ألم يحن الوقت للتخلص من العشوائية التي سيطرت على حياتنا ودمرت مرافقنا في ظل النظام المخلوع، والتي لم تفلت منها حتى المدن الجديدة؟!. فالمدن الجديدة كان يجب أن تكون نموذجا للانتشار المعماري الحضاري الخالي من عيوب المدن القديمة.. لأن المسئولين عنها تسلموا أرضا فضاء شاسعة وجاهزة للتخطيط المسبق لكل صغيرة وكبيرة قبل البدء في التنفيذ. ولكننا فوجئنا للأسف بصورة كربونية لأغلب المشكلات التي يكتوي بها الشعب في المدن والقرى العتيقة؛ مثل الطرق المعادية للسيارات وركابها (بحفرها ومطباتها وبالوعاتها)، وعدم وجود آلية متحضرة لجمع المخلفات وتصنيفها، أو للاستفادة من مياه الأمطار (ناهيك عن تصريفها)، وعدم التفكير في إنشاء مركز تدريب للحرفيين واشتراط حصولهم على رخصة للعمل بالمدينة لتجنب الأخطاء الإنشائية التي انتقلت آليا من المدن القديمة إلى المدن الجديدة، وانعدام التخطيط الجيد لإقامة المرافق قبل رصف الطرق بدلا من عمليات الحفر الهمجي الدائمة بالأسفلت، وتجاهل الاستفادة من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو الغاز الحيوي... الخ. أما الطامة الكبرى فهي الفساد الإداري الذي انتقل آليا وبطريقة أكثر فجاجة من الأحياء القديمة إلى المدن الجديدة، نظرا لوجود الضحايا الذين يقومون بتعمير هذه الصحراء القاحلة في أماكن مقطوعة واضطرارهم للتضحية بالمال انقاذا للوقت والأملاك. كنا نتمنى أن تبادر أي حكومة بإصلاح الخرائب الموروثة من النظام المخلوع، بادئة بالمرافق المنهارة. ولا شك أن الأماكن الواعدة التي تظهر فيها جهود الإصلاح وتشجع المواطنين على التعاون مع الحكومة هي المدن الجديدة، لأنها ورغم الإهمال والتجاهل، هي الأفضل تخطيطا والأقل ازدحاما وكثافة سكانية. ولكن هذا لم يحدث؛ بل تركت المدن الجديدة في أيدي قيادات تقليدية.. مجرد موظفين لاهمَّ لهم إلا الترقية، وليس لديهم طموح أو مشروع حضاري، ولا أحد يحاسبهم أو يشعل المنافسة بينهم!. وليت السيد الوزير يقوم مشكورا بزيارة هذه المدن ليرى على الطبيعة مأساة مصر الكبرى؛ حيث التخطيط الجيد والتنفيذ الرديء: · طرق تعاني من الرصف العشوائي عديم الجودة.. وأتحدى أن يدلني أحد على طريق أو شارع واحد مطابق للمواصفات. بل أن هناك من الغرائب ما يدعو إلى السخرية والعجب: هل رأيت في أي مكان بالعالم أسفلت (يذوب في الماء!)؟.. اذهب إلى مدينة الشروق مثلا لترى المياه العذبة التي ليس لها صاحب والتي تسيل ليل نهار وتذيب الأسفلت، ويقومون (بترقيع) الطريق من حين لآخر دون إيقاف النزيف المائي، فتعود المشكلة نفسها وفي المواقع نفسها من جديد؛ ولا أحد يتعظ أو يفكر في الأموال المهدرة أو معاناة الشعب المسكين!. · أرصفة كالبسكويت، تعاني من (أنيميا الإسمنت!)، وهي ظاهرة للعيان ويراها الناس دون أن يخجل أحد من منظرها وما تدل عليه من فساد.. ولكن الأسوأ هو استمرار الفساد والعشوائية في كل العهود، حيث يعاد رصفها من حين لآخر بالطريقة نفسها، لا ندري لماذا، وهي أصلا لم تستخدم بعد!، من المستفيد من ذلك؟. · تتميز المدن الجديدة بوجود مجمعات تجارية منفصلة عن التجمعات السكنية، والمفروض أن تكون هذه المجمعات نموذجا للنظام والنظافة والمراقبة الصحية والبيئية والإدارية.. ولكن للأسف والأسى؛ وليت السيد الوزير يتلطف بالزيارة ليرى العشوائية والقذارة والفوضى وانهيار المرافق الجديدة، على الرغم من أن المستفيدين منها تجار أغنياء ويمكن تشجيعهم، بل وإلزامهم، بالحفاظ على نظام المدينة.. ولكن المشكلة ألا نظام هناك، وأشك أن رئيس جهاز أي مدينة ترك مكتبه وتجول في مدينته ليرى ذلك الهوان. · لازال الفساد يعشش فيما يخص عمليات (تسقيع) الأراضي على الرغم من وضع نظام لسحب الأراضي من المستثمرين غير الجادين، فتجد من حين لآخر قطع فارغة تحولت إلى خرابات تهدد حياة من يجرؤ على الإقامة هناك، ولا يستطيع جيرانها المضارِّين منها معرفة أية معلومات عن أصحابها، إذ يبدو أنها مدّخرة لبعض المحظوظين الذين سيبيعونها بعد تعمير المنطقة وارتفاع ثمنها!. · من أسوأ مشكلات المدن الجديدة أن كل شيء مؤجل لا ندري إلى متى؟!.. ولا توجد خطة لإتمام أو إصلاح ما يمكن إصلاحه وتشجيع الناس على تعمير المدينة بالإقامة فيها، ولا أحد يسأل في من يعانون الأمرين في الإقامة وسط الأتربة والثعابين والكلاب الضالة، وهم الذين أنفقوا كل ما يملكون لتعمير هذه المدن، ومنهم من باع شقته التي يقيم فيها ليتمكن من استكمال البناء واضطر لإخلائها، ثم يفاجأ بأنه يعود إلى الخلف، إلى القرون الوسطى!. والغريب أن أموال المرافق موجودة لدى الوزارة، والذين دفعوا هذه الأموال محرومون من أغلب المرافق بحجة أن الإنشاءات لم تكتمل.. ما هي خطتكم إذاً؟، وما ذنب من التزموا بالبناء في المواعيد المقررة وأقاموا هناك بالفعل؟، أليست هذه مكافأة للمخالفين (المسقعين) على حساب الملتزمين؟!. · لازالت عشوائية النظام المخلوع سائدة.. بكثرة الحفر ثم الترميم ثم إعادة الحفر والترميم (الرديء بالطبع)، وكأن المسئولين لم يسمعوا عن شيء اسمه (التخطيط)، كالتي نقضت غزلها!، ولا ندري مثلا لماذا يؤجل توصيل خطوط الغاز الطبيعي والهاتف.. الخ، هل إلى ما بعد الرصف؟!!. يا سيادة الوزير.. ندعوكم لزيارة مدينة الشروق مثلا، لترى العجب، وليت الزيارة لا تكون عن طريق المسئولين بجهاز المدينة، الذين سيطلعونكم على الأماكن الخاصة المعدة للزيارات، ولا ترى الحقيقة المرة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.