"خطبة منبرية موحّدة مكتوبة".. قرار أصدره وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة الأسبوع الجاري، فسخر أئمة من القرار على صفحات التواصل الاجتماعي وفي تصريحات خاصة ل"هافينغتون بوست عربي"، واصفين إياه بأنه يحول إمام المسجد إلى "خطيب آلي". الشيخ عبد العزيز رجب، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، اقترح ساخرًا، عبر حسابه على فيس بوك، الاستعانة ب"الخطيب الآلي"، مؤكدًا أنه "هو الحل"، بحيث تقوم الأوقاف ب"ملء ذاكرته بما تشاء ويخطب بما تشاء، وبهذا ترفع الحرج عن الأئمة والخطباء". وأضاف رجب، في تغريدة له على تويتر، أن الإمام والخطيب "سيتحول بالخطبة المكتوبة إلى ألعوبة في أيدي الأجهزة الأمنية، يقول كل ما يُملى عليه". واتفقت حركة تسمى "أبناء الأزهر الأحرار"، مع ما ذهب إليه رجب، قائلة إن "الإمام والخطيب سيتحول بالخطبة المكتوبة إلى ربوت في أيدي الأجهزة الأمنية، يقول كل ما يُملي عليه ويُكتب له". وفي السياق ذاته دشن عدد من خطباء المساجد، هاشتاج "لا للخطبة المكتوبة"، أكدوا خلاله أن الخطبة الموحدة من ورقة مطبوعة وموضوع واحد على مستوى الدولة "تقتل الإبداع لدى الخطباء والأئمة، وتحول الأئمة إلى دمى في أيدي النظام"، وسخروا منها. وتساءل عبد الله هلال، إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف، ساخرًا عبر حسابه على فيس بوك: "هل ممكن استخدام الداتا شو في عرض الخطبة مع تجول الإمام وسط المصلين للفت انتباههم وعدم سرحانهم؟".
وتابع: "ماذا لو تم تسريب الخطبة للمصلين قبل يوم الجمعة.. أكيد محدش هييجي يصلي"! "لسنا ببغاوات أو رجلاً آلياً"
"لسنا ببغاوات كي نردد ما تكتبه الوزارة من على المنبر".. بهذه الكلمات أكد إمام أحد المساجد بمنطقة شبرا، شمال القاهرة، رفضه للقرار، متسائلًا في حديثه ل"هافينغتون بوست عربي": "كيف ستقيّم إذًا تقارير الوزارة أداء الأئمة؟ هل سيعطون إمامًا تقدير ممتاز أو جيد جداً لأنه قرأ الخطبة كويس (بشكل جيد)"؟! وتوقع "فشل" تطبيق القرار تدريجياً، وأن يكون "هوجة وتنتهي"، كما حدث في قرار سابق بمنع عقد خطب الجمعة في الزوايا التي تقل مساحتها عن 80 مترًا. وانتقد الإمام، ما وصفه ب"الاستثناءات" التي سيتم منحها لبعض الأئمة لارتجال الخطبة، حيث قالت وزارة الأوقاف في بيان لها، إن "مديريات الأوقاف ستقدم كشوفًا بأسماء بعض الأئمة المتميزين الذين يمكنهم إلقاء الخطب الموحدة ارتجالًا دون الحاجة للالتزام بنص الخطبة المكتوبة". بدوره اعتبر الشيخ محمد صبحي، إمام مسجد بمحافظة البحيرة شمال مصر، أن الخطبة الموحدة "غير مناسبة للأرياف، كما أنها لا تتفق مع كل المناسبات، فلو كانت هناك جنازة، مثلًا وجاءت الخطبة الموحدة عن فرحة العيد، كيف أقولها والناس حولي في الحي حزانى؟". وقال الشيخ أحمد البهي، إمام وخطيب مسجد سيدي جابر بالإسكندرية، إن "هناك حالة استياء وسط الأئمة، بسبب الخطبة المكتوبة"، معتبرًا أن "هذا يصبّ في اتجاه تجميد الخطاب الديني وليس تجديده، ويضر بصورة الأئمة والدعاة عمومًا". واعتبر الشيخ عاطف عبد الحميد، إمام أحد مساجد القاهرة، أن "الخطبة المكتوبة لا تفيد الإمام، بل تؤدى إلى إهانته أمام الجمهور، كما يمكن الاستغناء عنه بتشغيل إذاعة القرآن لسماع الخطبة". رفض أزهري وفي تصريحات صحفية وصف رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، عبد الحميد الأطرش، القرار بأنه "غير مدروس وعيب كبير في حق علماء الدين بمصر"، كما رأى فيه أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر وأحد أبرز علمائها المؤيدين للسلطات الحالية، "إهانة لبلد الأزهر وبدعة مرذولة ستؤدي إلى قتل الابتكار ووأد الارتجال". وقالت د. أمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة العميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، ل"هافينغتون بوست عربي"، إن "هذا القرار قلة حيلة من الدولة ممثلة في وزارة الأوقاف، ونوع من تجميد الحياة المنبرية وتأميمها لصالح الدولة، ويخالف الدور المنوط به المسجد المعروف منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)". وأضافت نصير التي تحظى حاليًا بعضوية مجلس النواب: "أرفض هذا القرار شكلًا وموضوعًا ومضمونًا، ولا أرى في الخطبة المكتوبة أي إبداع، فما الفرق بينها وبين وضع أجهزة تسجيل في كل المساجد يسمع المصلون الخطبة من خلالها؟! فأين الإبداع والاجتهاد إذًا؟". القرار دعوي أم سياسي؟ وقررت وزارة الأوقاف في بيان لها الثلاثاء فرض "خطبة مكتوبة موحدة" على أئمة المساجد، مؤكدة أن الهدف منها "إبراز الوجه الحضاري للإسلام، وليس فيها مخالفة شرعية على الإطلاق، وتسهم في تصحيح المفاهيم الخاطئة، وصياغة الفكر والفهم المستنير". وأشار الوزير إلى أن "لجنة علمية عليا من كبار العلماء ومن الشباب من الأجيال المختلفة بجانب أساتذة علم الاجتماع وعلماء النفس هم من سيضعون الخطبة المكتوبة، كما أنهم سيضعون خطة مدروسة دراسة علمية برسائل عامة يفهمها الجميع". ووجه البيان انتقادات حادة لأداء الخطباء والأئمة أثناء خطبة الجمعة، مشيرًا إلى أن هذا الأداء هو السبب الرئيسي للقرار الأخير موضحاً أن "بعض الخطباء لا يملكون أنفسهم على المنبر سواء بالإطالة التي تخالف سنة النبي، أو بالخروج عن الموضوع إلى موضوعات أو جزئيات متناثرة لا علاقة لها بالموضوع بما يربك المستمع ويشتت ذهنه، ويضيع المعنى المقصود من وراء الموضوع، أو بالدخول في أمور سياسية أو حزبية لا علاقة لها بمضمون خطبة الجمعة". ولكن وزير الأوقاف حرص على تأكيد أن توحيد الخطبة وجعلها مكتوبة ليس له أي دوافع سياسية، وأضاف: "هدفه صياغة الفكر المستنير بصورة علمية ومنهجية وسأكون أول من يبدأ بتنفيذها". وسبق قرار تعميم الخطبة المكتوبة بساعات لقاء بين وزير الأوقاف والرئيس عبدالفتاح السيسي. وفي تصريح خاص ل"هافينغتون بوست عربي" قال مسئول بالوزارة حضر الاجتماع (رافضاً ذكر اسمه لحساسية موقعه): "أعتقد أن الوزير اتخذ هذا القرار ليرضي الرئيس، ويغطي على فشله في تجهيز خطة حقيقية لتجديد الخطاب الديني سبق أن طالب بها السيسي منذ عامين".