأني أرى نصبا آخرا جديدا سيقام بعد عشر سنوات فقط في عواصم أفريقيا السوداء كلها، لأفريقي منتصب تجاه الشرق، وقد اعتمر عمامة ملالي إيران، ملوحا بكفه تجاه قبلته وكعبته الجديدة في قمّ ". جبت السنغال لعمقها، ووصلت إلى مدينة "كولاك" عاصمة الطريقة التيجانية الصوفية، ورصدت التبشير النصراني والصفوي في هذه المناطق، وآلمني نشاط الحوزة الشيعة في وسط العاصمة "داكار"، وحزّ في نفسي الرقم الذي حققه هؤلاء الفرس، الذين امتطوا المذهب الشيعي لاعادة امبراطورية فارس، وقد نجحوا للآن في صفوَنة أكثر من سبعة ملايين مسلم أفريقي، أدخلوهم الحسينيات معهم يبكون، وإيران لم تكن لها موطأ قدم قبل أقل من عشر سنوات في هذه الأرض التي كانت طوال تاريخها على السنة، وعدد الشيعة قابل للزيادة المطردة في هذه القارة، في ظل غياب مشروع واضح الرؤية لنا، مزمّن، للحفاظ على مسلميها. ما الذي حدث ويحدث، ولكأن بلاد السنّة في العالم الاسلامي قطع دومينو، تتساقط واحدها تلو الآخر؟ القضية ببساطة؛ أننا إزاء دولة تحمل رؤية أيدلوجية دينية، يحكمها ملالي لا همّ لهم سوى بسط سلطانهم وسيادة عرقهم، وإحياء الفارسية عبر التشيع، وسخروا كل أموال وامكانات الدولة بكاملها لهذا الغرض، لدرجة أنهم أجاعوا شعبهم، وأنفقوا كل تومان على هذا التبشير، فما الذي نتوقعه سوى ما حصل؟!.. الآتي والله أعظم، فلم يكن –على مدى التاريخ- للصفوية هذا التخطيط المحكم والامتداد الذي يسعون له من "جاكرتا" وحتى "داكار"، ودونكم ما قاله صراحة زعيم شيعة "ساحل العاج" لجريدة "كل الأخبار" العراقية بأن التشيع في بلاده يجري بخطط منتظمة ووفق دراسة زمنية تجري متابعتها من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران، حسب تعبيره، وأن الخطط الموضوعة تقتضي بأن يكون المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي في بلاده بعد عشر سنوات. ومعروف عن "ساحل العاج" أن 60 في المئة من شعبها مسلمون سنة، ينتمي أغلبهم إلى المذهب المالكي. هل تعلمون يا سادة أن بعض مدارس الشيخ عبدالرحمن السميط في أفريقيا استولى عليها الايرانيون، وحولوها لصالحهم، لغياب التمويل. التاريخ يخبرنا بأن أصحاب الأيدولوجيات الدينية غالبا ما يصلون لأهدافهم، بسبب الزخم الديني الذي يجعل الفرد يعطي ويضحي بلا مقابل، منتظرا الأجر الأخروي، فكيف لو كانت بامكانات دولة يراهن الغرب عليها، وجعلها الأمريكي شرطيا جديدا بالمنطقة، في مقابل كف يدنا عن الرد أو العمل المضاد، وإن استمرت الأمور بهذا النسق، ودون ردة فعل قوية وضخمة بحجم ما يحدث ويحاك، فلن تكون فقط دول أفريقيا أو الأرخبيل الاندونيسي أو دول العالم العربي من حولنا هي من تتصَفوْن، بل سنبتلى بهم في عقر دارنا لا سمح الله، وها هي دعواتهم في تدويل الحرمين تملأ تلفازات الدول التي وجدت مواطئ قدم فيها. كتبت سابقا، بأن التصدي للصفوية اليوم، لم يعد ترفا مذهبيا يقوم به الدعاة وطلبة العلم فقط، وإن كانوا جزءا أصيلا في القضية، بل هو في صميمه مسألة سياسية، والرد بنفس الزخم الأيدولوجي، وعلينا استخدام القوة الناعمة التي نتوافر عليها للتأثير على رؤساء الدول الاسلامية، وأول ما يجب طرحه اليوم، هي تكرار ما فعلته ماليزيا في حظر التشيع، وما ردده وزير الأوقاف الأردني عندما سئل عن السماح بإقامة حسينيات، وسألت مستشار الرئيس السنغالي للشؤون الاسلامية الشيخ منصور نياز صراحة: "هل بالامكان أن تصدروا قانونا في السنغال يحظر النشاط الشيعي"، فأجاب مباشرة، وقال: "نعم نستطيع، ولكن في المقابل عليكم أن تقدموا لدولنا ما قدمت إيران، التي بنت عندنا أكبر مصنع للسيارات في إفريقيا واستثمرت الملايين، ونحن متضايقون جدا من نشاطهم، ونريد ايقافهم، وقد اكتشفنا خلية شيعية تهرب الأسلحة في السنغال. يا أخي عبدالعزيز، أنتم لم تدركوا بعد حب الأفارقة لكم، ونظرتهم تجاه السعودية وقادتها. معظم من حولك هنا صوفية بسطاء، غير مسيسين كأولئك الذين رأيتموهم في مؤتمر (غروزني)، الغالبية العظمى من الصوفية الأفريقية يرونكم كالصحابة، والله لو جاء الملك سلمان لزيارتنا، لتوافد مئات الالاف من كل الدول، فهم يرونه قائد المسلمين اليوم، وأقسم بالله أنه بكلمة واحدة منه، ينصاعوا لما يريد ويطلب، ويتصدوا كلهم للتشيع والتنصير، أنتم لكم مكانة كبيرة في قلوبنا، توارثناها جيلا عن جيل". وصلت بالصدفة أثناء جولتي إلى مدينة "كولاك" التي لم أسمع بها في حياتي، ونبهني مرافقي بأنني في عاصمة الطريقة التيجانية في أفريقيا، وحاورت بعضا من مشايخهم هناك حيال المدّ الصفوي، وكيف أنكم في النهاية سنّة، وهؤلاء -في معظمهم- يشتمون زوجاته وأصحابه رضوان الله عليهم، ألا غيرة لديكم ولا حبّ لأمهات المؤمنين، فردّ أحدهم بصراحة: "أنتم أيها الوهابية (يقصد السلفية) تكفروننا، وتعتبروننا خارج الملة، وأننا من أهل النار، بينما هؤلاء الشيعة يأتون لعوامنا، ويقولون لهم بأنهم معظّمون لرسول الله وآل بيته صلى الله عليهم، ويبنون لنا المستشفيات والمدارس ويقومون بالاستثمارات الطائلة ويوفرون العمل لأبنائنا، كيف لا تريد منا أن نميل معهم، بل ويعتنق بعض عوامنا مذهبهم؟!". هنا عقدة شديدة في قضيتنا الشائكة، وأطالب سادتي العلماء في بلاد الحرمين، وأتوجه بشكل شخصي لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الاسلامية بالسعودية، وإلى أخي معالي الشيخ محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الاسلامي بعقد ورش عمل للمتصدين للدعوة في الخارج، لإعادة النظر في طرائق الدعوة في هذه القارة السمراء وغيرها، حيث يمثل الصوفية الغالبية العظمي، وثمة معطيات جديدة شيطن العالم فيها السلفية النقية، ليتنا نخرج بتوصيات جديدة ترفع الحرج عن الدعاة والتجار في كيفية التعامل مع باقي المذاهب والتيارات الاسلامية، بما لا نتنازل عن الحد الأدنى من عقيدتنا، وبذات الوقت، مراعاة فقه الأولويات بما استجد من هاته النوازل التي أمطرنا بها. أتمنى على الأخوة من رجال الأعمال المتصدين، الاتجاه لموضوع الوقف في البلاد التي يريدون الدعوة فيها ونشر السنّة، فبدلا من بناء مساجد وكفالة معلمين وطبع الكتب، التوجه الفوري لبذل المال في مشروع وقفي واحد، وإن اجتمع عدة رجال أعمال وتجار عليه، يعود ريعه الى أمور الدعوة لاحقا. إننا عندما نقيم مستشفى أو مشروعا تجاريا كبيرا، سنتيح بذلك وظائف لأبناء تلك البلاد، وننفع عوام المسلمين بها، من ثم يكون الريع الدائم على المشروعات الدعوية. هذا أدعى كثيرا لبقاء وديمومة المشروعات الدعوية، فضلا عن ترحيب حكومات الدول بهذا، بل هذه المشروعات العامة أفضل دعاية نتحصل عليها، بدلا من بناء المساجد مباشرة، وبالمناسبة –وللأسف- أن هذا هو ذات ما تفعله إيران اليوم. الملحقيات الثقافية الايرانية تنشط بشكل لا تتصوروه في هذه الدول، بل هي المخطط واليد التي توجه النشاط الصفوي، ومخصص لها ميزانية ضخمة من الحكومة الايرانية في كل هذه الدول، وتقوم بشراء الاعلاميين ونفحهم تذاكر سفر مجانية، وأيضا دعم الفضائيات التي تتكلم لصالحهم، وتمول برامج اذاعية وصحف، ناهيك على أن اللبنانيين القاطنين هنا في السنغالوساحل العاج وسيراليون وغيرها؛ معظمهم من الشيعة، ينفقون من تلك الأخماس على التشييع الصفوي، ويوظفون علاقاتهم ومقدراتهم ومتاجرهم، وهم المهيمنون على الاقتصاد، لكل ما يخدم هذا العمل الصفوي الأسود. بكل صدق أقول بأنني غير متفائل، إن لم نجعل قضية التصدي للصفوية في العالم أولوية، وإيران وظفت كل مقدراتها وأموالها على هذا النشاط، وسيؤتي ثمرته بما لم يتحقق في التاريخ كله، إن لم نرد بنفس الحجم والزخم.