فى غمز واضح وسقيم للإسلام خاتم الأديان السماوية يقول القس إكرام لمعى فى كتابه(المسيحيون بين الوطن والمقدس.. الدور والمصير) أن الإسلاميين العائدين من السعودية نقلوا مجتمع البداوة والإسلام الصحراوى وهو ما أدى إلى انقسام الهوية وعودة خطاب الجزية.. هكذا قال الرجل الكتاب صادر عن الهيئة المصرية للكتاب ضمن سلسلة المكتبة السياسية ليس هذا فقط بل وقامت جريدة الشروق بتلخيصه فى صفحة كاملة يوم الأربعاء الماضي 27/7 وكتب المحرر جملة(الإسلام الصحراوي الوافد شطر الهوية..) بالخط العريض على رأس الصفحة.. التلخيص الذى قدمته الجريدة نقلاً عن الكتاب يشير إلى أن مؤلف الكتاب لم يبذل أى مجهود فى الاقتراب من الموضوع الذى يشير إليه العنوان أو حتى محاولة القيام بذلك.. هو فقط جمع أقوالاً تاريخية غير صحيحة سبق لعشرات غيره ترديدها بطريقة ملولة بما يلفت النظر إلى أن الأهمية ليست فى محتوى الكتاب بل فى توقيت نشر هذا المحتوى والذى كما قلت سبق ترديده كثيرًا .. وسواء كان الهدف يتجه إلى النيل من الأقباط الأرثوذكس أو إلى النيل من الجماعة الوطنية كلها سيبقى فى النهاية أننا أمام عمل عنصرى خبيث ورديء ولا يقصد به الصالح العام.. بما يفتح الموضوع على سؤال ضرورى لنعرف سبب اختيار الهيئة العامة للكتاب لهذا العنوان ونشره على حساب المواطنين البسطاء .. ومعروف ذلك الشقاق الكبير بين الطائفة الإنجيلية وبين الأقباط الأرثوذكس وكثيرًا ما أعلنت قيادات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عن وجود خطة إنجيلية لتحويل أرثوذكس مصر لبروتستانت.. ولا ننسى تصريحات الأنبا بيشوي في مؤتمر العقيدة في الفيوم من عامين الذي كان عنوانه مليء بالدلالات الواضحة..(الغزو الطائفى: أنواعه – أبعاده – وكيف نواجهه؟) والتى أكد فيها وجود خطة إنجيلية تهدف إلى تحويل الأرثوذكس إلى بروتستانت خلال 20 عامًا.. الأنبا موسى أسقف الشباب بدوره يؤكد كثيرًا فى محاضراته على كيفية مواجه الغزو الإنجيلي وأكد أن هناك خطة أمريكية شاملة لجذب الشباب والأطفال والنساء واتهم بشكل مباشر(مدارس السلام الأمريكية ) بالضلوع في المؤامرة الإنجيلية، مؤكداً أن هذه المدارس تشارك في مخطط كبير ومن ضمن هذه الخطط تعليم المدرسين تدريس الدين المسيحي بهدف التبشير بمذهبهم.. وأضاف أن المخطط الإنجيلي مدعوم بمئات المليارات.. هناك بالفعل تزايد فى أعداد المتحولين من الأرثوذكس للبروتستانت وتمثل محافظات الصعيد ملعبًا كبيرًا قديمًا للإرساليات الإنجيلية.. أول كنيسة إنجيلية تأسست فى مصر عام 1860 فى الموسكى القاهرة. وسميت هذه السنة باسم سنة نشر الكتاب المقدس حيث بدأ بيعه للعامة وهو الكتاب الموجود بأيدى الأقباط الآن وهو ما يفاخر به د.أكرم لمعى على الأقباط قائلاً كل نسخ الإنجيل فى مصر نحن من صنعناها.. سيكون علينا أن نعلم أن عدد الكنائس البروتسانتية(الإنجيلية) فى مصر 1100 كنيسة (نصف عدد الكنائس الأرثوذكسية) وتعدادهم مليون وربع المليون.. ويرأس الطائفة د.أندريا زكى الذى انتخب من عامين فقط.. الدكتور إكرام لمعى أستاذ مقارنة الأديان بكلية اللاهوت الإنجيلية انتخب فى إبريل الماضى رئيسًا لمجلس الإعلام والنشر.. انتخبه سنودس النيل الإنجيلى أعلى مستوى قيادى للطائفة الإنجيلية المشيخية (هناك 17 مذهبًا بروتستانتًا فى مصر غير المذهب المشيخى) . وكان غبطة البابا الراحل شنودة الثالث قد أعد خطة تنظيمية قوية (وهو بالمناسبة كان رجل تنظيمات من الطراز الأول) لوقف التغلغل الإنجيلى وترتكز الخطة على(العمل الرعوي) حيث يقوم الكهنة بصورة مستمرة بتفقد شعبهم وتنظيم مجموعات اسمها مجموعات(الافتقاد) وجعل لكل قرية شماس يرافقه مجموعة من الخدام والخادمات المكرسين والمكرسات يعرفون أخبار القرية وينقلونها للكاهن!!.. وهى طريقة تمارسها كل التنظيمات فى كل وقت وحين. إضافة إلى ضرورة متابعة ما يبثه الإعلام البروتستانتى وتحليله وبث إعلام مضاد له بالقناتين القبطيتين(سى تى فى وأغابي) وكذلك رصد ومتابعة نشاطهم والمؤتمرات التى ينظمونها داخل وخارج مصر وتكثيف التعاليم الأرثوذكسية ونشر الكتب الأرثوذكسية وتوزيعها فى الكنائس كذلك منع (اجتماعات المنازل إلا بتصريح كتابى من أسقف الأبرشية ) وذلك للحد من نشر الفكر البروتستانتى وسط الأقباط فى البيوت دون رقابة الكنيسة.. وللمفارقة العجيبة أن المسلمين فى تلك المناطق حين يعلمون باجتماعات منزلية فى أحد البيوت القبطية يهاجمونها ظنًا منهم أنها تمهيد لتحويل المنزل إلى كنيسة.. وهذا بالطبع ليس من حقهم.. لكن المفارقة تشير إلى أن الأمور والأحداث ليست بالبساطة التى قد تبدو فى ظاهرها.. فمن يدرى من يقف وراء هذا التحرك الأهلى ضد اجتماعات المنازل.. ولا يفوتنى هنا أن أشير إلى الحوادث الأخيرة فى المنيا وبنى سويف والتى تبدو فيها الأحداث مصنوعة صنعًا وليست أحداثًا تلقائية مما يكون فى طبائع الاجتماع البشرى لأن الطفل فى بطن أمه يعرف ما النهاية لعلاقة أو اعتداء من شاب مسيحى لمسلمة أو العكس.. ومسائل الشرف تحديدًا هى العصب العارى فى مجتمعاتنا فما بالك إذا كانت فى الصعيد.. وما بالك إذا صاحبها فضيحة (نشرصور وفيديوهات على الموبايل) وما بالك أيضًا إذا كان أطرافها مختلفى الديانة..!!؟ سيكون ملفتًا أيضًا النجاح السريع والضخم للطائفة الإنجيلية مؤخراً فى ضم العديد من الشباب القبطي/الأرثوذكسى للطائفة خصوصًا فى المنيا التى قام الإنجيليون فيها مؤخرًا بضم العشرات من أبناء الطائفة الأرثوذكسية لهم.. وضع ألف خط تحت محافظة المنيا التى يسأل كثيرون لماذا تكثر المواجهات بين المسلمين والمسيحيين فيها!!؟؟ قلت أولاً إن الكتاب (كما يبدو من ملخصه) لا يصب فى مصلحة الجماعة الوطنية كلها ولا الصالح العام سواء بحديثه عن الأقباط الأرثوذكس أو الإسلاميين أو الدولة.. وكنت قد كتبت كثيرًا عن دور المسيحيين العرب تاريخيًا من بداية نزول الوحى وظهور الإسلام كخاتم للأديان السماوية فى مكة والمدينة(صحراء الجزيرة العربية) التى يلمز إليها المؤلف وحتى العصر الحديث فى الاحتفاء بالإسلام وقلت إن العرب المسيحيين لم يضمروا العداء للإسلام دعوة التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد.. وإنما ساندوها وفى يثرب استقبلتهم قبيلة الأزد النصرانية أحسن استقبال وبملك الحبشة النجاشى المسيحى احتمى المسلمون المهاجرون واستجاروا ليكتب التاريخ إن العرب المسيحيون دعموا النهضة الإيمانية والحضارية التى أتى بها الإسلام لمجتمع جاهلى عاداه فى بدايات انتشار دعوته. عاش العرب المسيحيون أكرم عيش فى ظل حكم الخلافة الإسلامية ما يقارب ال 14 قرنًا (وليس كما ذكر المؤلف) بدء بالخلافة الراشدة ثم الأموية والعباسية وأثناء حكم المماليك وانتهاء بالخلافة العثمانية. التى اعتمدت دستور عام 1876 إبان خلافة السلطان عبد الحميد الثانى باعتبار الشريعة الإسلامية أساس ملزم للتشريع وللقضاء بحق المسيحيين مثلهم مثل إخوتهم المسلمين إذ ليس فى المسيحية شريعة.. وأعفتهم من دفع الجزية وضريبة الخراج وسمحت بخدمتهم فى الجيش أو دفع البدل كمواطنين مكتملى الحقوق والواجبات . عروبة المسيحيين العرب لا يستطيع أن يجادل حولها أحد أياما كان.. فهم من ساند الفتح الإسلامى ضد الروم معتبرين الفاتحين العرب أبناء قوميتهم وهم من قاوم الغزو الصليبى فى العصور الوسطى وهم من وقف ضد الاستعمار الأوروبى وموقف المعلم جرجس الجوهرى عميد الأقباط وقت الحملة الفرنسية والمعلم يعقوب ويعقوب حنا الذين رحبوا بالغزو الفرنسى لمصر علم 1798م واعتبروه مقدمة لتحرير مصر من الدولة العثمانية وانجلترا وفرنسا كما يقول د.لمعى لم يكن إلا موقفًا نفعيًا بحتًا لهم ولذويهم ولم ترضاه الكنيسة القبطية وبطريركها البابا مرقس الثامن! أحيانا يكون المثقف ذو بعد واحد مثله مثل الذبابة التى وقعت فى قعر زجاجة فيجعل يتخبط فى كل اتجاه عسى أن يجد مخرجًا لما لا مخرج له.. كونك عربيًا يعنى أن الإسلام (الصحراوى يا د.لمعى) وثقافته من مقومات هويتك القومية إذ فى ظل تاريخه وحضارته وتراثه وُلِدت وعشت وشاركت وتثقفت وأصبحت مواطنًا. ................... ما قاله د.لمعى فى الكتاب لاعلاقة له بالوطنية ولا بالمقدسات ولا بالتطلع إلى دور ومصير واعد ومشرق كما يفهم من العنوان.. ومن المؤسف أن الكلام كله معاد مكرر وباتت ترفضه العقلية المعرفية الأمينة ولا يخلو من غمزات عنصرية وطائفية مكشوفة وعليلة أصبحت حتى مثل(الطبيخ) الذى مرعليه وقت طويل.. أختم بقول السيد المسيح عليه السلام (إنسانا زرع زرعًا فى حقله وفيما الناس نيام جاء من زرع زوانا فى وسط الحنطة ومضى).. إلى أن يقول(فى وقت الحصاد اجمعوا أولاً الزوان واحزموه حزمًا ليحرق.. أما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني). لا نريد زوانا وسط الحنطة.