لم تنم مصر كلها تقريبًا ليلة أمس 15/7/2016.. إلى أن ظهر الرئيس التركى طيب أردوغان على شاشات التليفزيون الرسمى معلنًا فشل الانقلاب العسكرى واستعادة السيطرة على البلاد. شعور عام تلقائى وفطري، سيطر على الضمير العام المصري، بأن ما يحدث فى تركيا مروع وخطير، وسيكون له انعكاسات كارثية على المنطقة كلها.. أعرف أن قطاعًا من النخبة المتزلفة استعجلت وتورطت فى التعبير عن شماتتها الطفولية والنزقة فى أردوغان، وعينها على "الاتحادية"، معتقدة أن ذلك سيسعد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أو على الأقل سيجلب عليها "بركة" الأجهزة وعطاياها وهباتها. الشماتة كانت من أجل التزلف كما قلت.. غير مكترثة بالمخاطر المحدقة بالمنطقة، وبالحريات والديمقراطية وبحقوق الإنسان وبأشواق وأحلام الشعوب فى أن تعيش آمنة وبكرامة.. وفى مستقبل منطقة تتفكك وتتشظى إلى كيانات وإمارات تحكمها المليشيات ويروعها بلا رحمة ولا شفقة الإرهابيون.. وذلك حال انتصر الانقلابيون وانقسمت تركيا وجيشها الوطنى ودلفت إلى الاقتتال داخلى وإلى أتون الحروب الأهلية. من المفترض لو كانت مصر بقبضة العقل لا الأمن أن يفسر ما تعرضت له تركيا يوم أمس الأول، موقف أردوغان من بيان 3 يوليو فى مصر.. الرجل لم يعترف بشرعية دولة ما بعد مرسي، ليس دفاعًا عن الأخير أو عن جماعته.. ولكن لمخاوف أردوغان من أن يشجع تطبيع العالم، مع إجراءات عزل مرسي، جنرالات تركيا على اتباع سنة ما حدث فى مصر، ويطاح بأردوغان من على السلطة.. خاصة وأن بلاده لم تتعاف بعد من تدخل الجيش ضد الحكومات المدنية المنتخبة منذ عام 1960. عندما قرر الرئيس عبد الفتاح السيسى التدخل لإنهاء حكم الإخوان، لم تكن تركيا ولا أردوغان ولا أية دولة أخرى فى "دماغه".. ولكن الإجراءات العسكرية التى اتخذت ضد مرسي، أزعجت أردوغان، وأنفق جزءًا كبيرًا من وقته فى محاولة إقناع العالم، بأن لا يطبع علاقاته مع نظام الثالث من يوليو. صحيح أن موقفه أثار غضب القاهرة وسخطها وللأخيرة أسبابها المعروفة.. ولكن فى ذات الوقت، كان يحتاج أردوغان إلى من يتفهم موقفه ومخاوفه وقلقه.. لا إلى من يحشد الإعلام ضده يشتمه آناء الليل وأطراف والنهار.. فالرجل كان أمام سؤال مفصلى ويمثل منعطفًا خطيرًا على مستقبل المنطقة وليس على بلاده وحسب: من يضمن له أن لا تُنقل التجربة المصرية إلى تركيا؟! فى ظل حالة من التسامح الدولى مع القاهرة؟! كان على مصر أن تجيب له على هذا السؤال.. أعرف أنها مهمة صعبة.. ولكن الرهان على الوقت هنا مهم.. لأنه ليس هناك محرمات فى السياسة، ولا يوجد فيها أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون.. وتركيا فى صيغتها الديمقراطية الجديدة دولة "مؤسسات" لا دولة "مكايدات" يعنى بتحسب مصالحها بالورقة والقلم وبصرامة شديدة.. ولو وجد من يُقنع أردوغان بأن تجربته تختلف جذريًا عن تجربة الإخوان فى مصر.. لكان الأمر اختلف الآن.. ويبدو لى أن فشل الانقلاب الأخير، هو الذى أجاب على السؤال الذى كان من المفترض أن تجيب عليه القاهرة: اطمئن تجربتك تختلف.. ولعل ما حدث قد يشجعه على الاقتراب أكثر من مصر.. وهو أكثر ثقة فى ديمقراطية بلاده وكراهيتها للانقلابات العسكرية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.