بداية أود أن أقر أن كل الأسماء التي قد ترد بين هذه السطور، وما يكتب عنها، لا علاقة له بشخصياتهم، ولكنه نوع من العبور فوق الظاهر، والغوص في المضمون. فعلى الرغم من أنني أنتمي إلى جيل الوسط، إلا أنه مازال عالقا في ذهني تلك الصورة الذهبية للتليفزيون المصري، فما زال صوت عبد البديع العربي وحمدي غيث وأحمد فراج وعطية صقر يرن في أذني، لا أنسى رقة فاتن حمامة، ولا حيوية سعاد حسنى، ولا انطلاقة شادية، ولا شياكة نادية لطفي، ولا عذوبة صوت نجاة . رومانسية عبدالحليم، وشقاوة حسن يوسف، وخفة دم محمد عوض، وشجاعة فريد شوقي، وفخامة رشدي أباظة، وحتي شر محمود المليجي ، كلها مازالت شاخصة أمامي. كل هذه الصور العذبة ،الممزوجة بالحنين، المملوءة بالوقار، كانت انعكاسا طبيعيا لهذه التربية الجميلة، التي نترحم على جزء كبير منها، ونحن نشاهد ليل نشاهد ليل نهار ما يعرض علينا رغما عن أنوفنا . مما لاشك فيه أن السينما والمسلسلات والبرامج هى في الأساس انعكاس واضح لطبيعة المجتمع، ولكنها في الوقت ذاته هى جزء من أدوات تشكيله. والتساؤل الملح لماذا وصلنا إلى هذه الدرجة؟ لماذا وصلنا لكي يتعاطف المشاهد ويتفاعل، بل وينفعل، وربما يسكب بعض الدموع على تلك الفتاة الساقطة، المتفننة في عقوق والديها، والمتنكرة لكل صنيع لهم، والمدمنة لكي أنواع الإدمان، بل والمحترفة للرذيلة، وهي تفعل كل ذلك باقتناع، وبجاحه شديدة ، نجد المشاهد متعاطف معها، ما الذي أوصلنا إلى هذا الدرك من السقوط؟ لماذا أصبح الأسطورة هو القدوة؟ لماذا أصبح ( حبيشة، والألماني، وعبده موتة، وحاحا، وتتح، واللمبي،...) هم النموذج؟ ففور انتهاء المسلسل، أو الفيلم نجد الشوارع ، وقد امتلأت بتلك الرؤوس العجيبة، واللحي الغريبة، والملابس المبتذلة، بل والتصرفات الخارجة ... لماذا أصبح هذا النموذج هو النموذج؟ لماذا تأخرت القدوة الصالحة، وحل محلها هذا النموذج ؟ قد لا تقع يدي على الإجابة الكاملة لمثل هذه النوع من التساؤلات، ولكن الواضح للعيان أن التكنولوجيا للأسف الشديد قد أخدنا أسوأ ما فيها، ونهلنا من سلبياتها أكثر مما يجب، وساعد على ذلك تأخر دور الأسرة في الرقابة، والقيادة، بل والقدوة . كان الأب، والأم ،والأخ ، والعم، والخال، والمعلم ، وإمام المسجد، هم القدوة واليوم أصبح ( حبيشة، والألماني، وعبده موتة، وحاحا، وتتح، واللمبي .... ) هم القدوة والنموذج . نعم هذا تحدي كبير يواجه كل مؤسسات المجتمع، وعلى رأسها مؤسسات التربية، الإعلام، وهذا يفرض على الأسرة، والمدرسة، والجامعة، أدورا أكبر، وأعباء أشد، تتطلب منهم جميعا مواكبة التطور التكنولوجي، والتسلح بمعرفتها في مواجهة هذه الهجمة الشرسة، التي ضربت منظومة القيم في العمق. فمؤسسات التربية التقليدية ( المسجد والمدرسة والنوادي ....) وقد تأخر، وتراجع دورها، ينبغي أن تفكر خارج الصندوق، وتبحث لها عن دور في رعاية منظومة مقبولة من القيم، يرضى عنها المجتمع، وتسهم في دفعه للأمام، فالأمم المتقدمة، سر من أسرار تقدمها، هو تقلدها لمنظومة قيم: حافظة لتراثها، وراعية لتقاليدها، ومحلقة في آفاق المستقبل بثبات. وأخيرا إذا اردنا جميعا فرارا من هذا المنزلق، فلا مفر إلا من خلال التعليم، فأية أمة لا يكون التعليم على رأس الأولويات، بالتأكيد هي أمة سوف تعاني كثيرا، ويصبح الأسطورة هو القدوة والنموذج . أ.د/ عبدالرازق مختار محمود أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. facebook.com/abdelrazek.mokhtar http://arid.my/0001-2264