بتشكيل حكومة الثورة.. آن الأوان للتغيير الجذرى لإنقاذ مصر وإصلاح (الخرابة) التى تركها المخلوع. وابتداء من هذا المقال؛ سنناقش ما هو مطلوب من كل وزارة، ونبدأ بوزارة الإسكان، التى ننتظر منها البدء فى تعمير مصر والقضاء على العشوائيات وتقليل الكثافة السكانية، وتوفير مسكن آدمى لكل مواطن. لا شك أن أكبر مشكلة تواجهنا هى زيادة الكثافة السكانية بالتكدس على مساحة 5% وترك الباقى فراغا يهدد الأمن القومى. وقد سبق أن نشرت مشروعا لحلها، ولقى ترحيبًا واسعًا من المواطنين والصحف، ولكن نظام المخلوع تجاهله لأنه يقضى على تجارتهم بأراضى الدولة. ويستند المشروع إلى أحقية الشعب فى امتلاك ثرواته؛ كحق طبيعى، وسنة من سنن الله تعالى. وبديهى أن (يمتلك) المواطن جزءا من أرض وطنه، ناهيك عن بيت يؤويه. وصحراؤنا المهملة واسعة، وتتميز باستوائها واعتدالها وتفوقها على صحراء الخليج بحرارتها العالية ورياحها المُترِبة، ولكنها تحولت إلى مدن بجمال مدن أوروبا (الإمارات مثلا)، وانتشرت بها مزارع وغابات صنعية. وتواجه مصر أزمة إسكانية خانقة وكثافة عالية مركزة فى الوادى الذى لا يحتمل المزيد. وسبب الأزمة هو ارتفاع ثمن الأرض.. وهى مفتعلة لأننا لا تنقصنا المساحة، ولكنه سوء تخطيط فاحتكار ومضاربة. وأدى ذلك إلى رفع ثمن المسكن البسيط إلى أرقام فلكية.. مما عرقل الزواج وشجع الهجرة، وصنع أزمات مستعصية. وهناك أسَر تحتاج لمسكن آدمى، وتمتلك ما يكفى لإنشاء بيت ولكن الارتفاع الجنونى لسعر متر الأرض يشل أيديهم، ويصرفهم عن فكرة البناء. والمشروع الذى نقدمه لوزير الإسكان (باختصار) هو تخصيص قطعة أرض 200 متر لكل مواطن (بحد أقصى 1000 متر للأسرة)، تحصل عليها مجانًا فى الوقت والمكان الذى تختاره.. وتكون ملكية شخصية لها حق التصرف فيها بالبدل أو البيع أو البناء عليها أو على بعضها؛ مع الالتزام بالاشتراطات المعمارية والبيئية والصحية. وهذا يقضى على مشكلة الإسكان من جذورها لأنه ينهى الاحتكارات والمضاربات وظاهرة (التسقيع)، ويؤدى إلى ظهور خريطة متوازنة تسهم فى إعادة توزيع السكان وتقليل الكثافة. وهذا يعنى إنشاء ما لا يقل عن مائة مدينة جديدة فى زمن قياسى، بمحاذات الوادى القديم: مدينة كل 50 كيلومترًا مثلا. وإذا خُططت هذه المدن بطريقة ذكية تغرى بجمالها واتساعها وحدائقها ونقائها ورقى مرافقها- بالإضافة إلى إغراء تملُّك الأرض، فهذا يؤدى إلى التخفيف من زحام المدن القديمة المكتظة، وتحولها لاحقا إلى مدن عصرية محترمة. أما عن البنية التحتية، فلدينا فكرة لتدبيرها دون تحمل الدولة أية أعباء؛ يمكن إرسالها للسيد الوزير إن أراد.. بالإضافة إلى أن شعبنا يستطيع تدبير أموره بنفسه إن شعر بالجِدّية والصدق والشفافية. وهذا المشروع يمكن أن يتحمله القطاع الخاص بوسائل عدة: تكوين جمعيات تنشئ المرافق من اشتراكات الأعضاء؛ إنشاء شركات خاصة للمياه والغاز والكهرباء والصرف.. الخ، بتمويل من البنوك تسترد أموالها من توصيل الخدمات وفواتير الاستهلاك؛ أصحاب المشاريع الخاصة (مستشفيات، مدارس، جامعات، نوادى،... الخ)، لأن الحصول على أرض للاستثمار سيكون بمقابل. ويمكن- عند توافر مياه- تخصيص قطع للزراعة، فتنشأ مراعى ومزارع ومناحل وغيرها. وبالطبع هناك فقراء لا يقدرون على البناء، فيمكن أن يدّخروا الأرض للمستقبل، أو يشاركوا مع آخرين، أو يقترضوا من البنوك، أو يبيعوا نصيبهم ويستفيدوا من ثمنه فى تحسين سكنهم الحالى. ويمكن مساعدة الفقراء بتطبيق نماذج معمارية مبسطة ورخيصة، لأن التوسع سوف يصير أفقيا لتوافر المساحة، ولن نكون فى حاجة للمبانى الخرسانية المكلفة. وهذا المشروع ليس المقصود منه إضافة مدن جديدة على غرار تلك المهجورة الحالية.. ولكننا ندعو لتخطيط (مصر جديدة) تمتد فى عمق الصحراء على هيئة شبكة من المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة بمحاذاة المدن القديمة لتكون أقرب لكل محافظة، وأهم عوامل النجاح لهذا المشروع هى حماس الشعب المصرى لتحسين أوضاعه الاجتماعية والمعيشية. فمنح كل مواطن قطعة أرض، هدية من الدولة، يفتح الباب لغزو الصحراء لأن أغلب الشعب الآن يعيش فى حالة ضيق وضنك، وينظر إلى تملك قطعة أرض على أنه حلم بعيد المنال- فماذا لو تحقق هذا الحلم فجأة ودون عناء؟. ونظرا لأن ذلك سوف يخفض سعر الأرض إلى حوالى مائة جنيه فقط للمتر؛ فمعنى ذلك أن كل فرد من أفراد الشعب سوف يحصل على ما لا يقل عن عشرين ألف جنيه (مائة ألف جنيه للأسرة)، وهذا رقم خيالى بالنسبة لأغلب المصريين، ويمكن أن يُحدث طفرة معمارية كبيرة ونشاطًا اقتصاديًا يؤدى إلى إعادة توزيع الثروة، إن تم تسهيل التصرف فى هذه الأرض، كما أسلفنا. هذا مشروع عملاق يحتاج لتفاصيل لا تسمح بها مساحة المقال، ويمكن إرساله لمن يطلبه، وهو يسهم فى حل أغلب مشكلاتنا ومنها البطالة. والموضوع الثانى الذى نطالب السيد الوزير بالاهتمام به والبدء فى إصلاحه هو المدن الجديدة التى كان ينبغى أن تكون نموذجا للانتشار المعمارى الحضارى الخالى من عيوب المدن القديمة. ولكن هذا لم يحدث، رغم استلامهم لأرض فضاء شاسعة وجاهزة للتخطيط الجيد لكل صغيرة وكبيرة قبل بدء التنفيذ.. فقد فوجئنا بصورة كربونية لأغلب المشكلات التى نعانى منها بالمدن والقرى العتيقة؛ مثل الطرق المعادية للسيارات وركابها (بحفرها ومطباتها وبالوعاتها)، وعدم وجود آلية متحضرة لجمع المخلفات، أو للاستفادة من مياه الأمطار (ناهيك عن تصريفها)، وعدم التفكير فى إنشاء مركز تدريب للحرفيين واشتراط حصولهم على رخصة للعمل بالمدينة لتجنب الأخطاء الإنشائية التى انتقلت آليا من المدن القديمة، وانعدام التخطيط الجيد لإقامة المرافق قبل رصف الطرق بدلا من عمليات الحفر الهمجى الدائمة بالأسفلت، وتجاهل الاستفادة من الطاقة الشمسية أو الرياح أو الغاز الحيوى... الخ. أما الفساد الإدارى بأحياء المدن القديمة، فقد انتقل إلى الجديدة آليا وبطريقة أكثر فجاجة، نظرا لوجود الضحايا الذين يقومون بتعمير هذه الصحراء القاحلة فى أماكن مقطوعة واضطرارهم للتضحية بالمال إنقاذا للوقت والأملاك. وهناك ظاهرة تأجيل إنهاء المرافق إلى أجل غير مسمى!. أيضا هناك إسراف خطير وسفيه فى المياه.. حيث تسيل باستمرار فى عشرات المواقع، لدرجة أنها تدمر الأسفلت، وأعمدة إضاءة تعمل 24 ساعة. ندعوا السيد الوزير لتفقد هذه المدن ورؤية الرصف المتخلف، والأرصفة المتهالكة - رغم عدم استخدامها - بسبب أنيميا الإسمنت، والخرائب بقطع الأراضى (المسقعة)، والمرافق المدمرة قبل استخدامها، والأتربة التى تعرقل حياة الناس. [email protected]