أمل جديد يلوح في الأفق حول إمكانية تحسن العلاقة المصرية الإيطالية، بسبب الإعلان عن عقد اجتماع في روما بين فريقي التحقيق المصري والإيطالي حول تعذيب ومقتل الباحث الإيطالي "جوليو ريجيني" والذي وجد مقتولاً في الصحراء المصرية منذ عدة أشهر. وتكمن أهمية ذلك الاجتماع في كونه جاء بعد انقطاع استمر لمدة 5 أشهر منذ أعلنت إيطاليا قطع تعاونها مع فريق التحقيق المصري المتواجد في روما، وذلك وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الإيطالية ANSA نقلا عن مسئولين إيطاليين والذين أكدوا أن الاجتماع سيكون يومي 8 و9 سبتمبر المقبل. وأشارت وكالة الأنباء الايطالية إلى أن الاجتماع سينعقد بناء على طلب من المدعي العام لروما جيزيبي بنياتوني، المسئول عن التحقيق في قضية ريجيني من الجانب الإيطالي، مؤكدة أن النائب العام المصري نبيل صادق سيشارك في الاجتماع، والذي سيعد الثالث من نوعه بين محققي البلدين بعد اجتماعهم في القاهرة في يوم 14 مارس ثم في روما في السابع من أبريل الماضي. وكان تقرير الطب الشرعي بعد فحص الجثة في روما أعلن أن الطالب الإيطالي قد تعرض للتعذيب على مدى عدة أيام وأنه فارق الحياة بعد تعرضه لكسر فقرات عنقه، وهو ما تسبب في توتر العلاقات المصرية الإيطالية بسبب اتهام إيطاليا للأمن المصري أنه وراء مقتله، فضلاً عن رؤيتها أن مصر غير متعاونة معها خلال سير التحقيقات. تلك الاتهامات التي وجهتها إيطاليا لمصر جعلها تتخذ عدة إجراءات ضدها، أبرزها موافقة وكالة ائتمان الصادرات الإيطالية على دعم بناء سد "كويشا" الإثيوبي وهو ما سيضر بمصلحة مصر المائية ويعبر عن العداء الإيطالي تجاهها، بالإضافة إلى إعلان الرئيس التنفيذي لشركة النفط الإيطالية إينى نية الشركة بيع حصتها في حقل الغاز المصري. وبدوره، قال رئيس لجنة الموازنة بمجلس النواب الإيطالي فرانشيسكو بوتشا، إنه لن يكون هناك إتمام لأي صفقات مع مصر، مشيرا إلى أن روما ستتخذ إجراءات اقتصادية ضد مصر، من بينها تعليق الصفقات المشتركة بين البلدين. كما وافق مجلس الشيوخ الإيطالي على قرار بوقف تزويد مصر بقطع غيار لطائرات (إف-16) الحربية، وهو ما قابلته الخارجية المصرية بعدم ارتياح. وأعلن الوفد الإيطالي المحقق في القضية عن طرد الوفد المصري، الذي سافر للاجتماع معه بسبب ما وصفه بالأكاذيب، معلنًا عن سحب السفير الإيطالي من مصر. ومن جانبها، أعلنت وزارة الداخلية المصرية في مارس الماضي عن قتلها خمسة أشخاص زعمت أنهم أعضاء في تكوين عصابي مسئول عن مقتل ريجيني، إلا أن السلطات الإيطالية أكدت عدم وجود دليل على مسئولية المقتولين عن جريمة القتل، وأكدت أنه من المستبعد أن يكونوا مسئولين عن التعذيب الذي تعرض له ريجيني، وأن القضية لم تنته بعد وهو ما أدى إلى زيادة التوتر بين البلدين. وبعدها طالبت إيطاليا بتسليم مليون تسجيل لمكالمات صوتية إضافة إلى تفريغ كاميرات عدد من الأماكن، فضلا عن تسليم 3 أشخاص كان لهم علاقة بالطالب الايطالي وهو ما رفضته السلطات المصرية في أبريل الماضي، متعللة بأن في ذلك انتهاكا للقانون والدستور المصري إلا أنها عادت ووافقت علي الطلب لاحقا، ما اعتبرته السلطات الإيطالية تطورًا إيجابيا للتعاون المصري فدعت إلي الاجتماع المذكور. بدوره، أكد الدكتور مصطفى كامل، الخبير السياسي، أن دعوة إيطاليا لاجتماع ثالث مع فريق التحقيق المصري في قضية "ريجيني" قد تكون دليل حصول على أدلة جديدة في القضية أو الاقتناع بأن الجانب المصري يريد التوصل إلى القاتل الحقيقي بالفعل. وأضاف "كامل" في تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن ذلك الاجتماع سيكون بداية جديدة نحو تحسن العلاقات المصرية الإيطالية بعد فترة كبيرة من التوتر والذي نتج عن عدم معرفة القاتل الحقيقي حتى الآن، فضلا عن اتهام القوات الأمنية المصرية بأنها وراء قتله. وبدوره أرجع مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير معصوم مرزوق الأزمة إلى انعدام الخبرة والرؤية السياسية فتعامل وزارة الداخلية والنظام مع الأزمة عمقها ولم يحلها خاصة مع تعدد السيناريوهات فمرة مساعد الوزير يؤكد أنها حادث سير ثم نجد تعذيبًا على الجثة ثم نشاهد فى أحد البرامج شاهدًا يقول إنه كان مع "ريجيني" ويروي سيناريو يبدو أنه تم الاتفاق عليه مع المذيع. وطالب "معصوم" في تصريحات ل"المصريون"، بالكشف عن الحقيقة، مشددا على أنه لا يجب التستر على المتهم، مؤكدا أن لو هناك شفافية منذ البداية ما تصاعدت حدة الأزمة إلى ما نحن عليه الآن. فيما حذر الكاتب الصحفي محمد عصمت، من خطورة عدم تنبه النظام المصري إلى خطورة الفاتورة الناتجة عن مقتل "ريجيني". وقال "عصمت" في مقال له، إن عدة تداعيات خطيرة تنتظر النظام منها إسقاط نظرياته عن "متلازمة الأمن والحرية"، لافتًا إلى أن تلك النظريات تهدد مصداقيته، وتهدد شرعية النظام، كما أن مقتل ريجيني سيعرض مصر لعقوبات صعبة، فضلًا عن جعل الغرب مستعدًا لقبول بديل للنظام الحالي. وتابع أن مقتل ريجينى في جوهره عنوان لسياسات لم يعد لها وهناك من يتبناها عن قلة خبرة سياسية، أو عن تصورات وهمية حول «الاصطفاف الوطني» بمعناه الضيق الذي يعنى سيادة الصوت الواحد، والضيق بالمعارضة، واعتبارها معرقلة للمسيرة، وتحالفا مع أعداء الوطن، في استنساخ جديد لتجربة الرئيس المخلوع حسني مبارك التي أسفرت في نهاية المطاف عن سقوط نظامه بشكل لم يتوقعه المستفيدون من جرائمه، والذين أصبحوا يتصدرون الساحة السياسية، ويحلمون بإعادة عرش مبارك، وكأنه لا ثورة قامت. وأوضح أن الطريق لمواجهة الموقف هو تقديم أجهزة الأمن المصرية الحقائق للجانب الإيطالي، مهما كانت صعبة، لأنه مهما كانت تبعاتها ثقيلة، فإنها ستكون أقل وطأة من المراوغة للرهان على كسب الوقت، فالعقوبات الإيطالية لن تكون نهاية المطاف، فالدول الغربية ستحذو حذوها، وساعتها لن نستطيع أن نواجه هذا الحصار الغربي بدون أن ندفع ثمنا فادحا.